دين ودنيا

صاحب الرسالة سيدنا محمد ﷺ في ذكرى الميلاد

د. حسين محمد الكعود

دكتوراه في العقيدة الإسلامية
عرض مقالات الكاتب


خيوط النور التي بزغت على أرض الظلام، انتشلت عباداً من غياهب الحيرة والضلال إلى نور الوحي والهداية، فأمطرت مزنها على صحراء القلوب، تبشر بربيع عامر وفجر جديد، فأنتجت خير أمة أخرجت للناس، كملت بمكارم الأخلاق، وسطرت تاريخاً تليداً مجيداً بحروف النور، وأخلاق سيدنا محمد رسول الله ﷺ.
قال سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ {البقرة:257}.
قالوا إلام تَحُبّ آلَ محمدٍ وتَظَلَّ مَشغوفاً بهِمْ وتَبيتُ
فأجبتُهم كفُوا الملامَ فإِنّني أُرْشِدتُ نهجَ ودِادهِمْ فَهُديتُ
قالوا فإنَّ الفَقْرَ حَظُّ مُحبّهمْ أرضيتَ قلتُ نعمْ رَضيتُ رضيتُ
إنّي ملكتُ ذَخائراً أَحْرَزْتُها مِنْ كيمياء ودَادهمْ فَغَنِيتُ
فدَعوا الملامَ فقد أهبَّ بمهجَتي داعي الهُدَى فَأجبْتُ حِينَ دُعيتُ
إن الإسلام أوامر تحتاج إلى التزام وتنفيذ، ونواهٍ تحتاج لتركها بالفعل وروح الخشية، ولقد تاهت كثرة كاثرة وهي في حنايا الزوايا تنتظر معركتها التي رسمت في خيالها، بعد أن تجاوز العدو كل حد، وهتك كل ستر، وما زال المسيكين في تقاعسه يظن اعتزال الفتنة، وفي تخاذله يدعو الله أن يطفئ نار البغي والغي بنوره، ينتظر ذاك النور الذي عميت عينه عن رؤيته في شرعة الله سبحانه وتعالى، وسيرة المصطفى ﷺ وصحبه الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
والغريب الذي تَمُجُّهُ النفوس، والعجيب الذي يلفظه الإحساس، من دخائل نفذت إلى صدور من تصدر زعامة الأمة، أن يعيش المرء حياة المخدرين في حياة الأحلام والرؤى، ويسيح في صحراء الهوى مغتراً بكرامات تحت ليل الكرى، ومنامات قبل نيل المنى، لتصبح الأمة اليوم في حبها لرسول الله ﷺ أوراداً وترانيم أغنتهم على زعمهم عن الواجب المقدس الذي ينتظره، من مدافعة خطر يتهدده، وهذه آثاره بادية على جبين الأمة قاطبة.
إن الإسلام الذي به نحيا: هو حياة سيدنا محمد ﷺ في قلوبنا حباً والتزاماً، وفي سلوكنا حسناً في التطبيق وتقيداً، تظهر ثمارها على الأمة قيادة في حكمة، وريادة في رقي، تحضراً في مدنية كما يحب ربي ويرضى جلَّ جلالُهُ.
فالرسالة المحمدية رسالة قدسية، التي نزلت على أمة أميَّة، في زمان جهول زاغت فيه البشرية، فكانت العربية لغة الرسالة، والعرب رجال الزمان في وقت النبوة، أضاء في الخافقين نور العدل بالإسلام، وانشرحت الصدور بنور الهدى، ورست سفينة الإنسانية على شاطئ التوحيد، فأمنت واطمأنت فحييت بعد ممات، وقامت بعد سبات، لترتقي في سلم الحضارة لتحوز سدتها، ولتعتلي عرش الأخلاق الفاضلة وتملك فضيلتها، ولتكون كما أخبر عنها رب العزة جلَّ وعلا: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ {آل عمران:110}.
إن ارتباط الإنسان المسلم بدينه يحكمه الرباط الوثيق بسيرة سيدنا محمد ﷺ قولاً وفعلاً، عملاً والتزاماً، فليست سيرته قصة مولد تتلى في مناسبات يحملها قارب الحب، وتدفعها ريح الشوق إلى تلك الأيام التي عمرها سيدنا رسول الله ﷺ بالكدح والجد مكابداً في كل حين من أنفاس عمره، بناء الإنسان السوي، وجسد الأمة القوي، وليرسم للأمة معالم طريق نهضتها، وباب مجدها وعزتها، ونحن في زمن كثرت فيه صور الحب الضعيف، في كسل لا يغني الأمة في فقرها، وتقاعس لا تحصنها في أيام حربها، بدعوى الوصل الذي يبحث عنه التائهون، في خيالات ما علمت معنى حقيقة الرسالة، وعمارة الأرض.
لقد علَّم الإسلام معنى الرجولة الكاملة بأسمى معانيها، فتجسدت في شخص النبي الكريم ﷺ، ومعنى الخليفة في عمارة الأرض وتحكيم دين الله عزَّ وجلَّ، والتي مازالت تبحث عن القلب الصفاء في قالب الجسد المضنى، الذي يحمل بين جوانحه هم أمة تاهت سفينتها في خضم البحر المحيط، يحيي القلوب ويستثمر لب الإسلام بحراثة جديدة لأرض علقت في طيات تربها، شوائب عوالق سيول الأهواء السافلة، ويسقي في النفس بذر الإيمان بالمولى الجليل سبحانه، وينفث في رُوعه روح اليقين التام بنصر هذه الأمة ونصرة هذا الدين، وليشمر عن ساعد الجد، وليغتنم نفائس أنفاسه ليكتب في جند الحق مناضلاً في طريقه مجاهداً في سبيل الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، ولا يثنيه عن هدفه كثرة الهزائم، تعتلي صهوة نفسه قوة العزائم، ويتذكر من دروس النبوة معاني كمال الرجولة، ويشخص أسباب الداء ووصفة الدواء، ليتعافى جسد الأمة من وهنها الكبير، ونحن في محنة لاحت بوارق عصفها من بعيد، ولفحت بنارها وجه البراءة والعفاف من قريب، فلا يصدها دعاء دون دعوة، ولا يرد غائلتها صلاة دون صلة، ووالله لو أن سيدنا محمداً ﷺ بين أظهرنا لما حكم على الذين تذرعوا وتعذروا إلا بحكمين لا ثالث لهما، إما خوالف طبع على قلوبها، أو فراراً من الزحف يوم ساعة النداء.
فرحنا كبير بميلاد سيد الخلق وحبيب الحق وأشرف المرسلين، ولكن فرحه بنا ﷺ عندما نعود إلى تعاليم دينه ﷺ كما أمر، ونحيي سنته كما علَّم وصبر، بعد أن تنهض بعزيمة لا تفتر، وهمة قوية لا تضعف، تعيد لنا مجدنا من جديد، وتلبس البشرية كرامتها السليبة بعد طول غياب وشديد عذاب.
نعم إنه العالم أجمع حين يحتفل بميلاد صاحب الرسالة، مثقلاً بهمومه ومتاعبه التي وضعه الاحتلال الجاثم على الصدور، وحكام الذل الذين انقادت راقبهم لدولة الدجال الأكبر بعد قرن من الاندحار.
فلتهب أيها الشباب المسلم قومة ماجدٍ وضع بين عينيه تبليغ الرسالة التي تنتظر الوعاء الطاهر الذي يوصلها لقلوب الآملين من عطاش الإنسانية الحائرة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات ذات صلة

‫6 تعليقات

  1. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين عدد ماكان وعدد مايكون وعدد الحركات والسكون وكلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون في الأولين والآخرين إلى يوم الدين
    وجزاكم الله خيرا ورفع قدركم

  2. جزاكم الله خيرا شيخنا
    أيقظتم شعورنا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
    رفع الله شأنكم

    1. عجبآ عجب ؟ أناس كل يوم يتلونون حسب التياير يسيرون وعند مصالحهم الشخصية يجلسون: آللهم صل على سيدنا محمد عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

  3. عجبآ عجب ؟ أناس كل يوم يتلونون حسب التياير يسيرون وعند مصالحهم الشخصية يجلسون: آللهم صل على سيدنا محمد عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

  4. عجبآ عجب؟من أناس يتلونون كل يوم بلون وحسب مصالحهم الشخصية يجلسون. ومن خارج البلاد يرشدون وحسب جلاسئهم يتحدثون

  5. أعجبني يا دكتور حسين قولك حرفيا (لقد علَّم الإسلام معنى الرجولة الكاملة بأسمى معانيها، فتجسدت في شخص النبي الكريم صلى الله عليه و سلم ) ، و اسمح لي أن أقوم بالتعقيب عليه :
    في كتاب الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) ، ولم يقل سبحانه و تعالى “أشباه رجال” أو “رجال مخنثون” أو “صبيان” أو “مراهقون” بل تحدث عن الرجال الأحرار المتمتعين بمعنى الرجولة . إن مقتضى قول “لا آله إلا الله محمد رسول الله ” أنه لا معبود بحق عند القائل سوى الله و أنه يلتزم بإتباع رسالة محمد صلى الله عليه و سلم و من ضمن ذلك الابتعاد عن الفحشاء و المنكر و التقيد بتعاليم الشريعة و على الأخص من يظنها البعض شاقة مثل ” قول الحق و عدم النفاق و الامتناع عن تبعية من بيده القوة المادية خوفاً من فقر أو طمعاً في مال و صدَ كل أصناف التهديد و الإغراء و الصمود في وجه إيذاء المخابرات الدولية و المخابرات الإقليمية العميلة . في سيد الاستغفار يقول المؤمن (وأنا على عهدك و وعدك ما استطعت) مما يعني الثبات على الدين و عدم التبديل إلى أن نلقى رب العالمين. الرجل الحقيقي هو من لا يستعبده بشر مثله فيسوقه إلى الارتداد عن دينه و حين يستعين بالله على شياطين الإنس و الجن بحرارة قلبية ، فسيجد أن الله سيكون
    له سنداً و ناصراً و معيناً و ولياً و وكيلاً و حبيباً . حينها بالضبط (( إذا كان الله معك فمن عليك ؟ ، و إذا كان عليك فمن معك ؟ )) .
    على ضوء ما تقدم ، ينبغي التفريق بين الرجولة و الذكورة في بلاد المسلمين . أهل القوة ( مثل الجيوش و أجهزة المخابرات و أصحاب المناصب العليا و زعماء القبائل و علماء السلاطين و أصحاب الألقاب الرنانة و كبار التجار و الأثرياء و من جرى إشهارهم عبر الإعلام ) هؤلاء كلهم ذكور و ليسو رجالاً في واقع أمتنا الحالي . حين يرون الاستعمار الفرعوني في بلاد المسلمين يصول و يجول بنفسه أو عبر أدواته ، ثم بعد ذلك لا يقولون أو يفعلون شيئاً فإنهم أبعد ما يكونون عن الرجولة حتى و لو كانت لهم شوارب ثخينة أو لحى كثيفة . خنازير الأرض يتحركون في بلادنا و يحركون أدواتهم ليملئوها تقتيلاً و ترهيباً و تخريباً و تدميراً و تجويعاً و إفساداً ، ثم لا ردود فعل على ذلك ؟؟ هذا و أيم الله انتفاء لصفة الرجولة لدى هؤلاء القوم و ينطبق عليهم قول الشاعر – مع تعديل بسيط للأصلي – ” مَا كَانِتِ الْأعداءُ تَرْسل شَرَهَا ** لَوْ أَنَّ فِي هَذِي الجُمُوعِ رجَالاَ ” .

اترك رداً على أبو حسين إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى