مقالات

أالسوريون كانوا أشجع أهل الأرض

د. أسامة الملوحي

سياسي سوري
عرض مقالات الكاتب


السوريون أهل بلاد الشام استجابوا عبر التاريخ القديم للأنبياء وواجهوا الظالمين والمجرمين مع الأنبياء فبارك الله أرضهم فسميت الأرض المباركة.
كان مفهوم الشجاعة عند أهل الشام عبر الزمان مفهوماً مميزاً وكانوا يقولون دائما :
“إن الشجاعة وقاية والجبن مقتلة وبالشجاعة تكتسب المكارم”.
وكان حكماء أهل الشام قبل الإسلام يتداولون ويأخذون بقول أرسطو:
“الشجاعة أولى سمات البشر فهي التي تجعل بقية السمات ممكنة”
وكانوا ينشرون بين الناس ويروجون دائماً أن الشجاعة هي سر بقاء البشر واستمرار الحياة وعمران الأرض وهي من صفات الرجال والكمال والجمال.
وعندما أتى الإسلام وعلم أهل الشام القرآن و مافيه من معاني تمام الشجاعة وغايات استخدام القوة في الاسلام، انسجم ذلك مع ما ألفوه وتحلوا به وكان من دواعي تعلقهم بالدين الجديد العظيم وزاد في ذلك كثيراً عندما علموا عن نبيهم أنه قد كان أشجع الناس وسمعوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو من أبطال الأمة وشُجعانها: “لقد رأيتُنا يوم بدر ونحن نلُوذ برسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو أقربُنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يَومئذ بأسًا”
وكان أهل الشام الذين آمنوا ينأون بأنفسهم أن تقترب صفاتهم من صفات الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال الله لهم موتوا ثم أحياهم فقد علموا أن الذين هربوا خوفاً وجبناً رغم أنهم ألوف وكثرة قد انطبق عليهم قول الله وقانونه أن يكونوا بحكم الموتى بلا قيمة أو أثر.

وعلى ذلك عاش أهل الشام وسرَّهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم وخصهم بانهم القلة الثابتة الباقية التي لا تهون ولايضرها من خالفها.
فأصبح أهل الشام في القرون الأولى أحداثًا قادة، وشبابًا سادة، وكهولاً يزودون، وحازوا الشرف الشامخ ، وبهذه الشجاعة النادرة فتَحوا البلاد، وحكَموا العباد، وقَضوا على الظلم والعدوان، وتمكَّنوا من الحُكم والسلطان.
وقد يظن البعض أن الفضل كله للقادة وبظنهم يهملون دور الجند ومراتبهم وهؤلاء الجند هم من أهل الشام الذين مكنوا قتيبة بن مسلم الباهلي وأمثاله من فتح معظم العالم القديم من الصين حتى الأندلس.
وهؤلاء الجند هم أنفسهم الذين ود سيدنا علي لو كانوا من جنده حين قال للذين خذلوه و ملؤوا قلبه قيحاً ، وددت أن لي بكل عشرة منكم رجلا من أهل الشام،”والله لوددت لو أني أقدر أن أصرفكم صرف الدينار بالدراهم، عشرة منكم برجل من أهل الشام”.
وحررصلاح الدين القدس والبلاد بجيش من أهل الشام.
ومرت القرون على أهل الشام وهم كذلك في الشجاعة والإقدام والثبات ورفض الظلم والعدوان…وكثيرون لا يعلمون أن أقصر فترة استعمار حديث في الدول العربية كان في سورية، وامتد ستة وعشرين سنة أنشأت خلالها فرنسا حكومات ودويلات بمسميات عديدة في سورية وأعطت للدويلات حقوق الحكم الذاتي والاستقلال الوهمي لتسيطر وتهدئ البراكين التي انفجرت ضدها في كل مكان في سورية، وكثيرون لا يعلمون أن أكثر من مئة انتفاضة وثورة تعرض لها الفرنسيون خلال فترة انتدابهم على سورية….ولا أظن الفرنسيين نسوا ذلك يوماً واحداً.
وإلى الشام آوى كل ثائر وبطل ثار ضد الاستعمار في بلده، فإليها لجأ عبد القادر الجزائري وغيره.
ومنها خرج القسام إلى فلسطين وخرج معه ومن بعده آلاف من المتطوعين والمجاهدين.
وغير ذلك كثير عن شجاعة أهل الشام وبطولاتهم.
ولا أظن أن من خطط لسورية يوما ودرس سياسة التعامل معها بعد الحرب العالمية الثانية وبعد ولادة النظام الأممي بقيادة أميركا قد غفل أو أغفل هذه الحقيقة أو هذه الصفة التي تميز بها الشعب السوري وسحبها معه عبر تاريخ عريق طويل …
لذلك خضع الشعب السوري للترويض وأعدوا له آل الأسد ليفعلوا بالسوريين ما فعلوا ويفعلون..
وما فعله حافظ أسد في الثمانينات كان مبرمجاً ومخططاً له والأدلة على ذلك عديدة ليس أهمها التقارير المنشورة في الصحافة الغربية نفسها وبدون مواربة واعتمدوا على أن العرب لا يترجمون ولا يقرؤون ولو عدنا اليوم للصفحات الأولى في مجلات السبعينات في الغرب لرأينا المقترحات العجب ومنها تقرير بارز خطير على صفحة الغلاف لمجلة التايم الأمريكية بعنوان “إسلام”.
ولا يمكن لأحد أن يغفل دور فرنسا في بذر بذور هيمنة آل الاسد في سورية وقد استلمت مذكرة من أبي حافظ الأسد ومن معه يدعو فرنسا للبقاء وعدم الجلاء.
وفعل حافظ أسد فعلته عام 1982 ودمرمدينة حماة القديمة كلها وجعل من مجزرتها رمز رعب للشعب السوري كله وقبل حماة كانت هناك مجازر وقتل كان في كل مدن سورية وأتبعها بإعدامات متسلسلة لم تنقطع لسنين وسنين.
ودخلت سورية في رعب وهلع لم يدرس فعله وأثره بدقة إلى الآن ولكن ما تعدى الدراسة وأصبح بدهياً هو “زوال شجاعة السوريين ودخولهم في عالم خوف ورعب”….
وأصبح لعالم الخوف الفظيع هذا مفكرين وفقهاء يروجون له ويفتون لتبريره ويبثون آياته الشيطانية: “….امشي الحيط الحيط… واليد التي لا تستطيع عضها بوسها…والحيطان لها آذان…وبدنا نعيش …وجنبنا ولا علينا…”وغير ذلك كثير.
وعندما ثار الشعب السوري عام 2011 وكسر حاجز الخوف فوجئ النظام وفوجئ معه كل الكبار في العالم.
واتضح فيما بعد أنهم جميعاً سمحوا لبشار أن يفعل كل شيء وأن يفوق أباه في القتل ونوعه وبلا حدود.
ولا أظن أننا سنستطيع فهم اجتماع كل الأطراف العالمية على ثورة السوريين عام 2011 وفهم كيف يسمح العالم المتحضر باستخدام الكيمياوي وكل الأسلحة المحظورة ضد شعب أعزل من غير أن ندخل في حساباتنا الأمر نفسه ….ألا وهو عملية تأديب أخرى…عملية تأديب مطلوبة ومسموح بها عالميا تحت شعارهم “مكافحة الإرهاب” وضد شعب لم يعرف الإرهاب والإجرام يوماً، ولم يبث الكراهية في أي مرحلة من تاريخه رغم اعتداء المعتدين وغزو المستعمرين.
عملية تأديب للشعب السوري أقسى من الأولى لترويض شعب كان عبر قرون شجاعاً وعلى شجاعته بنيت دولة عظيمة مترامية لم يسجل التاريخ امتداداً كامتدادها لأي دولة أو حضارة أخرى.
لقد فعلها الشعب السوري في آذار عام 2011 فكسرحاجز الرعب الفظيع الذي صنعه حافظ أسد وأسقط النظام وأسقط كل الميليشيات معه حتى أتت روسية بموافقة عالمية أكيدة…. ورغم كل ما فعلته الآلات الحربية الروسية لم ينته المشهد بعد وما زال علينا أن نستمر وأن نعزل المرجفين والمثبطين وعبيد المنازل وأتباع دين الخوف …أن نعزل كل هؤلاء عن الشعب السوري المنتفض العظيم.
ولابد أن نتساءل ونسأل غاضبين منكرين أمام الفئة الأكثر عدداً من الرماديين الوادعين الحبابين “المسالمين المصلين”:
“كيف يقبل الله صلاة من يخشى غيرالله كل الوقت لأقصى حد”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى