مقالات

الإسلاميون بين النهر والأفعى!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب


انبعثت ما تسمى بالصحوة الإسلامية خلال العقود الأخيرة، وبقدر ما جسدت هذه الصحوة القوة الذاتية لهذا الدين العظيم فقد أيقظت مخاوف الكثير من القوى العظمى من هذا الدين فاندفعوا إلى شن حروب عديدة ضد الحركات الإسلامية التي تحاول إعادته إلى الصدارة، ووصل الحال ببعضهم إلى حد العمل الدائب من أجل تجفيف منابع الدين الإسلامي بكل ما يمتلكون من مكر وقوة.
ومن الطرائق التي استخدمها أعداء الأمة ضد الإسلاميين طريقة الاغتيال المعنوي قبل القتل الحسي ولكن بطريقة تبدو للرائي كأنها انتحار ذاتي وليس قتلا أو اغتيالاً من الخارج!

ومن صور هذه الطريقة ما ورد في المثل التركي الذي يقول: “من يسقط في النهر يتمسك بالأفعى”، حيث يتم الإغراق في النهر وقبل الاختناق ومجيء الموت يرسلون أفعى عظيمة على شكل جذع شجرة؛ ولأن الغريق يتعلق بقشة كما يقول المثل العربي فإن أغلب هؤلاء يمسكون بالأفعى، مما يشغلهم عن البحث عن مخرج آخر ظانين أنها طوق النجاة، ولا يعرفون الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، هذا بجانب فقدانهم لتعاطف عدد كبير من العامة الذين يرون الإسلاميين يخالفون مبادءهم وشعاراتهم حينما يمسكون بالأفعى، لكنهم لا يعرفون إلا القليل عن الظروف والملابسات التي أوصلتهم إلى هذا المصير، ولا يدرون بالطبع شيئا عن النية المبيتة لمفارقة الأفعى عند الوصول إلى الضفاف!
إن الأعداء يستخدمون هذه الطريقة ضمن استراتيجية كبيرة لاحراق الإسلاميين والقضاء على نقاط قوتهم، وخاصة ما يتعلق باستمدادهم من الوحي وحده وانتمائهم إلى الجماهير بعيدا عن العصبيات والمصالح الضيقة.

ومن صور هذه المصيبة اتكاء الإسلاميين اليمنيين على السعودية في تحرير بلدهم من الحوثيين، واعتماد الفلسطينيين على إيران في تطوير مقاومتهم للصهاينة، هذا رغم ما تفعله إيران والسعودية بالإسلاميين في مناطق عديدة من العالم!
وفي ذات الدرب تعاون إسلاميو العراق وأفغانستان مع الأمريكيين بعد احتلال بلديهما، منطلقين من اعتقاد راجح أن ذلك التعاون ضروري لإشاعة السلام وإقامة الديمقراطية وتجاوز خطر العاصفة، وأنهم بعد أن تمضي عاصفة الغزو سيعودون إلى مشاريعهم السياسية والاجتماعية والثقافية الأصيلة من بوابة الانتخابات الحرة، لكن ذلك لم يحدث كما هو مأمول؛ فقد ظلت مكائن الإعلام تمارس تشويها مدروساً وشيطنة مكثفة وبطريقة ممنهجة من قبل دوائر علمية واستخبارية على قدر كبير من الدهاء، وبصورة منسقة من قبل خصوم كثيرين يديرهم مخرج واحد تحت لافتة العداء للعدو المشترك لهم جميعا، وقد رأينا كيف خسر الحزب الإسلامي العراقي الانتخابات التشريعية بالضربة القاضية وكيف خسر قبل ذلك وحدته وجماهيره حتى أصبح متقزما بشكل واضح، أما الأحزاب الإسلامية الأفغانية فقد خسرت مكانتها كلية لتذهب إلى طالبان التي ظلت طيلة عقدين تجاهد المحتل الأمريكي بكل صرامة وإباء!

وفي الوقت الذي اندفع الفرقاء المختلفون للتوحد في حرب الإسلاميين رغم ما بينهم من تباينات كبيرة؛ فقد نجحت هذه الاستراتيجية في دفع أطراف من الإسلاميين لتسفيه بعضهم ونعتهم بشتى النعوت، بل وشيطنتهم بأثر رجعي، على طريقة أهل الكتاب: {وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء..}!

وهناك صور أخرى لهذه المعضلة، مثل دفع نظام الإنقاذ السوداني المحسوب على الإسلاميين للتحالف في بداية أمره مع إيران وللتشبث بروسيا وسوريا في النهاية ظاناً أن روسيا ستنقذه من الغرق!
وفي ذات السياق تم دفع إسلاميي المغرب وتونس حينما كانوا في السلطة، لتقديم تنازلات عديدة تتعلق بالهوية، انطلاقا من أن هذه التنازلات إنما هي من باب درء المفاسد الكبرى بارتكاب مفاسد صغرى، وأنها تنازلات مرحلية اقتضتها الضرورة من أجل الوصول إلى شاطئ السلامة وتوطين الديمقراطية، كما فعل إسلاميو تركيا الذين تبنوا علمانية جزئية في مواجهة مرحلية محكمة للعلمانية الشاملة التي ظلت تحكم تركيا طيلة ثمانية عقود، لكن المؤامرة كانت بالمرصاد لإسلاميي تونس والمغرب، فقد تم إخراجهم من السلطة قبل أن يتبين جمهورهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود، ولقد تعددت الأساليب والإخراج نفسه بل والمُخرج واحد!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أشكر الاستاذ الدكتور فؤاد على مقاله الراقي ، و لي هذا التعقيب المتواضع :
    في نهاية سنة 1970، وصل الماسوني ذيل أمريكا “حافظ الأسد” إلى رئاسة سوريا . قبل ذلك سيطرت أمريكا على مصر في انقلاب 1952 و على تركيا في انقلاب 1960 و على اليمن في انقلاب 1962 و على العراق في انقلاب 1968 وعلى السودان و ليبيا في انقلابي 1969 و كان تحصيل حاصل أن تسيطر على إيران في انقلاب 1979 . في عقد السبعينات من القرن الماضي ، باشرت أمريكا بشن حملة شرسة على دين الإسلام و أهله و كان اللبيب السباق في إدراك ذلك المرحوم “عبد الودود يوسف الدمشقي المتوفى سنة 1982 ” فنشر كتاباً تحت اسم مستعار لمؤلف و هو “جلال العالم” – كان معذوراً على ذلك لأن حافظ الأسد كان سيأمر بقتله – و كان عنوان الكتاب ” قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله “. بمجرد سماعي عن الكتاب المنشور ، قمت بالبحث الطويل عنه في المكتبات و تيسَر لي العثور عليه في وسط عقد الثمانينات . لم يخطر ببالي أن يكون قادة الغرب بهذا المستوى من الغباء و خراب العقول لأن أحداث التاريخ ، في محطات مختلفة ، أثبتت أن الإسلام يستحيل تدميره و أهل الإسلام لا يمكن إبادتهم .
    كنت أريد اقتناء الكتاب لأرى إذا كان المؤلف لديه ما يقنع العقل أو أن كلامه مجرد تشنجات عاطفية نتيجة ضغوط الواقع المرير في بلدان العرب و المسلمين . أقنعني المؤلف بشكل جزئي لكن الوقائع الجارية منذ عقد الثمانينات و وصولاً إلى ثورات الربيع العربي و الأعمال المضادة عليها – برعاية أمريكا و أتباعها و أذنابها و بإمساكها لخيوط اللعبة في كل بلد – برهنت بشكل شبه يقيني على صحة ما قاله “عبد الودود يوسف” رحمه الله أي أن الضالين يريدون تدمير الإسلام و إبادة أهله .
    تمكين إيران – درة التاج للإمبراطورية الأمريكية – من أربعة بلدان عربية “العراق ، سوريا ، اليمن ، لبنان ” مع ما صاحب ذلك من سفك دماء و تدمير للممتلكات وتغيير في التركيبات السكانية أثبتت أن تحالف الأقليات هو من سيسيطر من خلال مشروع “الفوضى الخلاقة ” لتنفيذ مشروع “الشرق الأوسط الجديد ” تحت الأقليات و الخالي من المسلمين . من لا يشكر الناس لا يشكر الله ، و أنا شاكر لأولئك العلماء المسيحيين من أهل لبنان الذين أشاروا إلى ذلك حرفياً . هم قالوا “استهداف السنة” و أنا أقول “استهداف المسلمين ” لأن التشيع مذهب إسلامي إن كان لا يتبع إيران ، أما إن تبع إيران القومية العنصرية الحاقدة فهو دين جديد اسمه “الدين الفارسي الشيعي” و هو من تأليف الخميني “الهندي” عميل أمريكا منذ مطلع الستينات في القرن الماضي و معروف للقارئ المتابع ما الذي دعا إليه هذا الهندي لإخراج الشيعة من الإسلام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى