مقالات

المال والإعلام سلاحا العصر

الزهرة هراوة

باحثة إسلامية – الجزائر
عرض مقالات الكاتب

     منذ القدم تبوَّأَ المال مكانة في نفوس البشر فكل من أوتي مالا إلا وكان ذا حظوة وسيادة وجاه، ولنا في قصة قارون وكيف طغى بماله وتاه وبغى في البلاد وعلى العباد، وكيف أن أغلب الناس ممن لا حول لهم ولا قوة قد أغراهم ماله، مثالا وعبرة.

فالمال يمنح صاحبه سطوة ونفوذًا وجاهًا وهو في يده سلاح ذو حدين؛ إن شاء طوَّعه لخدمة الدين والعلم والعباد، وإن شاء أساء استخدامه في خدمة ميوله الخسيسة يعميه عن الحق فيطغى في البلاد ويفسد فيها ويسعى لخرابها، ولن يجد من يتصدى له.

 فللمال سطوته وجبروته؛ سيما في زمن طغت فيه المادة وتجبرت، وأزاحت من أمامها كل فضيلة  وكل خلق نبيل؛ فصاحب المال  يأمر فيُطاع، ويتكلم فيسمع له، ويتجبر فينبطح له الباقي ويتذللون عنده ليرمي لهم فتات موائده.

وفي عصرنا الحالي زاحم الإعلام المال في دور السطوة والتمكن من رقاب البشر، فللخبر والصورة أثرهما الفعّال في ليّ الكثير من الرقاب وغسل العقول وتوجيهها حسبما يريد مالكو الإعلام، وقد عرف الأثرياء أثره على الناس، فكان أن استولوا عليه واستخدموه لصالحهم إرضاء لنزواتهم التي لا تنتهي، حبا وطمعا في سيادة لا تزول، فتحالف المال الفاسد مع الإعلام الأجير في محاربة كل ما يمكنه أن يشكل تهديدا لمصالحهم الدنيئة.

فروَّجوا للرذيلة بإعلام هابط  وما همهم إنفاق المال بقدر ما يهمهم أن ينشغل الناس بما فيه. وتنزع عنهم رداء الحياء والحشمة لتستبدله بعري الخلاعة والبذاءة.

هذا ما يحدث في زمننا الحالي إعلام فاسد بيد ثري طالح يوجهه حيث يشاء ولنا في القنوات الفضائية والافتراضية عبر اليوتيوب أمثلة حية تظهر منه طفيليات تقتات من هذه المستنقعات الآسنة لتدعي أنها أبطال أفلام ومسلسلات وتُفْرَض كقدوات لفتيات وشباب المسلمين  في ظل غياب تام للبديل الصالح. ليقتادهم  ويسوسهم حسب هواه وقد سلبت إرادتهم الحرة تماما بموضة لباس فاضح وتسريحات غريبة وعادات مستهجنة منكرة.

هذا هو المال إذا كان في أيدٍ لا تخاف الله ولا تعرف حقوقه ولا حقوق عباده؛ المال الفاسد في يد الرجل الطالح الذي تجبر وتغطرس، وبما أنه لم يجد ندا له يواجهه ويناكفه فسيظل جاثما على صدورنا لأجيال عديدة.

 فهل من معتبر وهل من غيور على دينه وعلى أمته وهو يرى الشباب تائها يسوسه أضعف الخلق وأحقرهم في الدنيا ويدفع بهم  إلى الهاوية.

 إن فينا بالتأكيد أولئك الأغنياء الصالحين الذين امتدحهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلا: “نعم المال الصالح للرجل الصالح” الذي يعرف نعم الله عليه فينفقها تقربا لله ومن بين سبل الخير التي يعتقد البعض أن الإنفاق فيها غير مأجور صاحبه؛ الإعلام، فينصرف عنها لغيرها ناسيا أنها ثغرة كبيرة يؤتى من قبلها الإسلام. فهل يتركونها بين أيدٍ نجسة تهتك كل ما هو حسن وتبرر ذلك بالانفتاح والحرية الشخصية وتستولي على عقول الناس عامة والشباب خاصة، أم يشمرون على سواعدهم ويرفعون التحدي خدمة لدين الله وإعلاء لكلمة الحق ونصرة لها ويقتطعون من أموالهم حقا معلوما في سد تلك الثغرة التي أرهقتنا وأضعفتنا.

وإن هناك الكثير من الطاقات الشبابية الفعالة التي تود أن تساهم بإعلام نظيف وبديل ولكنها عاجزة كَلِيلَة. تترقب بعض التمويل والمساعدات المادية وكذا تيسير أعمالهم بتسخير ما يحتاجون وتوفير صناعات إعلامية بديلة تسعى للرقي بالأمة جسدا وروحا، وتصحح كل ما هو مغلوط وتنير للناشئة الطريق المستقيم الذي ينبغي أن يسير عليه، وإرشادهم للقدوات الصالحة التي حق لها أن تتبع ويقتدى بهم ويتأسى بهم بالعودة إلى تراثنا الزاخر بما فيه من خيرات كثيرة.

يقول الشيخ البشير الإبراهيمي –رحمه الله-   في ذلك: “المال الذي تنفقه في المحرمات يسوقك إلى النار، والمال الدي تبدده في الشهوات يجلب لك العار، والمال الذي تدخره للورثة الجاهلين تهديه إلى الأشرار، وتبوء أنت بالتبار والخسار.

أما المال الذي تحيي به العلم، وتميت به الجهل، فهو المال الذي يتوجك في الدنيا بتاج الفخار، وينزلك عند الله منزلة الأبرار”.

ومن المال الذي ينفق في المحرمات ويبدد في الشهوات دون رادع أو وازع ديني وأخلاقي الذي يسوق للإعلام الهابط والأفلام الوضيعة، فترصد لها ميزانية ضخمة، وتبذل فيه جهود عظيمة، وبل ويبررون ما يقومون به على أنه هو التطور والتحرر وما غير ذلك رجعية مقيتة وجب الفرار منها، هذا ما صرح به أحد أولئك الذين يمتلكون المال والإعلام حينما انتقد مهرجانه السينمائي الذي فيه من المهازل ما يندى لها الجبين فكان عذره أسوأ من الحدث المنتَقد. وكأنما لا نتطور ولا نرتقي سلم الحضارة إلا بالعري والعهر والفجور. واستخف هذا النكرة قومه فأطاعوه.

وقد أثار ذلك حفيظة  الغيورين على الأمة  واستفزتهم وكانت بعضها ردودا آنية غير مدروسة، لذا فإن ردود الفعل يجب أن تكون فعالة ومواجهة ندية لأولئك الذين اعتقدوا أنهم امتلكوا رقاب الناس فعاثوا في الأرض الفساد. وإننا في زمن الأنترنت يمكن أن يستغل بإعلام هادف  نبيل بأن يؤدي دوره بفضل دعم أهل الخير وتشجيعهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى