مقالات

هيئة تحرير الشام إلى أين المسير ؟!

العقيد محمد فايز الأسمر

خبير عسكري سوري
عرض مقالات الكاتب

ماذا يعني التصعيد الأخير لهيئة تحرير الشام وتحشيدها ،وتحركاتها واستعدادها لدخول اقتتال وحرب مفتوحة مع الجماعات الجهادية من المهاجرين في الريف الشمالي الشرقي للاذقية والشمال الغربي السوري ،ولاسيما ضد فصيل جند الشام الذي يقوده مسلم الشيشاني (أبو الوليد الشيشاني) ؟ هذا الفصيل الذي رفض عروض الهيئة بالانضمام لها أو حل نفسه ،وتسليم مناطقه ونقاط رباطه ومغادرة مقاتليه لمناطق نفوذ تحرير الشام!

وهنا لابد أن نسأل ،من هم جند الشام ولماذا تقوم هيئة تحرير الشام بهذه الإجراءات التي من شأنها عسكريًا أن تضعف جبهة الريف الشمالي للاذقية ،وتحدث خللًا ميدانيًا وتكتيكيًا فيه ،وستصب حتمًا في مصلحة الروس والنظام المجرم وميليشياته ؟

جند الشام (أجناد القوقاز) سابقًا شكلت في عام 2012 ،وتضم في صفوفها مايقارب 200 إلى 250 مقاتلا متمرسًا وغالبيتهم العظمى ينحدرون من دول القوقاز ،وبعضهم الآخر من الأتراك، ويتخذون من ريف اللاذقية الشمالي وجبلي الأكراد و التركمان ومرتفعات الكبانة معقلً لهم ،ا ومناطق انتشار ورباط لفصيلهم، حيث أقاموا في تلك الجبال الوعرة تحصينات هندسية وأنفاقًا وملاجئ، يصعب معها على قوات النظام إحداث أي تقدمات، أو خروقات ميدانية فيها بسهولة.

ومن الجدير ذكره على الصعيد الميداني ؛وخلال عدة سنوات خلت ،بات النظام وميليشياته يتخوفون من عقدة وجسارة أجناد القوقاز ،وجماعة جند الشام بقيادة مسلم الشيشاني، لما لهم من دور بارز في إفشال وصد كافة المحاولات الهجومية الكثيرة التي قام ويقوم بها جيش الأسد وميليشياته، ومنعتهم من إحراز أي تقدم يذكر في مرتفعات وتلال تلك المناطق الإستراتيجية المهمة، رغم كل مايمتلكه النظام المجرم من إمكانيات عسكرية ضخمة ،ورغم كل مايقدمه الروس أيضًا له مستخدمًا أسلوب الأرض المحروقة قضلاً عن دعم جوي وبري كبيرين .

ويأتينا هنا السؤال الذي لابد أن يطرح :

لماذا ،وفي هذا الوقت بالذات وبعد اندماج فصائل عدة في تجمع حركة عزم ،و فصائل أخرى في الجبهة الوطنية للتحرير تلجأ هيئة تحرير الشام لهذا التصعيد الميداني ضد تلك الجماعات الجهادية ؟

بإعتقادي ،أن قيادات الهيئة وعلى رأسهم الجولاني، تحاول من خلال هذه التحركات إرسال رسائل كثيرة للفصائل و للداخل والخارج والى أصحاب النفوذ الموجودين على الجغرافيا السورية ،بأنها واقع مفروض في الشمال الغربي السوري، وهي صاحبة القوة والنفوذ الاكبر التي لايمكن تجاهلها ؛ويجب التعامل معها في تقرير أي تسوية للقضية السورية ،ولذلك نجد أن الهيئة تحاول جاهدة وبشتى الوسائل المتاحة القيام بإجراءات عملية لتلميع وتصدير صورة جديدة لسلوكها ،ونهجها من خلال القيام بالتضييق ميدانيًا وأمنيًا على بعض مكونات الجماعات الجهادية العابرة للحدود، والعمل الميداني للحد من نشاطها وتحركاتها أملًا بتخفيف الضغوط الممارسة عليها، بل وعلى سلوك تركيا تجاههم وبخاصة من قبل موسكو التي تطالب أنقرة دائمًا باتخاذ إجراءات تفصل بها المعارضة المعتدلة عن المتشددة..

من المعروف ،أن الروس جعلوا من هيئة تحرير الشام شماعة دائمة لتبربر مجازرهم المرتكبة بحق المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ ، وإحراجًا سياسيًا وعسكريًا لأنقرة في إدلب نتيجة خرق موسكو المتواصل لإتفاقيات مناطق تخفيف التصعيد ،ووقف النار التي تم التوصل إليها بين الرئيسين بوتين واردوغان في 5 آذار من العام الماضي والتي تلعب أنقرة فيها الضامن والمراقب لهذه التفاهات و الاتفاقيات..
لذلك ؛فإنني أعتقد أن هيئة تحرير الشام ومن خلال إتخاذها الآن مثل هذه الإجراءات الميدانية التصعيدية وقيامها في هذه الأوقات بحملاتها الأمنية والعسكرية على الجماعات الجهادية الراديكالية المتشددة ،هو ربما لمغازلة موسكو والمجتمع الدولي (إن صح التعبير) ولتبيبض وتلميع صورتها ،بل وكما هو واضح ويطفو على السطح ربما أيضًا هي مستعدة في هذه الاوقات لخوض حرب بالوكالة تتمناها روسيا وواشنطن والغرب عمومًا ضد هذه المكونات الجهادية المقلقة لهم،كما حدث سابقًا عندما اجتثت فصيلي اانصار الإسلام وتنظيم حراس الدين وغيرهم !

ختامًا؛ من الواضح أن هيئة تحرير الشام من خلال هذا السلوك التصعيدي على الأرص، إنما تريد أيضًا فرض واقع ميداني جديد يقلص من أصحاب النفوذ في المناطق التي تنتشر فيها، كما فعلت سابقًا ضد تجمعات و فصائل من الجيش الحر كحركة حزم وجبهة ثوار سوريا، وهذا الأمر سيضمن لها التغول والهيمنة على كل المناطق المحررة، وهذا ماتقوم به الآن من خلال العمل على ابتلاع و تفكيك المجموعات الجهادية المتشددة الصغيرة للانفراد ودون أي منازع ومنغص بإدارة تلك المناطق أمنيًا وعسكريًا ،واتخاذ كافة قرارات الحل والربط المتعلقة بتلك المناطق.

فهل تستطيع ذلك، والى أين ستصير الأوضاع في إدلب ومحيطها ؟ّ!

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. سقوط جبل التركمان بأيدي هيئة تحرير الشام يعني تماماً سقوطه بأيدي عصابة بشار أي كأن الجبل قد سيطرت عليه مليشيا ماهر المسماة الفرقة الرابعة . لن يختلف الأخوان الشيخان أبو حافظ القرداحي و أبو محمد الجولاني على موعد عودة الجبل إلى حضن بشار لكن لن يكون الموعد بعيداً لأن المطلوب احتلال محافظة ادلب قطعة قطعة و الجبل بموقعه الاستراتيجي ، على ما أظن “لا أجزم لأنني لست عسكرياً” ، أقول الجبل قد يكون مهماً كنقطة انطلاق لإكمال مشوار السيطرة على المحافظة.
    قلتها و أعيد قولها لإخوتي و لأهلي الأعزاء : لقد كان البغدادي مسمار جحا الأول ، و الجولاني هو مسمار جحا الثاني (لمن لا يعرف ،هذا مثل يقال على اختلاق حجج واهية و تبريرات سخيفة من أجل الوصول إلى هدف خبيث) . خرج البغدادي من سجن أمريكي في العراق و جعلوه زعيماً و الجولاني أيضاً خرج من سجن أمريكي و جعلوه زعيماً و الاثنان التقيا في خدمة المشروع القديم للاستعمار الحاقد الذي رفع شعار ” دمروا الإسلام أبيدوا أهله ” و صدر في ذلك كتاب عنوانه ” قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله” تأليف عبد الودود يوسف الدمشقي رحمه الله الذي استعمل اسم جلال العالم كمؤلف و كان لديه مبرر لأنه حين نشره سنة 1974 كان حافظ الأسد – ذنب أمريكا – من الممكن أن يؤذيه بالقتل .على أي حال ، فارق المرحوم الحياة بعد 8 سنوات من صدور الكتاب .
    بصراحة ، حين سمعت عن الكتاب طفقت أبحث عنه ، و بعد سنوات حصلت عليه بنسخته الورقية طبعاً . كنت أريد أن أرى ما يقول لأنني ، للوهلة الأولى ، لم أصدَق أن يكون قادة الغرب على هذه الدرجة من الغباء المستمد من غرور القوة المادية . حين قرأت الكتاب باشرت بالاقتناع و لكن لم أقتنع تماماً ، أما ما جعلني على يقين بأن الكتاب كان صائباً هو ما حصل في ثورات الربيع العربي و في عمل الغرب – مستخدماً الوكيل الروسي المرتزق و العميل الفارسي الحاقد – و الأذناب من طراطير العرب و مخابراتهم لوأد تلك الثورات . لقد تصدى الغرب لثورة سوريا المباركة بكل ما يملك من أدوات إجرام “تقتيل ، تدمير ، حصار ، سجون ،تجويع ، تهجير” مع أن الهدف من الثورة كان ((فقط)) أن يتنفس الشعب عبق الحرية و الكرامة و العدالة و لم يكن مطلقاً إقامة دولة خلافة . هذا التصدي الشرس كان يعني أن الغرب لا يريد لشعبنا سوى معكوس ما طالب به أي “العبودية ، الإذلال ، الظلم” . لكن الله لا يرضى بذلك ، و الله كبير و ما في أكبر منه .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى