مقالات

هل بإمكان طالبان أن تجعل أفغانستان دار الإسلام؟

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

سألني أحد الإخوة الذين نحبهم في الله:

عندي سؤال:

قال لي أحدهم: إن طالبان بإمكانها أن تجعل أفغانستان دار الإسلام بدون إعلان الخلافة، وجاء  بشرطي دار الإسلام: أن يكون الحكم فيه بما أنزل الله وأمانها بأمان المسلمين…

والسؤال بشقين: هل يوجد فرق بين دار الإسلام والدولة الإسلامية؟ فهل بإمكان حركة طالبان أن تجعل أفغانستان “دار الإسلام” بدون إعلان الخلافة؟

الجواب:

جعلنا الله وإياكم من الحريصين على التفقه في أحكام الدين، ومن العاملين لإعلاء كلمته بتطبيق شرعه ولإخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة ومن جور الحضارة المادية إلى عدل الإسلام الذي هو وحده رحمة رب العالمين المهداة للعالمين.

  1. هل يوجد فرق بين دار الاسلام و بين الدولة الاسلامية؟

“دار الإسلام” هي مضاف ومضاف إليه: فالدار مضافة إلى الإسلام، وهذا يعني أن الدار تخضع لحكم الإسلام في شؤونها كافة، فتطبق الدولة أحكام الإسلام في رعاية شؤون الأمة في الداخل كما في السياسة الخارجية، ويكون أمانها بأمان المسلمين فليس للكافرين عليهم أي سلطان. ومن أهم فروض الدين إقامة الخلافة الواحدة الجامعة للأمة الإسلامية كافة، فلا يصح ولا يجوز تعدد الخلفاء كما وردت في ذلك الأدلة الشرعية.

فهذا،باختصار، واقع “دار الإسلام” التي لا تتعدد ولا تقوم على أساس غريب على الإسلام كما يطلق عليه الدولة الوطنية القطرية التي انبثقت من منظومة معاهدة وستفاليا في اوروبا 1648.

أما المسألة الأخرى المتفرعة من السؤال: هل يمكن وجود “الدولة الإسلامية” بدون أن تكون “دولة الخلافة”؟

فالجواب هو كلا ثم كلا…فلفظ “الدولة الإسلامية” ب أل التعريف تفيد الحصر….وهذا الحصر مربوط حكما بدولة الخلافة التي لا تتعدد كما أسلفنا.

أما إذا طرح السائل  إمكانية وجود “دولة إسلامية” (أي بلفظ التنكير) فهذا يشبه القول بإمكانية وجود “إمارة إسلامية” تطبق أحكام الشرع في الداخل والخارج

فهل هذا ممكن؟؟ أي بعبارة أخرى وجود “دار إسلام” (نكرة) وليس “دار الإسلام” المعرفة والتي لا تكون إلا بدولة الخلافة، التي عرّفت بأنها رئاسة عامة لجميع المسلمين في الدنيا تقيم أحكام الدين في الداخل و تتبع السياسة الخارجية وفق أحكام الدين وليس وفق شرعة سايكس بيكو او وستفاليا وما شاكل من مواثيق يرفضها الإسلام.

فالجواب : نعم هذا ممكن “نظريا”

أي من الممكن تواطؤ المسلمين في بقعة ما على الأرض على تطبيق أحكام الدين فيما بينهم مع كون أمانهم بأيديهم ولا سلطان للكافرين عليهم، ولكن لوجود موانع لا يستطيعون إعلان الخلافة التامة، فدارهم في هذه الحال تكون “دار إسلام” وليست دار الإسلام، و  قد يطلق على هذه الدار إمارة إسلامية أو “دولة إسلامية”…

لا بد من التنويه هنا إلى بقاء تاج الفروض، أي إقامة الخلافة، معطلا وبالتالي يبقى المسلمون آثمين بعدم مبايعة الخليفة…وبالتالي فقيام مسلمو الإمارة الاسلامية، موضع البحث هنا، بتطبيق جل أحكام الدين لا يسقط عنهم إثم إقامة الخلافة.

  • ما هو واقع طالبان، وهل ينطبق عليها ما ذكرناه أعلاه؟ وهل بإمكان طالبان إعلان إمارة أفغانستان الإسلامية؟؟ فتكون “دار إسلام” وليس دار الإسلام؟
  • أ‌-              من هي طالبان؟

قامت باكستان، في حكومة بنظير بوتو ووزير الداخلية يومها الجنرال نصيرالله بابار،  بإنشاء طالبان في 1994 استجابة لطلب أمريكا يومها، واحتضنت باكستان طالبان وأمدتها بأسباب الدعم والبقاء سواء حين كانت في سدة الحكم (1996-2001) أو بعد عدوان أمريكا على افغانستان بحجة كذبة 9/11، والتي حملت مسؤوليتها لتنظيم القاعدة وبالتالي طالبان التي وفرت ملاذا لتنظيم القاعدة، مع أن كلا من القاعدة وطالبان لا يد لهم فيما صنعته المخابرات الأمريكية في نيويورك وواشنطن في 2001.

فبعد الإطاحة بحكم طالبان استمرت باكستان في رعاية حركة طالبان، وصولا إلى رعاية مباحثات الدولة التي أثمرت الإتفاقية بين طالبان وأمريكا في شباط 2020 في عهد الرئيس ترامب والتي قضت بانسحاب أمريكا من افغانستان في أول أيار 2021، ثم جاء الرئيس بايدن ومدد تاريخ الانسحاب ليصبح أول ايلول 2021.

فطالبان لا تستطيع أن تصول وتجول لولا الدعم الباكستاني المباشر…وإلى الآن لم تمتلك طالبان ناصية الحكم والسلطان في أفغانستان إلا في ظاهر الأمر، وكل ذلك تحت سقف اتفاقية الدوحة، والتي تضمنت شروطاً عديدة تجعل للكافرين،أمريكا هنا، سلطانا على حكومة طالبان القادمة.

ب ثم إن طالبان ،حتى حين كانت في سدة الحكم ما بين 1995-2001، لم تتبنى يوما مشروع إقامة الخلافة الإسلامية، بل أصر قادتها مراراً وتكراراً على تمسكهم بما  سموه “إمارة أفغانستان الإسلامية”، رافضين أي مناداة بإقامة الخلافة. ولذا وجدنا طالبان بعد دخولها كابول إثر انسحاب القوات الأمريكية تعلن إحياء دستور الملك محمد ظاهر شاه، رغم إدخالها مقولة “إلا ما تعارض مع الشريعة الإسلامية” المبهمة دون تبيان ما الذي يتعارض وما لا يتعارض. وقرأنا مؤخرا عزم طالبان على السماح بإقامة “بنوك إسلامية” في استنساخ لظاهرة البنوك المتأسلمة” التي ترتضي التعايش تحت سقف النظام الإقتصادي الرأسمالي، بعيداً عما يفرضه الإسلام من أحكام النظام  الإقتصادي الإسلامي، فينتهي الأمر بإقامة كيان مسخ هجين يرفع لبوس الإسلام بينما هو لا يختلف عن النسخة الراسمالية إلا ببعض القشور السطحية .  كما يتضح أن طالبان تبقى حبيسة السقف المفروض عليها من قبل باكستان ومن ثم أمريكا. فمن جهة لا تملك استقلالية القرار، ومن جهة لا تملك الرؤية السياسية الشرعية التي تجعلها تحمل مشروع الخلافة الإسلامية التي هي شرط لوجود “دار الإسلام”…..وحتى على فرض سعي طالبان في تطبيق أحكام الدين كافة تحت مسمى “إمارة أفغانستان الإسلامية”، يبقى المسلمون في أفغانستان، كما في غيرها، آثمون حتى تتم إقامة الخلافة ومبايعة خليفة المسلمين، وليس أمير المؤمنين الأفغان أو الترك او العرب…

قد يقول قائل: مع صحة ما ذكرناه أعلاه، إلا أن الأخوة في طالبان “يتدرجون” في تطبيق الشريعة، وهم الان غير قادرون على إعلان الخلافة كما يفرض الحكم الشرعي بسبب وجود موانع عملية فلا طاقة لهم بمواجهة حلف المستعمرين في الغرب والشرق، فهم “يتدرجون” في التمكين بداية للتوصل لاحقا إلى إقامة الخلافة الناجزة…

وهذا قول جدير بالنظر فيه، لولا أن الأخوة في طالبان لم يطرحوه مطلقا خلال 25 سنة من وجودهم؛ ورغم أن حركة طالبان نشأت من رحم المدارس الشرعية التي تزخر بعلماء الشريعة إلا أنها خلال 25 سنة لم تعنّي نفسها بطرح رؤية، مهما كانت متواضعة، لطبيعة الدولة الإسلامية المراد إقامتها فانتهى الأمر بها إلى إحياء دستور الملك ظاهرشاه، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن الواقع السياسي وارتباط طالبان بباكستان، بالاضافة إلى سعيها الحثيث لنيل رضى المجتمع الدولي من حكومات الصين وروسيا وايران وأمريكا وأوروبا،

فهذا كله يشير الى أن فاقد الشيء لا يعطيه وأن التفكير بإقامة تاج الفروض:الخلافة الإسلامية التي تحقق “دار الإسلام” غير وارد عندهم….

والقاصي والداني يعلم حق العلم تواطؤ أمم الكفر على الكيد ضد الإسلام والمسلمين، وأن قادة دول الكفر قد أجمعوا أمرهم على الحيلولة دون قيام دار الإسلام، مما يقتضي قطعاً وجود تفكير مسؤول جدي عند أي جهة تعمل لإعلاء كلمة الله بتطبيق شرعه كما يريد هو وليس كما تسمح به عواصم الاستعمار ووكلائهم من حكام المسلمين المحليين. ولا نعلم وجود مثل هذا التفكير عند الإخوة في حركة طالبان.

 ومن كان عنده إثارة من علم بخلاف هذا فليفدنا بها مشكوراً مأجوراً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى