مقالات

أمريكا رأس الأفعى- حالة لبنان أمريكا تقتل القتيل وتمشي في جنازته !

د. عثمان محمد بخاش

باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة
عرض مقالات الكاتب

علٌّق المتحدث الاقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية صامويل وربيرغ في حديث للـLBCI ، 31-10-2021، على ما يحصل بين لبنان والسعودية، قائلا إنه “ليس لدينا موقفاً معيناً بالنسبة لهذا الصراع لأن لدينا علاقات مع لبنان ومع الشعب اللبناني منذ سنوات كما عندنا علاقات مع الدول الخليجية بما فيها المملكة العربية السعودية ودول أخرى”.وأكد وربيرغ أن “الولايات المتحدة لا تريد الخوض في هذا الصراع وترى أن الوقت الآن هو لدعم الحكومة اللبنانية وتشجيع الاستقرار”.

أثار هذا التصريح صدمةً عند كل من سمعه، فالكل يدرك أن أمريكا هي صاحبة القول الفصل في ملفات المنطقة، من لبنان الى السعودية الى العراق وسوريا واليمن وصولا الى السودان ومصر.

حتى نابليون فرنسا المدعو ماكرون لم تفلح صولاته وجولاته المتكررة،هو ومبعوثيه، ودموع التماسيح التي ذرفها بحجة حرصه على أهل لبنان من تحريك حجر في الساحة اللبنانية ففي كل مرة كان يصطدم بالصخرة الأمريكية.

 كما أن هذا التصريح يتناقض كلية مع الموقف الأمريكي، في عهد الرئيس السابق ترامب الذي كان في جولة في آسيا شملت عدة دول حين فوجيء بإعلان سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة في  4 تشرين الثاني 2017  بعد استدعائه إلى الرياض، و أكد وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون،الذي كان يرافق ترامب في جولته، أن سعد الحريري “شريك قوي” للولايات المتحدة، واتصل بمساعده في واسنطن ديفيد ساترفيلد للقيام بما يلزم للجم محمد بن سلمان عن رعونته وإلغاء الاستقالة. وكانت صحيفة “الأخبار” اللبنانية نشرت في حينه أن الولايات المتحدة الأمريكية وجهت عبر مسؤولين أمريكيين لوزير الدولة لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، توبيخاً حاداً خلال زيارته إلى الولايات المتحدة  في اجتماعين منفصلين، الاجتماع الأول في وزارة الخارجية الأمريكية بحضور ممثّل عن وكالة الأمن القومي، والثاني في وزارة الدفاع الأمريكية، حيث قال الأمريكيون للسبهان إن “التصرفات السعودية حيال لبنان (أي فرض الاستقالة على الحريري)هوجاء”، مضيفين أن “هذه التصرفات تضر بمصالح الولايات المتحدة في لبنان”.

وهكذا تم “تحرير” الحريري من إقامته الجبرية عند ابن سلمان ورجع رئيساً للوزراء في بيروت، ليكمل تقديم خدماته لحزب الله التي هي “مصلحة أمريكية”، فالمعروف أن حزب الله كان يستمتع بغطاء “شرعية الحكومة اللبنانية” بينما هو الآمر الناهي في كل الملفات الحساسة، و أهمها منع سقوط ذيل أمريكا بشار_الكيماوي في دمشق.

ومن المعروف أيضا أن أمريكا “رأس الأفعى” هي التي تسببت بالأزمة الخانقة التي يعيشها لبنان منذ أوقفت واشنطن ضخ أية سيولة مالية من الخارج إلى لبنان منذ 2019.  وأمريكا، والغرب والشرق معها، كانت تدرك تمامًا فساد الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان، والمتشاركة في توزيع حصص  الكعكة الاقتصادية فيما بينها، من صفقات و عمولات فاحت روائح الفساد فيها حتى فاقت على روائح النفايات التي طمرت شوارع المدن اللبنانية، في الوقت نفسه الذي تمت فيه ضخ مئات ملايين الدولارات الى جيوب سماسرة المقاولين المقربين من دوائر السلطة، شركائهم في السرقات ونهب المال العام. فأعلنت واشنطن عن فرض عقوبات على المقاولين جهاد العرب و داني خوري بتهم الإثراء غير المشروع، و كشفت  وزارة الخزانة الأمريكية “أن  جهاد العرب عمل كوسيط عام 2014 للتوسط لعقد اجتماع بين كبار المسؤولين اللبنانيين قبل الانتخابات الرئاسية اللبنانية مقابل حصوله على عقدين حكوميين تبلغ قيمتهما حوالي 200 مليون دولار”. أما داني خوري فكشفت الوزارة أن خوري حصل في عام 2016 على عقد بقيمة 142 مليون دولار من مجلس الإنماء والإعمار لتشغيل مطمر برج حمود. واتُهم خوري وشركته بإلقاء النفايات السامة والنفايات في البحر الأبيض المتوسط وتسميم الثروة السمكية وتلويث شواطئ لبنان، بينما فشل في معالجة أزمة النفايات.

وهكذا بقدرة قادر وبسحر ساحر، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في بيانها أن هذا الإجراء “يهدف إلى محاسبة النخبة السياسية والتجارية في لبنان الذين استفادوا من المناقصات المضخمة وثقافة المحسوبية المنتشرة التي تقوض مؤسسات لبنان وسيادة القانون والاستقرار الاقتصادي ويبرهن على دعم الولايات المتحدة للشعب اللبناني في دعواته للشفافية والمساءلة”.

ولا يوجد عاقل على وجه الأرض يصدق كذب الحكومة الأمريكية التي تتظاهر بأنها جمعية خيرية تخاف على مصلحة الشعب اللبناني الذي يكتوي بنار سياساتها؛ ولا يوجد عاقل يصدق كذبة حرص أمريكا على حقوق الإنسان ومحاربة الفساد والفاسدين وهي التي رعت وحمت كل طاغية مجرم في المنطقة من انقلاب السيسي إلى ذيلها بشار الكيماوي، صاحب أكبر حرب إبادة في القرن المنصرم، إلى رجلها في الخرطوم البرهان وشريكه حميدتي، دون إغفال جريمه قتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، التي مرت مرور الكرام في واشنطن. يضاف هذا إلى سجلها الإجرامي الكالح بما ارتكبته في أفغانستان والعراق، فضلاً عن دعمها غير المحدود لجرائم الصهاينة.

طبعًا من المضحك مهزلة فرض العقوبات على هذا وذاك من صغار الفاسدين، بينما الكبار يتم تأجيل محاسبتهم حتى استنفاد خدماتهم إلى حين، فأمريكا لا تقيم وزنا لأي تابع إلا لتحقيق مصلحتها.

فقد كشف الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي عن أن الأموال المنهوبة في لبنان تبلغ 170 مليار دولار، ولا أحد يتكلم عنها ،أو يطالب بالكشف عن السارقين ومحاسبتهم.وما هذه العقوبات إلا أدوات تحقق أهداف سياستها في لبنان :

  • أولا التنازل عن ثروات  النفط والغاز البحرية لصالح يهود، وفي هذا السياق منعت أمريكا بالفم الملآن أية شركة في العالم من المباشرة بأعمال التنقيب في أي منطقة في لبنان،أي بعيدا عن المنطقة الحدودية المتنازع عليها مع يهود حتى يرضخ لبنان لما تريد فرضه في تمكين يهود من نهب الثروات؛
  • ثانيًا تريد أمريكا استعباد اهل لبنان برضوخهم لشروط البنك الدولي بما في ذلك خصخصة  المرافق العامة،
  • ثالثًا فرض سياسة التطبيع مع كيان يهود الغاصب بدعوى مساعدة لبنان ومده بالغاز لتوليد الكهرباء، هذا الغاز المسمى أنه “مصري” بينما هو قادم من عند الصهاينة ،
  • رابعًا: تطبيع العلاقة مع ذيلها بشار بحجة استجرار الغاز اليهودي-المصري من جهة و توريد الكهرباء من الأردن عبر سوريا من جهة أخرى. ثم ترفع أمريكا أم الإرهاب وأم الفساد راية الطهر وحقوق الإنسان ومحاربة الفساد.

نعم هذه هي أمريكا التي “تقتل القتيل وتمشي في جنازته”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى