حقوق وحريات

صوت الضحايا الذي أخاف روسيا!

عبد الحافظ كلش

صحفي وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان SNHR ، الأحد 17 تشرين الأول الجاري، بياناً أوضحت فيه تعرُّض موقعها “منذ بداية الشهر الجاري لهجمات إلكترونية عنيفة جداً تهدف إلى عرقلة تصفحه، تمهيداً لإيقافه نهائياً”

وأوضحت الشبكة عبر البيان أنه “وفقاً لتحليل البيانات المقدمة من خدمة الحماية Cloudflare فإنَّ الهجمات تصاعدت الليلة الماضية وكانت مستمرة لقرابة ست ساعات متواصلة، بلغت في غضونها 273 تهديداً “

وقبل أيام كانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد كشفت عن تعرُّض موقعها لقرابة 414 هجوماً إلكترونياً في اليوم الواحد.

وقد بيّنت أنَّ ” مصدر الغالبية العظمى من الهجمات هو روسيا؛ وذلك لأنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت انتهاكات القوات الروسية منذ بداية تدخلها العسكري في سوريا في أيلول/2015″

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرت ” قرابة 92 تقريراً تثبت تورُّط القوات الروسية في جرائم حرب وجرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري”

وأكَّدت الشبكة أنَّها تعرَّضت منذ سنوات لتصريحات معادية من وزارة الخارجية الروسية ومندوب روسيا الدائم في مجلس الأمن” بالإضافة إلى ” حملات تشويه ونقد من قِبل جميع مرتكبي الانتهاكات في سوريا”

وفي نهاية البيان طمأنت الشبكة متابعي الموقع بأنَّ  الهجمات والمحاولات الروسية الخطيرة لعرقلة واختراق الموقع فشلت وعجزت عن إلجام صوت المقهورين وأنَّ “الموقع يعمل بشكل طبيعي”

كما أكَّدت على المضي “في توثيق وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا من قبل جميع الأطراف؛ تمهيداً لمحاسبتها وسعياً للدفاع عن حقوق الضحايا، والانتقال من حكم الدكتاتورية نحو الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”

وتقوم الشبكة السورية لحقوق الإنسان برصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا بشكل مستمر منذ عام 2011، وقد أنشات قواعد بيانات لأرشفة حوادث الانتهاكات وتصنيفها، كما تقوم بإصدار تقارير حقوقية مواضيعية بالإضافة إلى تقارير دورية شهرية وسنوية عن حالة حقوق الإنسان في سوريا.

الجدير بالذكر أنَّ الهجمات الروسية الإلكترونية على موقع الشبكة السورية لحقوق الإنسان تصاعدت بعد (التقرير السَّنوي السَّادس عن انتهاكات القوات الروسية) والإعلان عن تنظيم فعالية عالية المستوى عن المحاسبة على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما صرَّحت الشبكة.

ماذا جاء في التقرير السنوي السادس؟

في 30 أيلول الماضي، أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السنوي السادس عن انتهاكات القوات الروسية منذ بدء تدخلها في سوريا في 30 أيلول عام 2015 والتي يرقى بعضها إلى جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب.

وبيَّنت الشبكة في التقرير أنَّ التدخُّل العسكري الروسي في سوريا ” تسبَّب في مقتل 6910 مدنياً بينهم 2030 طفلاً و 974 سيدة (أنثى بالغة) و 1231 حادثة اعتداء على مراكز حيوية”

وركَّز التقرير المكوَّن من 34 صفحة أولاً على عدم مشروعية التدخل العسكري الروسي في سوريا الذي أكمل عامه السادس، واستعرض التقرير الحججَ التي تستند عليها روسيا لشرعنة تدخلها العسكري، الحجج التي تقول إنَّ ” التدخُّل كان بناءً على دعوة من النظام السوري..” و “أنها تستند إلى قرار مجلس الأمن رقم 2249 الذي صدر في تشرين الثاني/2015 ” [أي: بعد قرابة شهرين من تدخلها]

وقد فنَّد التقرير هذين السببين/ الحجج التي كررتها روسيا عشرات المرات، بما يأتي:

1-“لابدَّ من أن تكون السلطة التي قامت بالدعوة شرعية” ومن المعروف أنَّ ” النظام السوري استولى على السلطة عبر انتخابات تحت تهديد وقمع وإرهاب الأجهزة الأمنية ”  بالإضافة إلى أنَّ النظام السوري هو نظامٌ ” متورط في ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية بحق الشعب السوري وفقاً لتقارير لجنة التحقيق الأممية”.

2-” إنَّ التدخل العسكري الروسي قد انتهك التزامات روسيا أمام القانون الدولي، فروسيا عبر تدخلها إلى جانب نظام متورط في ارتكاب جرائم ضدَّ الإنسانية، بما في ذلك التعذيب، استخدام الأسلحة الكيميائية، الإخفاء القسري، وغيرها؛ تنتهك العديد من قواعد القانون الدولي الآمرة، بل ويجعل منها شريكة في الانتهاكات التي يمارسها النظام السوري”

3-” إنَّ القوات الروسية نفسَها تورطت في ارتكاب آلاف الانتهاكات الفظيعة في سوريا، التي يشكل بعضها مثل القتل خارج نطاق القانون، التشريد القسري، جرائم ضدَّ الإنسانية، ويشكل بعضها جرائم حرب مثل قصف المشافي ومراكز الدفاع المدني”.

وأضافت الشبكة في التقرير” هذا مثبت في العديد من التقارير الدولية، وتقارير وبيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.

وأكَّد التقرير على أنَّ  “الدعم الروسي للنظام السوري بدأ منذ الأيام الأولى للحراك الشعبي السوري في آذار/2011 ضدّ النظام السوري، عبر إمداده بالخبرات والاستشارات والأسلحة، وعبر استخدام الفيتو مراراً وتكراراً في مجلس الأمن (استخدمت روسيا الفيتو 16 مرَّةً لصالح النظام السوري)، وعبر التصويت الدائم في مجلس حقوق الإنسان ضدَّ القرارات التي تدين عنف ووحشية النظام السوري…”

ثمَّ أوضح التقرير السنوي السادس الصادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، المنهجية التي اتبعها فريق العمل في الشبكة لإعداد التقرير، بعد رصد وتوثيق وتحديث “حصيلة أبرز انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا..” مع الإشارة إلى أنَّ  “ماورد في هذا التقرير يُمثّل الحدَّ الأدنى..” الذي تمكن فريق العمل من توثيقه.

وأورد التقرير، بالأسماء والتواريخ، التصريحات العسكرية والإعلامية الروسية التي أعلنت مرات عدة أنَّ سوريا ساحة لاختبار الأسلحة الروسية، وحقلاً لتجربة واختبار الفاعلية والأثر التدميري للسلاح الروسي، و”أتاحت أيضاً اختبار فعالية نظام التعليم العسكري في روسيا” كما قال وزير الدفاع الروسي.

ثمَّ استعرض التقرير نماذجَ من الأسلحة الجديدة التي استخدمتها روسيا على الأراضي السورية، وحصيلة الضحايا المدنيين على يد القوات الروسية بحسب المحافظات سنوياً، وحصيلة المجازر؛ حيث “وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن 357 مجزرة ارتكبتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا 30/أيلول/2015 ” بالإضافة إلى حصيلة الضحايا من الكوادر الطبية وكوادر الدفاع المدني والكوادر الإعلامية، وحصيلة حوادث الاعتداء على المراكز الحيوية المدنية (مدارس، منشآت طبية، أسواق..)

كما بيَّن التقرير أنَّ الشبكة وثّقت “ما لا يقل عن 237 هجوماً بذخائر عنقودية شنّتها القوات الروسية منذ تدخلها العسكري في سوريا..” بالإضافة إلى توثيق حصيلة استخدام الأسلحة الحارقة ” 125 هجوماً بأسلحة حارقة..”.

 وأورد التقرير ما تسبَّب به العنف والتدمير الهائل المتصاعد الذي مارسته القوات الروسية “بالتوازي مع الهجمات التي شنّها الحلف السوري الإيراني”، من حركة نزوح ضخمة وتشريد قسري ” قرابة 4.7 مليون نسمة، معظم هؤلاء المدنيين تعرضوا للنزوح غير مرَّة”. بالإضافة إلى توثيق ارتكاب القوات الروسية عشرات حوادث قتل لمدنيين بينهم أطفال ونساء، في العام السادس لتدخلها العسكري في سوريا.

كما استعرض التقرير بالصور، مع الإحالة للتقارير الفرعية الموسَّعة، الكثيرَ من الانتهاكات التي تمَّت على يد القوات الروسية.

وقد اختتمت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرَها السنوي السادس، بمجموعة من الاستنتاجات القانونية ومجموعة من التوصيات المهمة إلى: مجلس الأمن والمجتمع الدولي ولجنة التحقيق الدولية المستقلة، وإلى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وإلى المبعوث الأممي إلى سوريا، وإلى النظام الروسي نفسه، وإلى الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي.      

ويبقى الأمران العجيبان:

  • أنَّ روسيا القاتلة والمهجِّرة للشعب السوري والمساندة للنظام الدكتاتوري الأسدي، هي نفسها التي تروِّج “لفكرة إعادة اللاجئين من أجل البدء بعملية إعادة الإعمار”!
  • أنَّ روسيا التي تمتلك ترسانة ضخمة من الأسلحة ولا تعطي أهمية للقانون الدولي، تخشى من توثيق صوت الضحايا/ضحاياها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى