حقوق وحريات

التيار الدستوري ما بين فراداي ولينز

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب

يقوم علم الكهرباء المغناطيسية على عدة قوانين وأهمها قوانين ” فرداي وماكسويل ولينز ” وينص قانون مايكل فرادي في مجال الكهرومغناطيسية على أنه :” تتناسب القوة الدافعة الكهربية المستحثة في أي دائرة مغلقة والمتولدة في ملف أو موصل طرديا مع المعدل الزمني الذي يقطع فيه الموصل لخطوط الفيض المغناطيسي.
كما ينص قانون هنريك لينز على أن قوة الدفع الكهربائي والتدفق المغناطيسي متعاكسان في الإشارة “
فقانون فراداي يرتبط بالزمن وبالتالي في السرعة و ثم جاء قانون لينز ليُحدِّد نوع الإشارات سواء موجبة أم سالبة ، واتجاه التيار .
وحيث أن فحوى خارطة الطريق الدولية للحل في سورية تقوم على حثِّ الأطراف المتصارعة ” تحريضها ” على الجلوس على طاولة واحدة والتفاوض على القضايا العالقة بينها للوصول إلى توافق وبالتالي إنهاء الصراع ، وهذا يتطلب بيئة مخصوصة لإمكانية البدء فيه مثل وقف اطلاق النار ، الاستعداد وقبول مبدأ التفاوض ، القبول بالوساطة الدولية ، شراكة المجتمع الدولي ، ضمان مصالح الدول المتصارعة في سورية ، التسليم بالحل السياسي ” التفاوضي ” حلا وحيداً للصراع …. ” و حيث أن تنفيذ هذه الخارطة يتطلب الأمر إيجاد أدوات و آليات تكفل عدم خروج الأمور عن السيطرة ومن هذه الأدوات هيئة التفاوض ومنصاتها ، واللجنة الدستورية و ثلاثيتها والتي هي بمثابة دارة مٌغلقة تقوم على ثلاث عناصر هي ” المعارضة – النظام – المجتمع مدني ” و التي تم تحديد حجم و قوة كل منها وتوزيعها بالتساوي من قبل الأمم المتحدة والتي منحت مبعوثها الدولي القوة الكافية في ” الحثّ والتحريض ، و التوجيه ، و ضبط السرعة ، و ضبط الوقت ” أي القبض والتحكّم بالعناصر الأساسية في هذه اللجنة وباعتبار أن الأطراف الثلاثة في اللجنة الدستورية متساوية القوة ولكنها تختلف في الاتجاه ، فعندما يرتفع منسوب التنافر المُهدِّد لعمل اللجنة أو لوجودها يتدخل المبعوث الأممي لضبط الأمور و توجيهها لضمان استمرارها فقط و ليس لضمان انتاج الدستور أو التعديلات الدستورية ” وقد رأينا المبعوث الدولي قبل أو بعد كل جولة من جولات اللجنة الدستورية وهو يخرج علينا ليُتحفنا بمصطلحات و مفاهيم تحمل معاني قانونية تنتج آثاراً قانونية خطيرة تتناقض مع طبيعة عمله كــ” مُيسِّر ، مثل مصطلح ” المحتجزين الذي يطلقه على المعتقلين على خلفية الثورة في زنازين النظام في الوقت الذي يطلق فيه مصطلح ” الأسرى أو المخطوفين ” على شبيحة النظام ومجرميه ، ترحيبه بعمليات التبادل بين الفصائل و النظام على أنها جزء من عملية اطلاق سراح المعتقلين ، و كيف اطلق بعد احدى الجولات مصطلح ” العدالة التصالحية ” ناسفاً مبدأ العدالة الانتقالية كأساس لضمان استقرار البلاد في المرحلة الانتقالية من خلال محاسبة المجرمين والحيلولة دون إفلاتهم من العقاب ، و اليوم يُتحفنا بمصطلح ” الإصلاح الدستوري ” في نقضٍ واضح لما ورد في القرار ” 2254 ” الذي اكّد الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته إلى مجلس الأمن بتاريخ / 26/09/2019 / المتضمِّنة القواعد الإجرائية لعمل اللجنة الدستورية والتي جاء فيها ” في إطار أداء مهمته بموجب التفويض الممنوح له في قرار مجلس الأمن 2254 (2015)، بما في ذلك تيسير المفاوضات السورية – السورية، ومنها وضع مسار لصياغة دستور جديد تجرى، بناءً عليه، انتخابات حرة ونزيهة تحت إشراف الأمم المتحدة وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي؛ ومع الاحترام الكامل للسيادة الوطنية لسورية” .
وحيث أن الفرق كبير بين التجديد والإصلاح الدستوري ويتجلى في أن إنتاج دستور جديد يعني حكماً القبول بإلغاء الدستور القديم ، ومن مفاعيل الإلغاء ، إلغاء الأثار القانونية والدستورية التي كانت تستند اليه ، ومنها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية ، وإن إقرار الدستور الجديد يتبعه حكماً انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية جديدة ، ولا يشترط إكمال الولايات القائمة للسلطات الثلاث .
وأما الإصلاح الدستوري : فهو يعني إمّا إضافة مواد دستورية جديدة وإلغاء أخرى ، وإمّا تعديل بعض النصوص تخفيفاً أو تشديدا ، وبالتالي إضفاء الشرعية على كل ما تم من إجراءات سابقة استناداً اليه كما ذكرنا كالانتخابات ” الرئاسية والبرلمانية والمحلية ” وبالتالي شرعية إكمال ولاية بشار أسد أو برلمانه لولايتهما الباطلة الحالية .
ويكمن الفرق بينهما ايضاً بأن الأول يقتضي رحيل بشار أسد حكماً أي أنه سيكون مُدخلا لإسقاط النظام ، بينما الثاني يعني شراكته ، وإعادة انتاج النظام .
وحتى لا يتسبب هذا التنافر بنسف العملية يتجاوز المبعوث الدولي صلاحياته بإضافة هذه المفاهيم والمصطلحات مستعيناً بثلث المجتمع المدني كقوة داخلية مِطواعة بيده ضمن اللجنة ، وبالضغط الدولي على المعارضة ، وبتقديم تسهيلات وإغراءات للنظام كما رأينا في التشجيع على الانفتاح الدولي عليه أو على الأقل غضّ البصر عن ذلك ، وإعادة النظر بمنظومة العقوبات الدولية عليه ولا سيما تفعيل عضويته في بعض المنظمات الدولية ومنحه الحقوق و الامتيازات الكاملة فيها ، و لزيادة التدفق في نشاط اللجنة الدستورية وخفض منسوب التنافر وتحديد اتجاه المسار الدستوري من خلال عملية الحث ” البيدرسونية ” لضمان الإبقاء على الدارة الدستورية المغلقة وضمان وجود عناصرها ، وأداء مهمتها في توليد “اللاشيء الدستوري” واستغراق الوقت وتمريره حتى تكتمل عملية إعادة انتاج مُفاعل ” بشار الكيميائي ” وهذا يتطلب وجود نهر أو بحيرة هادئان لضمان تبريد الوسط وهو ما يؤديه الأستاذ اللطيف هادي البحرة في تعليل وتفسير وتلطيف تصريحات ” المُحرِّض” الدولي .
الدستور أو الإصلاح الدستوري لم يكن يوماً مطلباً من مطالب الثورة الأساسية ، بإعتباره يقود إلى الإبقاء على النظام من خلال القبول بالتفاوض معه على الإصلاحات الدستورية أو الاقتصادية أو القانونية ، و للحكم على جدّية النظام لمن لم يوقِن بعد بعدم جدوى أي مفاوضات معه فليراجع التعديلات الدستورية والقانونية و التشريعات الجديدة و المًكثّفة خلال السنوات العشر الماضية فقط و التي أغرق بها المنظومة الدستورية و القانونية السورية ، وكذلك ينسحب الأمر على الإصلاح الاقتصادي و الاجتماعي و الأمني والعسكري ، فمن لا أو لم يقتنع بعبثية التفاوض معه أو مجرد القبول بوجوده في حياة السوريين فليراجع عقله ، وضميره ، و دينه ، وأخلاقه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى