فنجان سياسي

تراجيديا فراتية فوق خشبة مسرح الرغبة!

فراس العبيد – رسالة بوست

أحطتها بعناية، في لحظةٍ أضرمت بداخلي نيران “الرغبة بالانعتاق”، وتوسدت حروفها، وريقاتي، التي احتفظت بها، كأنما تتوسد ذراعي، في حلمٍ على سرير الشوق لرؤيتها دون قيود هذه اللحظة..
بادلتني ذات الشوق، قرأته في حروفها… يوم فرشت لي غطاءً دافئاً من مشاعرها، كأنما هو “عطاء مدينةٍ عتيقة”… قطعًا لأنها “حبيبيتي”.
ألقينا أجسادنا المبللة بالمطر الربيعي، فوق فراشٍ من التأمل بانتظار إعلان انتصار… وبين الانتظار والانتصار، وبعده، رغبةُ ألا تمر سويعات العناق سريعًا، كما أنّ بين انتصار وانتظار نصرٍ وفرج، تبدو زفرات اللهفة تحرق برودة سنواتٍ عجافٍ من الجفاء المتعمد.
كلانا يقف في هذه الآونة خلف نافذةٍ، لحلمٍ يطاردنا، عتيق كأنما قادمٌ من التاريخ يراودنا عن أنفسنا، نرتشف من فنجانٍ واحدٍ، قهوةً مرةً، اعتادت أن تصنعها لي بهال “الحب والشوق إلى فرحةٍ انهارت يوم أسقط أتاتورك الخلافة الإسلامية”، وسمتها أنظمة الطواغيت، “دولة احتلال”، ومجَّدَ الأتراك من أسقط “هيبتنا”.
بعض الأحلام تكون مركبةً، أو تبدو في أذهاننا هكذا… كلانا يحلم بالانتماء، بالولاء والبراء، إنها “عقيدة نرنو لإظهارها”، أو “إعلاء رايتها”.
بدا التعب علينا واضحًا، ويعلو ثرثرتنا المسائية، غبارٌ عنيف يؤرق أحلامنا… “إن أمثالنا لا تحلو لهم الثرثرة إلا في الخفاء… الليل صاحبنا… يستر عشقنا، ويخفي رغباتنا التي يصفها أولئك الطغاة بأنها (آثمة)…”؛ تلك عبارةٌ كررتها أمامها، وأكدت لها أنني “أقبل نعتي بالإرهاب والإثم إذا كان في سبيل الله”، يومها أثنت كما في كل مرّةٍ، وضمتني إلى صدرها، كأنما “أودعها إلى غير رجعة”… تريدني أن أتابع جامعتي، ونيل الشهادة، أخبرتها أنني أوافق رغبتها، لكن “الشهادة اصطفاء”، وانتظر دوري في عقارب الساعة، عسى أن أنالها.
فهمت قصدي وسألتني وقلبها يخفق أو يكاد يخرج من صدرها؛ “مثل بياع الورد؟”، ودون مواربة؛ “ليتني أكون”.
خاصمتني… لكننا سرعان ما نفثنا أنفاس الخصومة اللاهثة خلف معجمٍ لغويٍّ للهجر؛ عانقتها مجددًا، وأكملنا ارتشاف فنجان قهوتنا، لكنه لم يكن مرًّا… همست في أذنها؛ “حبيبتي… ﻻ شيء محظورٌ يحول بين عاشقين، فقط جسورٌ تمتد بين الضفتين… أنتِ آمنةُ إن عاهدتني على الإيمان بقضية هيامنا… سميه حبًّا كما يصفها (أصحاب الفكر الصوفي)، سميه فناءً… لن نتوقف عند المسميات، مؤمنةٌ أنتِ؟”.
بينما تسرح نظراتها بعيدًا… في صمتٍ مطبق… وأسندت خدها الأسمر بيديها… لم يكن أسمرًا كان أجمل ما يمكن وصفه تلك اللحظة، كانت تريد أن تنفض الغبار، وأصابعها تعبث حيناً بخصلات شعرها الحالك ظلمةً، المتناثر كأنما تحتاج فرصةً تدغدغ فيها الحنين والمشاعر.
أحبك… واكتفت بعبارتها البسيطة، قليلة الحروف، عظيمة المعنى والمبنى… أمسكت البندقية… ارتفع صوتها فوق مسرح الرّغبة واللهفة… “تابعك جهادك… أبذل جهدك”.
استطردت؛ “حطم قيودي… احتاجك أميرًا… فارسًا، بلا جوادٍ، كأنما قادمٌ من حلم…” صوت دمشق يطرق مسمعي بتلك العبارات، ما كان حلمًا، بقدر ما أرادت تحريك الفتور القديم والتلذذ بمذاق شوقٍ أنثويٍّ لرجولةٍ تفتقدها.
ومع رشفةٍ أخرى من القهوة، سرت بداخلها خفقاتٌ ظاهرة، بدا جسدها “ظامئاً للحب وطقوسه الساخنة… كموجٍ يعلو ويتدفق… بل عاصفة… تنتظر أن نأوي إلى عاصمة… لثمت شفتيها، ابتعدت خلف الباب مودعًا.
لوحت بيدي اليمنى، وعلى كتفي البندقية… كانت تروي رجولتي وأروي أنوثتها… كلانا بحاجةٍ ليستقر كيانه، تلك الليلة… عسى يرى فجرًا ويحطم “صنم القهر.. البعث… الخوف، العبودية، الذّلة التي فرضت ما يزيد عن أربعةِ عقودٍ.
أمسكت يدها… في لحظاتٍ تحبس فيها اﻷنفاس…. موسيقىً تتغلغل عبر نافذتها… “ألا يا لالي يا لالي… طارت في خاطري وبالي… ولا تسألني عن حالي إذا فكري سرح فيها…”.. راقصتها… عانقتها… نفسها اﻷمّارة بالحب لم تمنعه من اﻻعتصام إلى جبلٍ يعصمها من الرّغبة… واستسلمت لغوايتها… فاستوت على جبل هواها متمسكةً بجذعٍ من اﻷمل… متحديةً عواصف الواقعية التي هزّت يومًاعرش ثقتها بنفسها… لم تحتمل كل ذلك السيل من الشوق… ولم تصمد مشاعرها… لم يصمد جسدها أمام فيضان حنينها ورغبتها… تابعنا سيرنا.
أخبرتها، أنني لست مؤمنًا بمقولة محمد الماغوط، بأنّ “الحب هو المرض الوحيد الذي أريد أن أقع فيه دون إسعاف”، إنني أحتاج إلى “الإسعاف” حتى أقتل وأمرض مجددًا… فوالذي نفسي بيده، إنه انتصار.. لعلي ألبس معطفك الأبيض وأدفن داخل صدرك… صكت وجهها… فتحت يديها على مصراعيها… تضرجت بدمائي… تشظى جسدي، بقي على قارعة الطريق “قطعةٌ واحدة، قدمٌ تؤكد أنني مررت من الشام إلى إدلب”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى