ثقافة وأدب

النِحَل والسرقات الأدبية

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

السرقة الأدبية والفكرية ليست بدعة مستحدثة في الساحة الثقافية والأدبية وكذلك في ميادين النظريات العلمية والمخترعات، فقد عرفتها الشعوب والأمم منذ آلاف السنين ، عرفتها الإمبراطوريات الرومانية واليونانية والفارسية، وكذلك عرفها العرب القدماء، فقد روي عن الشاعر الجاهلي “طرفة بن العبد” أنه قال في هذا الشأن:
ولا أُغيرُ على الأشعار أسرقها/
عنها غُنيتُ وشرُّ الناس من سرقا
وإنَّ أحسنَ بيتٍ أنتَ قائلهُ/
بيتٌ يُقالُ إذا أنشدتَهُ صدقا

وقد طالت يد الناحلين والمزورين حتى الأحاديث النبوية الشريفة، لولا أن قيّض الله لها من العلماء من نقّاها واصطفاها، وأخرج منها ما دُسَّ فيها من قبل أعداء الإسلام.
وكي لا نبتعد كثيراً ،نكتفي بهذه التوطئة البسيطة للولوج إلى لبّ الموضوع الذي نريد التعرض له، وهو موضوع السرقات الأدبية التي نشاهدها وباتت علانية ولا رادع لها، بعد أن هيّأت التقنيات الحديثة من أجهزة ومعدات وبرامج، وما جاءتنا به مواقع التواصل ،وما استُحدث من هواتف نقّالة وكومبيوترات ثابتة، بحيث أتاحت الفرصة لكل من هبّ ودبّ،ولكل متطفل على الساحة الأدبية والثقافية، أن ينسب لنفسه ما قاله الآخرون وما كتبه المجتهدون بعد جهد ومثابرة، وصبر ومصابرة، ليأتي من يسرق أعمالهم وينسبها لنفسه كلاً أو جزءاً،ويدعي لنفسه شرف اختراعها وابتداعها، ليصبح بفضل تمكنه من استخدام التقنيات الحديثة، من قص ولصق ونسخ وما شابهها، من أن يجعل له مكانة على الصفحات، دون أن يخشى رقيباً ولا حسيباً ،بعد ان غيّب عن نفسه رقابة الضمير، والأمانة الأخلاقية والأدبية، وبعد ان أصبحت الساحة الأدبية “سداح مداح” كما يقول المثل المصري.
ومن جانب آخر، وحتى لا نكون متشددين في هذا المجال، وحتى لا يقال عنا أننا ندعو إلى “نخبوية” لها حق الكتابة دون غيرها، ولا نتيح المجال للأقلام الشابة والفتية، والجيل الصاعد بأفكاره وقيمه وآرائه العصرية التي من شأنها أن تطور الأنماط الأدبية والفنية والثقافية، بما يتلاءم مع روح العصر، دونما تفلّت أو إسفاف، نقول:
إن الأفكار والآراء وكل منتج أدبي أو فكري أو فني أو ثقافي، ما هو إلاّ وليد الموهبة التي يهبها الله للإنسان مع ولادته،وما يكتسبه من البيئة التي يعيش في كنفها، ولذلك لا بد من أن يتأثر الكاتب أو المفكر أو العالم أو الفنان بما حوله، فيكتسب وتتراكم لديه المعارف والرؤى، ويأخذ من الغير ما يجده مفيداً ومقنعاً، ويختزنه في الذاكرة، او يدونه في دفاتره، وقد يلجأ إليه ليضعه في مقال أو بحث أو موضوع أو رواية أو حتى في مقطوعة موسيقية او شعرية، ولا يعيبه في ذلك عائب، ولا يشينه شائن، شريطة أن يشير إلى ما أخذه من غيره بشكل جلي، إما بذكر المصدر باسمه الصريح، او بوضع ما اقتبسه من الآخرين داخل قوسين او مزدوجتين ليشير للقارئ او المطلع أن ما اورده داخل المحصور بالمزدوجتين هو من نتاج غيره ولا ينسبه لنفسه، فإن لم يفعل ذلك سنقول عنه بأنه: سارق وأفاق وكاذب،وسيحاسبه الله عليه قبل أن تحاسبه القوانين والأنظمة التي تكفل للآخرين حقوق الملكية والإصدار والنشر ،وتكفل لهم ريعها المادي والمعنوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى