بحوث ودراسات

أبعاد المؤامرة المجوسيَّة-النُّصيريَّة لتدمير الشَّام 6 من 7

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

تحالُف رسمي لحزب البعث مع حركة فَتَح ضدَّ إسرائيل

أوصت قرارات المؤتمر القومي التَّاسع لحزب البعث السُّوري عام 1966م، بتأسيس منظَّمة طلائع حرب التحرير الشعبيَّة-قوَّات الصاعقة، بهدف مواجهة إسرائيل وشنِّ هجمات استنزافيَّة على مستوطناتها. بدأ التَّأسيس في ديسمبر من عام 1966م، لتبدأ أوَّل دورة تدريبيَّة للقوَّات الفدائيَّة المنضمَّة إلى المنظَّمة مطلع مايو من عام 1967م، أي في خضمِّ حالة التَّوتُّر الذي شهدته منطقة الشَّرق الأوسط قبيل حرب الأيَّام الستَّة في 5 يونيو 1967م. تحت عنوان “ماذا قدَّمت سوريا الأسد للقضيَّة الفلسطينيَّة”، نشر موقع إضاءات مقالًا بتاريخ 11 فبراير 2017م، استعرض تاريخ العلاقة بين حركة فَتَح وحزب البعث السُّوري، ملفتًا إلى أنَّ “الاحتكاكات الأولى” كانت عندما بدأ ياسر عرفات، القيادي البارز في حركة فَتَح، يتولَّى نقْل المتفجِّرات من لبنان إلى الأردن، عبر الأراضي السُّوريَّة، وذلك مطلع عام 1964م، أي بعد أشهر من تولِّي حزب البعث الاشتراكي بقياداته العلويَّة الحُكم في سوريا.

حافظ الأسد وياسر عرفات

أُلقي القبض على عرفات، ليعرف أنَّ مصدر الأمر هو اللواء حافظ علي سليمان، المعروف باسم حافظ الأسد، الذي أراد توصيل رسالة إلى عرفات، مفادها أنَّ تهريب الأسلحة عبر سوريا يستلزم التَّنسيق معه شخصيًّا. ويعتقد كاتب المقال أنَّ الأسد أراد احتكار ورقة القضيَّة الفلسطينيَّة والسَّيطرة على المقاومة والأعمال الفدائيَّة لتظلَّ تحت مراقبته. أقبل الأسد على التَّنسيق مع ياسر عرفات عند شنِّ هجمات حركة فَتَح على الكيان الصُّهيوني، لينطلق “العمل الفلسطيني المسلَّح المنظَّم” في 1 يناير 1965م، بتدشين العاصفة، الجناح العسكري الرئيسي للحزب السياسي الفلسطيني وحركة فَتَح، بتفجير خط مياه لتحويل مجرى الأردن إلى بحيرة طبريا، وقد تمَّت العمليَّة من سوريا. وكما سبقت الإشارة، تأسَّست منظَّمة طلائع حرب التَّحرير الشعبيَّة نهاية عام 1966م، وأصبح التعاون بين نظام البعث، الذي ارتقى فيه حافظ الأسد إلى منصب وزير الدِّفاع بعد انقلاب 23 فبراير من عام 1966م الذي تخلَّص من قيادات الجناح القومي للحزب، وبين حركة فَتَح أكثر تنظيمًا من ذي قبل. وكما سبقت الإشارة، كان لإيواء سوريا البعثيَّة الفدائيين الفلسطينيين وإشرافها على عمليَّاتهم ضدَّ إسرائيل ومشاركتها فيها، عظيم الأثر في استغاثة الدَّولة العبريَّة من الهجمات التي تصيبها من الجهة الشَّماليَّة، وتهديد بالرَّد على العدوان من جهة سوريا، ما برَّر عقْد نظام حزب البعث معاهدة دفاع مشترك مع مصر، كان لها السَّبب الأبرز في جرِّ مصر للمشاركة في حرب الأيَّام الستَّة في 5 يونيو 1967م. المفارقة أنَّ مرتفعات الجولان، التي كان يصدر منها قصْف الفدائيين التَّابعين لحركة فَتَح وكانت حمايتها سببًا في عقْد معاهدة الدِّفاع المشترك بين مصر وسوريا، يُقال أنَّ حافظ الأسد، باعتباره وزير الدِّفاع خلال حرب الأيَّام الستَّة، قد فرَّط في حمايتها، كما تعمَّد التخلُّص من القيادات السُّنيَّة في الحيش السُّوري قبيل الحرب، وكأنَّما لاستبدالهم بآخرين يسهل تستُّرهم على ما كان يحيكه، وفقما نشر موقع لبنان الجديد.

هذا وقد سبقت الإشارة في استعراض محتوى كتاب ستَّة أيَّام من الحرب: يونيو 1967 وصناعة الشَّرق الأوسط الجديد (2002م) لمايكل أورين، إلى أنَّ دافيد إلعازار، الجنرال الإسرائيلي قائد جبهة الجولان خلال حرب 5 يونيو 1967م، قد أصرَّ، على غير رغبة كثير من قادة إسرائيل، على فتْح جبهة في الجولان في خامس أيَّام الحرب، بعد أن وصلته معلومات تفيد بأنَّ “السُّلطة السُّوريَّة في مرتفعات الجولان في حالة انهيار” وأنَّ “المعسكرات المحيطة بالقنيطرة، والتي كانت تعجُّ بالدَّبَّابات والمدافع ووحدات الفدائيين، مهجورة تمامًا“؛ والقنيطرة هي مدينة سوريَّة تقع في وادٍ مرتفع على هضبة الجولان، جنوب غرب البلاد (ص510). لو صدَق ما قاله مقال هآرتس عن تلقِّي قيادات الجيش السُّوري أوامر بالانسحاب دون قتال، ففهي ذلك ما يؤكِّد نظريَّة المؤامرة حول تواطؤ الأسد ونظامه العلوي مع العدو اليهودي.

جدير بالذِّكر أنَّ محمَّد الزُّعبي، وزير الإعلام السُّوري الأسبق، قد صرَّح في مداخلة هاتفيَّة له على قناة تيلي أورينت السُّوريَّة المعارِضة في 29 مارس 2019م، بأنَّه تلقَّى أثناء أدائه وظيفته في مبنى وزارة الإعلام، البلاغ رقم 66 الذي أفاد بسقوط القنيطرة؛ فأمر الزُّعبي بإرسال البلاغ إلى القصر الرِّئاسي ليُعرض على القيادة العليا. تلقَّى الزُّعبي اتِّصالًا من الدُّكتور يوسف زعيِّن، رئيس الوزراء السُّوري حينها، أبلغه فيه تلقِّي القيادة اتِّصالًا من “الرَّفيق حافظ الأسد” أبلغهم فيه “أنَّ القنيطرة سقطت فعلًا؛ ولذلك أذع البلاغ”.

تصريح محمَّد الزُّعبي عن تصريح الأسد بسقوط القنيطرة

بعد إذاعة البلاغ، فوجئ محمَّد الزُّعبي باتِّصال من حافظ الأسد يقول له في متأسِّفًا “يبدو نحن استعجلنا بإذاعة البلاغ”، موضحًا أنَّه تلقَّى اتِّصالًا من أحد الضُّبَّاط، لم يفصح للزُّعبي عن اسمه أو رتبته، وأنَّه صدَّقه في زعمه أنَّ القنيطرة سقطت، وعلى ذلك الأساس أرسل البلاغ 66 بسقوط المدينة، ومضيفًا “وعلى كلٍّ، رفيق محمَّد، القنيطرة يمكن تكون ما سقطت، لكن هي بحُكم السَّاقطة عسكريًّا؛ لأنَّها محاطة من ثلاث جهات“. أضاف الزُّعب أنَّ اللواء أحمد سويداني، رئيس أركان الجيش السُّوري، أسرَّ له بأنَّ البلاغ 66 لمَّا أذيع وانسحب هو من الجولان، كانت أقرب دبَّابة إسرائيليَّة على بُعد 4 كيلومترًا؛ “أي أنَّ البلاغ 66 لمَّا أذيع، لم يكن هنالك أيُّ جندي إسرائيلي قد وصل المنطقة“!

تاريخ علاقة نظام الأسد بملالي إيران

قد يظنُّ البعض أنَّ العلاقات السُّوريَّة-الإيرانيَّة بدأت في عهد متأخَّر، أو أنَّ بشَّار الأسد هو الذي دشَّن العلاقة بين الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة وبين الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة بعد وصوله إلى الحُكم عام 2000م، لكنَّ الحقيقة هي أنَّ العلاقة بدأت منذ دعم حافظ الأسد، العلوي الطَّائفي ضدَّ أهل السُّنَّة، الثَّورة الخمينيَّة عام 1979م، بل وسانَد إيران في حربها مع العراق، الجارة العربيَّة لسوريا، وكان من أوائل زائريها، وحرص على التَّعاون العسكري معها، كما موقع نشر صحيفة النَّهار اللبنانيَّة، في 30 أكتوبر 2015م.

وما يثبت أنَّ ميل حافظ الأسد إلى التَّحالف مع الدَّولة الصَّفويَّة عقائدي الطَّابع، أنَّه كان على صلة بنظام الشَّاه محمَّد رضا بهلوي، منذ وصول الأسد إلى سُدَّة الحُكم رسميًّا في عام 1971م. وكما يذكر الدُّكتور هيثم عيَّاش في مقال تحت عنوان “أسباب الوجود الفارسي الايراني في سوريا”، نشَره المركز السُّوري للعلاقات الدوليَّة والدّراسات الاستراتيجيَّة بتاريخ 19 يونيو 2017م، فقد كان الزَّعيم والمرجع الدِّيني الشِّيعي اللبناني الإيراني موسى الصَّدر، الذي اعترف بشيعيَّة دولة الأسد، كما سبقت الإشارة، هو الذي قرَّب بين الأسد والشَّاه رضا بهلوي.

   حافظ الأسد وسط معمَّمي الشّيعة
حافظ الأسد مع المعمَّم موسى الصَّدر

أمَّا بعد سقوط الشَّاه، فقد لعب كلٌّ من صادق قطب زاده وابراهيم يزدي وصادق طباطبائي دور الوسيط بين نظام الأشد ونظام الخميني، كما يقول عيَّاش، الذي اعتبر أنَّ تقارُب نظاميّ الخميني والأسد كان من بين استراتيجيَّات نشْر التَّشيُّع.

ينقل عيَّاش عن راينهارد باومجارتين، أستاذ دراسات الشَّرق الاوسط في جامعة هومبولدت في برلين، رأيه بأنَّ هدف إيران من التَّدخُّل في سوريا، ودعمها لبشَّار الأسد في مجازره ضدَّ أهل سوريا منذ عام 2011م، يكمن في رغبة إيران في إيجاد منفذ بحريّ لها على البحر المتوسّط، تمامًا مثل روسيا. أمَّا المركز الأوروبي للدّراسات الاستراتيجيَّة في برلين ولندن، فقد رأى أنَّ الوجود الإيراني-الرُّوسي في سوريا إتمام اتفاقيَّة سايكس-بيكو المبرمة عام 1916م، والمُعاد تعديلها عدَّة مرَّات حتَّى نُفّذت فعليًّا منذ عام 1918م، التي استهدفت “تقسيم منطقة الشَّرق الأوسط الى دويلات متعددة طائفيَّة وعرقيَّة”، على أن يكون مصير سوريا التَّقسيم إلى عدَّة دويلات، كرديَّة وعلويَّة وشيعيَّة؛ فيسهل بذلك القضاء على الأقليَّة السُّنيَّة حينها.

علي خامنئي يحتضن بشَّار الأسد

هذا ويواصل نظام الأسد إطلاق يد السَّاعين إلى نشْر المذهب الشّيعي في سوريا، وكان من بين ما دعمه الشَّخصي للتَّغيير السُّكَّاني لسوريا أن منَح مليوني شيعي، من بينهم أعضاء في حزب الله اللبناني الطَّائفي، الجنسيَّة السُّوريَّة في مارس 2018م، كما نشرت صحيفة النَّهار اللبنانيَّة.

وعن جهود نشْر التَّشيُّع في سوريا، نشرت جريدة الشَّرق الأوسط مقالًا بتاريخ 13 سبتمبر 2018م، استعرض مساعي نظام ملالي إيران لنشر المذهب الشّيعي، بمعرفة نظام الأسد وتغاضيه التَّام عن الأمر، وإن أثارت وسائل الإعلام السُّوريَّة الموضوع بنوع من التَّنديد، لكنَّ خطوة واحدة للتَّصدي له لم يُكشف عنها، برغم أنَّ التَّشيُّع يشكّل “تهديدًا مباشرًا لمؤسّسات الحكومة السُّوريَّة العلمانيَّة، وبالتالي يجب أن تكون مصدر قلق كبير للقيادة السوريَّة“، كما تقول كاتبة المقال. ردًّا على ذلك، يجدر التَّذكير بما أوضحه الباحث تورشتين شيوتز وورن في كتابه الخوف والمقاومة: بناء الهويَّة العلويَّة في سوريا (2007م)، من أنَّ تطبيق العلمانيَّة لم يكن إلَّا حيلة لعبها نظام الأسد الأب في سبيل محاربة أهل السُّنَّة وتنحية الشَّريعة الإسلاميَّة وعدم الاحتكام إليها، وتلك السّياسة لا ينبغي تطبيقها مع الشّيعة وعقيدتهم.

أمَّا عن الأسلوب المتَّبع في نشْر التَّشيُّع في سوريا، فهو حشد الدَّعم الشَّعبي بإقناع السُّوريين بعقيدة الشّيعة، وضمّهم إلى صفّ ميليشيات إيران، ولخدمة ذلك الغرض، عمد جنود فيلق القُدس إلى بناء المدارس والحسينيَّات المستشفيات الميدانيَّة وجمعيَّات الإغاثة والخدمة المدنيَّة، سعيًا إلى تحريف أهل السُّنَّة عن عقيدتهم بالتَّرغيب. ويكون موقف المواطنين السُّوريين الذي تفرضه قوَّات الحرس الثَّوري الإيراني إمَّا التَّأييد المعنوي من خلال عدم معارضة الوجود الإيراني في سوريا، أو المشاركة في قتال أهل السُّنَّة “من خلال تقديم المساعدة ودفع مرتبات ما بين 300 و800 دولار لأولئك الذين ينضمُّون إلى الميليشيات الشيعيَّة“.

ويكشف مقال جريدة الشَّرق الأوسط المزيد من تفاصيل تحويل أهل السُّنَّة عن مذهبهم، من خلال تجنيد الصّغار، وتعليمهم الفارسيَّة، وإثارة الحسّ الطَّائفي لديهم بتحريضهم على أهل السُّنَّة واستعداء الصّغار تجاههم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى