مقالات

جولة المستحيلات الثلاثة!

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


لابُدَّ من إيراد المُقدمة التالية حتى يمكننا تحليل وفهم دلالات ومآلات مسار عملية الحل السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة وتشارك فيها المعارضة والنظام.
الهدف الأساسي من كتابة الدساتير بعد الحروب يكمن في إزالة وتجاوز آثار الحرب، ورأب الصدع الذي أحدثته، وترميم المجتمع، وإعادة إعمار ما دمرته من البنيان والإنسان، لذا فإن أي دستور يكرس أي أثر من أثار الحرب أو الصراع ليس دستورا بل هو قنبلة موقوتة لأنه سيكون محل خلاف ومحل رفض من أصحاب الحقوق من الضحايا وأهاليهم وسبباً في عدم الاستقرار ومقدمة لحربً أهلية لا تُبقي ولا تذر.
ومن آثار الحروب الأكثر ضرارا هي انقسام المجتمع وتفكُكه وانحلال روابطه و ظهور النزعات المختلفة و فصم عُرى رابطة الهوية الوطنية الجامعة و وظهور الهويات فرعية والتمترس خلفها ، مُخططي جرائم الحرب و مُقترفيها ، هم العامل الأساسي في تفكيك هذه الروابط وهم الذين خططوا ونفذوا عملية ضرب الوحدة الوطنية وتفكيك المجتمع والدولة إلى عرقيات و طوائف ومذهبيات و اثنيات متصارعة ، ليسهل عليهم السيطرة على حركتها ومنع أي محاولات تجمعها على إسقاطه أو الوحدة في الوقوف في وجهه ، وكانت وسائل هذا النظام في تحقيق ذلك ترتكز إلى عدة مغالطات منها ” حماية الأقليات – محاربة الإرهاب – التخويف وإثارة الرعب من الثورة و تسميم عقول الناس باختراع ونشر مصطلحات مثل ” متطرفون – تكفيريون – متأمرون – مؤامرة كونية …………. “ما أدى إلى تشكيل تحالفات طائفية وعرقية وإثنية ومذهبية ومصلحية مع السلطة الغاشمة الأمر الذي أوصلنا إلى الحال المُزري الذي يعيشه الشعب السوري، ومن خلال شرعنة وتبرير عمليات الاعتقال والقتل والاغتصاب والتدمير والتهجير القسري و التغيير الديموغرافي التي اقترفتها قوات وعصابات و ميليشيات النظام و الشبيحة الطائفية بحق الثورة وأهلها، من خلال إصدار التشريعات و تشكيل المحاكم الخاصة و تعطيل الدستور و الغاء الضمانات القانونية والدستورية التي تنص على حماية الأرض و الشعب ، و ، وعيله فهناك عدة مستحيلات لا يمكن تحقيقيها سواء كان بالتفاوض أو بالقوة أو بالاحتيال أو بالابتزاز وهي:
• استحالة قبول التعاطي مع النظام على أنه صاحب القرار بتحديد وتعريف المصطلحات السياسية والدستورية والقانونية، أو تمرير هذا الأمر سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وسواء كانت فعلا أو قولا وسواءً كانت علنا أو ضمنا.
• استحالة قبول المجرمين كطرف مفاوض في الحل إذا لا يمكن تصوّر مجرم أن يكون شريكا في إصدار الحكم على نفسه أو محاسبته، ولا يمكن للضحية أن يكون قاتلها أو منتهك حقوقها شريكا في حياتها وفي هذه الحقوق.
• استحالة فرض أي أمر سواء كانت دستور أو قانون أو قرار على الشعب السوري من أي طرفٍ كان دوليا كان أو سوريا ً، نظاماً كان أو معارضة، فالإرادة الحرّة للشعب هي مصدر سيادته التي تقرّها الدساتير وتحميها القوانين، لذا فلا سيادة بلا إرادة حرّة.

  • وعليه فإن محاولة النظام تمرير أو تكريس بعض الأفعال أو المفاهيم والمصطلحات من خلال جولة اللجنة الدستورية الحالية يقتضي الوقوف بقوة وثبات أمامه ومنع تمريرها مستغلا ضعف المعارضة أو تهاونها أو مستغلا دعم المجتمع الدولي وتخاذله لصالحه ومن هذه المفاهيم الخطيرة:
    • تمرير وتكريس المخطط الروسي في تفريغ القرار2254 من محتواه ونسف بيان جنيف و كل القرارات الدولية ذات الصلة والتي تقضي بوجوب نقل السلطة إلى هيئة حكم انتقالي، و رأينا كيف نجح الروس بقرصنة هذه القرارات و تفريغها من محتواها واستخدامها لنسف الثورة و نسف عملية الحل السياسي التي ترعاها الأمم المتحدة، فقد نجحوا بتفريغ مضمون ” المؤتمر الوطني ” كآلية سورية برعاية دولية لتشكيل هيئات وطنية تقود المرحلة الانتقالية ، من خلال استبداله بمؤتمر سوتشي الذي كان مؤتمراً ” تشبيحياً بامتياز “، كما نجح بالالتفاف على شرط وقف اطلاق النار الدائم واطلاق سراح المعتقلين ، حين تم فتح مسار استانا بخديعة روسية والذي كان من المفترض خاصّاً بمناقشة ملفي ” وقف اطلاق النار و اطلاق سراح المعتقلين ” حيث تحوّل وقف اطلاق النار إلى خفض التصعيد و تحوّل ملف المعتقلين إلى ملف تفاوضي على طاولة اللجنة الدستورية ، كما نجحت روسيا بدفع الفصائل باتجاه الحل السياسي الذي يقوم على فرضية أنه ” لا حل عسكري في سورية ” وتم الزج بممثلي الفصائل في لجان وهيئات ومؤسسات التفاوض الذي يفرض عليهم الالتزام بكل ما ينتج عن ” حصرية الحل السياسي ” ، وأولها عدم اللجوء إلى السلاح في فرض الحل وهذا يعني إبطال مفعول سلاح الفصائل في إسقاط النظام وهو ما تم تكريسه للأسف خلال هذه المسارات .
    • نجح الروس في نسف سلة هيئة الحكم الانتقالي من خلال منح هيئة التفاوض صلاحيات تشكيل اللجان الفنية واختيار الأعضاء وفق المحاصصة التي نتجت عن تشكيل الهيئة في مؤتمر الرياض 2 والتي ضمت منصات القاهرة وموسكو وهيئة التنسيق التي تحسب بأنها الأقرب للنظام وأنها روسية الصنع والتوجه، وحيث أن تشكيل اللجان الفنية ” دستورية – قانونية – انتخابات – أحزاب – عدالة انتقالية – مجلس عسكري – مجلس أمن داخلي ……..” كلها تأتي في المرحلة الانتقالية من حيث الزمان وهي من صلاحيات هيئة الحكم الانتقالي من حيث الاختصاص في تشكيلها، فهي باطلة وغير شرعية، ومن هنا تأتي خطورة الاستمرار بعمل اللجنة الدستورية.
    • الحديث عن الإصلاح الدستوري:
    ” لا يُرجى من عابثٍ استقرار، ولا يُرجى من حاقدِ إنصاف، ولا يُرجى من عدوٍ عدل، ولا يُرجى من مُخرِّب إصلاح “.
    هيئة التفاوض ومنصاتها ، واللجنة الدستورية و ثلاثيتها والتي بمثابة دارة مٌغلقة تقوم على ثلاث عناصر هي ” المعارضة – النظام – المجتمع مدني ” و التي تم تحديد حجم و قوة كل منها وتوزيعها بالتساوي من قبل الأمم المتحدة والتي منحت مبعوثها الدولي القوة الكافية في ” الحثّ والتحريض ، و التوجيه ، و ضبط السرعة ، و ضبط الوقت ” أي التحكّم بالعناصر الأساسية في هذه العملية ، وباعتبار أن الأطراف الثلاثة في اللجنة الدستورية متساوية القوة ولكنها تختلف في الاتجاه ، فعندما يرتفع منسوب التنافر المُهدِّد لعمل اللجنة أو لوجودها يتدخل المبعوث الأممي لضبط الأمور و توجيهها لضمان استمرارها فقط و ليس لضمان انتاج الدستور أو التعديلات الدستورية ” وقد رأينا المبعوث الدولي قبل أو بعد كل جولة من جولات اللجنة الدستورية وهو يخرج علينا ليُتحفنا بمصطلحات و مفاهيم تحمل معاني قانونية تنتج آثاراً قانونية خطيرة تتناقض مع طبيعة عمله كــ” مُيسِّر ، مثل مصطلح ” المحتجزين الذي يطلقه على المعتقلين على خلفية الثورة في زنازين النظام في الوقت الذي يطلق فيه مصطلح ” الأسرى أو المخطوفين ” على شبيحة النظام ومجرميه ، ترحيبه بعمليات التبادل بين الفصائل و النظام على أنها جزء من عملية اطلاق سراح المعتقلين ، و كيف اطلق بعد احدى الجولات مصطلح ” العدالة التصالحية ” ناسفاً مبدأ العدالة الانتقالية كأساس لضمان استقرار البلاد في المرحلة الانتقالية من خلال محاسبة المجرمين والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب ، و قد رأينها وهو يُتحفنا بمصطلح ” الإصلاح الدستوري ” في نقضٍ واضح لما ورد في القرار ” 2254 ” القاضي بوجوب صياغة دستور جديد وهذا ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته إلى مجلس الأمن بتاريخ / 26/09/2019 / المتضمِّنة القواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية والتي جاء فيها ” في إطار أداء مهمته بموجب التفويض الممنوح له في قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، بما في ذلك تيسير المفاوضات السورية – السورية، ومنها وضع مسار لصياغة دستور جديد تجرى، بناءً عليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية لسورية” .
    • وحيث أن الفرق كبير بين التجديد والإصلاح الدستوري ويتجلى في أن إنتاج دستور جديد يعني حكماً القبول بإلغاء الدستور القديم، ومن مفاعيل الإلغاء، إلغاء الأثار القانونية والدستورية التي كانت تستند اليه، ومنها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، وإن إقرار الدستور الجديد يتبعه حكماً انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية جديدة، ولا يشترط إكمال الولايات القائمة للسلطات الثلاث.
    • وأما الإصلاح الدستوري: فهو يعني إمّا إضافة مواد دستورية جديدة وإلغاء أخرى، وإمّا تعديل بعض النصوص تخفيفاً أو تشديدا، وبالتالي إضفاء الشرعية على كل ما تم من إجراءات سابقة استناداً اليه كما ذكرنا كالانتخابات ” الرئاسية والبرلمانية والمحلية ” وبالتالي شرعية إكمال ولاية بشار أسد أو برلمانه لولايتهما الباطلة الحالية.
    • ويكمن الفرق بينهما ايضاً بأن الأول يقتضي رحيل بشار أسد حكماً أي أنه سيكون مُدخلا لإسقاط النظام، بينما الثاني يعني شراكته، وإعادة انتاج النظام.
    • الحديث عن السيادة الوطنية:
    ” ليس لخائن أمانة، ولا لجبانٍ سيادة، ولا لوضيعٍ مكانة، ولا لنذلٍ كرامة، ولا لمرتزقٍ ضمانة، “
  • إن السيادة الحقيقة هي ملك الشعب وما السلطة إلا أداة لممارسة هذه السيادة ومظهر من مظاهر التعبير عن إرادة هذا الشعب، وحيث أن الشعب السوري نزع الشرعية “المفقودة أصلا” فلا شرعية بعدها لأي تصرف أو عقد أو اتفاق أو أي إجراءات قام بها النظام أو سيقوم بها مستقبلا.
  • بلدٌ مستباحُ لكل من هبَّ ودبَّ، وبدعوة من وبرغبة وإرادة حاكمٍ متسلط دكتاتوري استقدم كل زناة الأرض إلى هذه البلاد الطاهرة ‘وإن حديثه ومنظومته العفِنة عن السيادة الوطنية هي بجاحةُ مستبدٍّ صَلِفٍ ووقاحةُ قوّادٍ عاهرٍ، وهو استخفاف بعقول الناس، وتخدير لعقول مؤيديه ومجرميه، وقناع ليُحافظ على بقيةٍ من ماء وجهه الذميم أمامهم.
    • بحثنا عن السيادة ومفهومها المتعارف عليه، وعن مقوماتها، وعن مظاهرها، فلم نجد شيئاً، وإنما وجدنا أن سورية مهد الحضارات، ومنارة الأمم، قد تحوّلت إلى مُجرد إقطاعية، ترتع قطعان اللصوص والقتلة والمجرمون في أرجائها، وتكتظّ شوارعها وأزقّتها بمواخير العهر والمُتعة، فلم يعُد يُعرفُ الأصيل من الدخيل ولا يعرف الشريف من الدنيء، ولم يعُد المواطن يأمن بوائقَ النظام ولا شرّ عصابات العهر والإجرام.
    • وبحثنا عن ثرواتنا الوطنية وعائداتها في تحقيق التنمية فوجدناها مُسجّلة باسم شركات أجنبية روسية وإيرانية، حتى شواطئنا ومرافئنا ومطاراتنا وغازنا ونفطنا وفوسفاتنا ونفطنا ليس لنا ‘وأصبح حلم المواطن رغيف خبزٍ أو أسطوانة غاز أو ليتر وقود أو برميل ماء للشرب.
    • وبحثنا عن أمننا الداخلي والخارجي وسألنا عن جيشنا ومخابراتنا فوجدناها مجرد ميليشيات تأتمر بإمرة ضابط روسي أو زنديق إيراني، وإذ بها مشغولة في سرقة الفستق الحلبي والزيتون والشّفلّح، وبتأجير الأراضي العائدة للشعب المُهجّر، ونهب أرزاقهم، ووجدناها مشغولة في تنظيف أنقاض البيوت التي دمّرتها براميل الجيش الباسل وطائرات العدو الروسي وصواريخ العدو الإيراني من ” حديدها وحجارتها وسيراميكها، ومن غسلاتها وبرادتها وأبوابها وحجارة مراحضيها حتى مساميرها، باعتبارها ملكاً لسيّدهم جُحا الأسد.
    • الحديث عن الإرهاب:
    ” لا يُقبل من مجرمِ مناظرة، ولا من وحشٍ مُشاطرة، ولا لقاتلٍ مفخرة، ولا لنافقٍ مكرمة “.

مذكرة الإرهاب تنص على أن بند الإرهاب جريمة يعاقب عليها القانون ،و في ظل عدم وجود تعريف قانوني محدد و منضبط للإرهاب فإن تمرير هذا المصطلح في الدستور سيؤدي إلى كارثة بحق السوريين ، لأنه سيكون أداة فضفاضة لاستهداف كل من يعارض النظام فكرياً أو دينيا أو ثقافياُ باعتبار أن الإرهاب يشمل كل هذه الأوجه، وهذا يعني القبول بقوانين الإرهاب” 19 و20 و 21″ لعام ٢٠١٢ و دستورية محاكم الإرهاب ، وقانونية أحكام الإعدام الصادرة عنها و شرعيتها ، لآننا جميعا بنظره إما إرهابيين بالفعل أو بالقول أو بالتمويل ، و شرعنة قرارات الطرد من الوظائف و الحرمان من الحقوق المدنية و العسكرية ، وهذا يفرض على المنظمات الدولية التعاون مع النظام في مكافحة الإرهاب و مكافحة الجريمة بموجب أحكام اتفاقيات التعاون الدولي المتعلقة بهذا الخصوص كما يفرض على الإنتربول الدولي احترام تنفيذها.
• أما بند ربط التطرف و التشدد بالإخوان المسلمين تأكيد على أن النظام لم ولن يفكّر أو يسمح لاي سوري التفكير قبل المطالبة بالإصلاح فالقانون ” ٤٩ ” لعام” ١٩٨٠ ” الذي يُعاقب بالإعدام لمجرد الانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين ، و سيتحوّل من قانون جزائي خاص إلى قانونٍ عام ، مازال السوريون يعيشون و يدفعون ثمناً باهضاً جراء تطبيق هذا القانون حيث دفع ويدفع ألاف السوريين الأبرياء حياتهم وحريتهم وكرامتهم في زنازين ومعتقلات النظام المجرم و هذا القانون استهداف صريح ومباشر للمسلمين السنّة بحيث لن يستطيع موحد سني من الإفلات منه.
بالنسبة لبند الجيش والذي يحظى بدعم ومؤازرة الشعب فهذا يعني أن ميليشيات الشبيحة القتلة ” الطائفيون ” هم مؤازري الجيش ويستحقون الاحترام وتقدير تضحياتهم، وشرعنة كل جرائمهم وعمليات القتل والاغتصاب والسرقة والنهب، وزيادة فإن يفرض علينا تكريمهم ومكافأتهم عليها واعتبار فطائسهم شهداء وتوفير صناديق الدعم والتعويض والتخليد.
صدق الشاعر حين قال ” لمّا رأيتُ بَني الزّمانِ وما بهِم خلٌّ وفيٌّ، للشدائدِ أصطفي أيقنتُ أنّ المستحيلَ ثلاثة: الغُولُ والعَنقاءُ والخِلّ الوَفي”.
ونحن نقول: لمّا رأينا بني الدستورية يرون في ذيل الكلب صاحباً، وفي العاهر خليلا، وفي القاتل شريكا، وفي الدنيء نديما، أيقنا بأن المُستحيل ثلاثة: ” دستور نقي ووطنٌ صفي وشعبُ وفي “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى