مقالات

قرداحي ، وانتفاء وسائل المساعدة !

أحمد الهواس

رئيس التحرير

عرض مقالات الكاتب

ربما أن الجمهور العربي لم يكن على معرفة بجورج قرداحي – رغم تاريخه الإعلامي الطويل في الصحافة والإذاعة – حتى أطل عليهم عبر شاشة إم بي سي ، في 27 نوفمبر 2000 في أول يوم رمضان ، في برنامج من سيربح المليون ؟، وهو النسخة العربية عن البرنامج الشهير Who Wants to be a Millionaire? ،البرنامج -دون شك- غزا البيوت العربية ، وجعل المشاهدين يتسمّرون أمام الشاشات ، ليتابعوا كثيرًا من سطحية المشاركين ، وقليلًا من ثقافة بعضهم أول لنقل معلوماتهم.

ليس بالضرورة أن نعرف هدف البرنامج أو غايته ، وهذه عادة الجمهور ، بل مقدار الشدّ والإثارة وما يعلق في الذهن من طرائف ومواقف ، ولهذا يصبح البرنامج جماهيريًا يُتابع ، ليس لأنّه مهم أو يقدم جديدًا ، بل لأن ثمة حالة تشابه العدوى ، وحبّ الاطلاع والفراغ وأماني النفس أن يكون ” المتلقي”  أحد المتسابقين فيحظى بسفر لعاصمة عربية أو أوربية ، ويحوز على مبلغ جيد أو يصبح مشهورًا كونه ممن شارك بالبرنامج ..

تلعب وسائل الإعلام المختلفة دورًا مهمًا فيما يُعرف بالتهيئة الإعلامية لحدث ما، فهي تعمد بطريقة أو أخرى لجعل المتلقي قابلاً لما سيحدث، وقد تكون التهيئة من خلال أفلام أو أعمال درامية، أو انتاج أعمال تبدو أقرب إلى الخيال، ولكن مشاهدة المتلقي لها، والاندماج مع تلك الأعمال تشكل حالة من التقبل لمثل تلك الأحداث.

أو كما يقول د. فتحي عامر في كتابه علم النفس الإعلامي ( المراد بالتهيئة الإعلامية إعداد الرأي العام والجمهور إعدادًا نفسيًا كافيًا لتقبل الأفكار والمعلومات الجديدة ، ويتم ذلك من خلال استثارة المعلومات الكامنة في ذاكرة الشخص ، حيث إن المفاهيم التي لها علاقة ببعضها بعضًا ترتبط داخل الذاكرة بشبكة دلالية).

نجح قرداحي في برنامجه ،أو لنقل نجح صانعو البرنامج وصانعو قرداحي ،وحققوا الغاية الأهم وهي تقديم المتسابق العربي وفق صورة أرادوها ، وحققت الشركات المتداخلة بهذه ” الهيصة” غايتها المادية ، وحقق المتسابقون غاياتهم ، واستمتع الجمهور … وهذا هو المطلوب ! فنحن أمام صناعة “نجم” سخّرت له كل الإمكانات ولم يكن قبل ذلك بنجم ! أو كما يقول الإعلامي السوري د. فيصل القاسم في تغريدة له على تويتر : جورج قرداحي؛ لولا الإعلام السعودي لكان يعمل الآن مذيعًا للنشرة الجوية في تلفزيون المنار.

لعل قرداحي غاب أو البرنامج توقف فغاب القرداحي ، ثم عاد معه في 2010 ، وتوقف وخرج من الإم بي سي بعد انطلاقة الثورة السورية مفضلاً دعم بشار الأسد على المال السعودي ، ليعود البرنامج ومعه القرداحي من خلال البوابة المصرية في 2015 على سي بي سي “القناة المحسوبة على الجيش المصري”  وأصبحت الجائزة الضعف ! وبين هذا وذاك كرّمته الإمارات بأن صنعت له برنامج المسامح كريم في سنة 2014 حيث الفضائح الأخلاقية “الأسروية” والاعترافات المخزية التي لا يتخيل العقل أنّها تحصل في أسرة عربية مسلمة ، لتنتهي بالمسامحة !

الضجة التي أثارها جورج قرداحي “المعين” وزيرًا للإعلام في حكومة ميقاتي ، في مقابلة على الجزيرة أونلاين ، لم تكن عن تأييده لبشار الأسد ، ولا لوصف الثورة السورية بأنها جماعات إرهابية ، ولا بتأييده لحزب الله ،ولا إعجابه بمحور الممانعة والتغزل بالملالي ، فكل هذا لا يخفيه مطلقًا ، ولكن وصفه للحوثي أنّه يدافع عن أرضه هو ما  أثار السعودية والإمارات، ولذلك طغت شهرة قرداحي من جديد وتناولته الأقلام ووسائل الإعلام والسوشيال ميديا ، ولكن ليس بوصفه الإعلامي المحبوب ، بل بوصفه ناكرًا للجميل ، مؤيدًا لجماعة إرهابية !

وكأنّ ما صرّح به جورج قرداحي مفاجأة صادمة ، وهو الذي وقف مع بشار منذ بداية الثورة ، ولم يخف ذلك ،وخرج من الإم بي سي ، وكرمته أبو ظبي بأن صنعت له برنامجًا ضخمًا بعنوان المسامح كريم !

المفاجأة لم تكن بتصريحات قرداحي ، بل بتوقيت عرض الحلقة ، فالحلقة مسجلة في 5 آب أغسطس ،2021 أي قبل تعيينه وزيرًا في الحكومة اللبنانية بنحو شهرين !ويبقى السؤال ، ماذا قدّم قرداحي للثقافة العربية بوصفه كان مقدمًا لأشهر برنامج مسابقات يخال متابعه أنّه يندرج تحت مسمى ” الثقافة العامة ” ؟

لم يكن برنامج من سيربح المليون بنسخته العربية إلّا تسطيحًا للعقل العربي، وإظهار المواطن العربي ضحل الثقافة ، والعبقري “فيهم” من يعرف أسماء العواصم ولاعبي كرة القدم وأسماء الممثلين والمخرجين وأبطال الروايات …

هذه الثقافة التي قدمها قرداحي ، وتهافت عليها الجمهور …

هل يُسأل قرداحي عما فعل وصرح أم لأنّه أنكر معروف صانعيه، أم يُسأل الذي صنعه ؟ فقرداحي سخُّرت له الإمكانات المادية وجيشت له فرق المعدين ، وفتحت له العواصم ليقام برنامجه بأضخم الديكورات، وصرفت على حلقاته ملايين الدولارات ، ليظهر المواطن العربي المتسابق لا يعرف كم حربًا عالمية وقعت ؟

قرداحي لم يكن نشازًا في فرقة الإم بي سي وبرامجها وقنواتها ،وليس بعيدًا عن أهدافها ، ولكنه إحدى الصناديق السود التي فتحت أو هكذا نخال ، ففتح عليها النار ، فقط لأنه عضّ اليد التي صنعته ، وليس مهمًا أنه نهش لحوم الأيامى واليتامى والثكالى السوريين ، وفرح بدمائهم وتشردهم فتلك أمور لا قيمة لها ..

ولهذا كبرت تصريحات قرداحي حتى وصلت لسحب السفراء ، وبات الناس في انتظار استقالة قرداحي حرصًا على المصلحة الوطنية اللبنانية بعد أن حذف كل وسائل المساعدة ، ولم يبق أمامه إلاّ الرحيل ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى