سياسة

هل يرتبط مستقبل المسجد الأقصى بمستقبل الحُكم في تركيا؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

مع اقتراب انتهاء الفترة الرّئاسيَّة الثَّانية للرَّئيس التُّركي، رجب طيّب اردوغان، وما يتبع ذلك من إجراء انتخابات رئاسيَّة جديدة عام 2023م، كثرت الأقاويل عن اعتلال صحَّة الرَّئيس التُّركي (67 عامًا) ومعاناته من مشكلة في عضلة القلب استدعت زرْع جهاز لتنظيم ضربات القلب. وبحسب ما نشرت صحيفة فورين بوليس مطلع أكتوبر الجاري، وتحت عنوان “مرْض اردوغان قد يعيق استمراره في قيادة تركيا”، تشير الصَّحيفة السّياسيَّة الأمريكيَّة إلى أنَّ الرَّئيس التُّركي، الَّذي يعاني حزبه من هزائم سياسيَّة متتابعة منذ عام 2019م ويفقد شعبيَّته بمرور الوقت بحسب قولها، قد لا يمكنه خوض الانتخابات الرّئاسيَّة المقبلة بسبب اعتلال صحَّته، مستندةً في ذلك إلى عدد من المقاطع الَّتي ظهر فيها الزَّعيم التُّركي في حالة صحيَّة متردّية لدرجة أنَّه يحتاج إلى مساعدة قرينته في الاحتفاظ بتوازنه، هذا بالإضافة إلى تردُّد أقاويل عن معانته من فرْط النّسيان، ومشكلات في التَّنفُّس، وفقدان التَّركيز. ويلقي مقال فورين بوليسي الضَّوء على السّيناريو الَّذي يُفترَض تطبيقه في حال عجْز الرَّئيس عن الاستمرار في مباشَرة مهامه الرّئاسيَّة، إمَّا عند اشتداد المرض أو الوفاة، وهو تسلُّم نائبه، فؤاد أقطاي، مهام الحُكم لمدَّة 45 يومًا يتبعها إجراء انتخابات رئاسيَّة. وكما يشير المقال، من المستبعَد أن يحتفظ حزب العدالة والتَّنمية بموقع القيادة في حال ترْك اردوغان السُّلطة، حيث سيكون للأحزاب المعارضة الحظ الأوفر في تلك الانتخابات؛ أمَّا عن المرشَّح الأقوى لخلافة اردوغان من خارج حزبه، فهو إمَّا أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول المنتمي لحزب الشَّعب الجمهوري الَّذي اقتنص المنصب من رئيس الوزراء السَّابق المرشَّح عن الحزب الحاكم عام 2019م، أو منصور يافاش، عمدة أنقرة المرشَّح عن حزب الشَّعب الجمهوري، أو ميرال أكشينار، المنشقَّة عن حزب العدالة والتَّنمية وزعيمة حزب الخير.

 وبالحديث عمَّا يثار عن تضاؤل فرص اردوغان وحزبه في الاحتفاظ بالسُّلطة واستعدادات المعارضة العلمانيَّة لانتزاع مقعد القيادة، يجدر التَّذكير بتصريح رئيس حزب الشَّعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، وهو زعيم المعارضة التُّركيَّة، قبل عدَّة أشهر بسعي الأحزاب المعارضة إلى اختيار مرشَّح توافقي لخوض الانتخابات الرّئاسيَّة أمام اردوغان في صيف 2023م، هذا إن لم تُجرَ انتخابات مبكرة لعزل الرَّئيس، في إطار اتّحاد أحزاب المعارضة في مواجهة الحزب الحاكم، فيما سُمّي “تحالُف الأمَّة”، كما نشرت جريدة صحيفة الشَّرق الأوسط في 10 يونيو 2021م. وتستخدم الحملة الدّعائيَّة للإطاحة باردوغان ملف تردّي الحالة الاقتصاديَّة للبلاد وتراجُع قيمة العملة المحليَّة، إلى جانب ملف تحويل نظام الحُكم من نظام برلماني إلى نظام رئاسي عام 2018م بما أضرَّ بمصالح البلاد لتعزيز استحواذ اردوغان وحزبه على السُّلطة. غير أنَّ الحملة الدّعائيَّة للمعارضة استخدام ورقة ضغْط جديدة، وهي ادّعاء عزْم الحزب الحاكم على تنفيذ اغتيالات سياسيَّة للتَّخلُّص من رموز المعارضة، كما أشاع كليتشدار أوغلو في تغريدات له عبر حسابه على شبكة تويتر في أكتوبر الجاري.

يتبادر إلى الأذهان عند تناوُل مستقبل الحُكم في تركيا، وتحديدًا خلال الفترة التَّالية لعام 2023م، ما تردَّد عن نيَّة الرَّئيس رجب طيّب اردوغان عدم تمديد العمل بمعاهدة لوزان، عند اكتمال عامها المائة في 24 يوليو 2023م. ويُسجَّل لاردوغان أنَّه أوَّل زعيم تركي ينتقد معاهدة لوزان، حيث شكَّك عام 2016م في نزاهة تلك المعاهدة وفي صحَّة الحدود الَّتي وضعتها بين تركيا وباقي أراضي الإمبراطوريَّة العثمانيَّة البائدة. وتعريفًا بمعاهدة لوزان، فقد سُمّيت نسبةً إلى مدينة لوزان السّويسريَّة، حيث أُبرمت عام 1923م مع الدُّول المنتصرة في الحرب العالميَّة الأولى (1914-1919م)، وهي المملكة المتَّحدة (بريطانيا)، وإيرلندا، وفرنسا، وروسيا، وإيطاليا. ومقتضى تلك المعاهدة، مُزّقت الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، ورُسمت الحدود بين أقطار العالم الإسلامي، وفقدت دولة الخلافة الأخيرة سيطرتها على أراضي شمال إفريقيا، وشبه الجزيرة العربيَّة، والعراق، والشَّام، بما يشمل فلسطين، كما أُلغيت الخلافة الإسلاميَّة في 3 مارس 1924م، الموافق لـ 28 رجب 1342ه. ويعتبر البعض أنَّ ترويج وسائل إعلام تركيَّة لإمكانيَّة استعادة تركيا لأراضي الدَّولة العثمانيَّة بعد يوليو 2013م مجرَّد دعاية إعلاميَّة كاذبة ليس لها هدف إلَّا تبرير احتفاظ حزب اردوغان بالحُكم، إذا لا يوجد بند في المعاهدة ينصُّ على انتهاء العمل بها بعد 100 عام من تاريخ إبرامها، كما نشر موقع اندبندنت عربيَّة في 27 يوليو 2021م.

ومن المثير للانتباه أنَّ مساعي التَّخلُّص من نظام حزب العدالة والتَّنمية في تركيا تتزامن مع تكثيف محاولات الاحتلال الإسرائيلي تهويد المسجد الأقصى المبارك والاستحواذ على مساحة من أرضه لبناء الهيكل الثَّالث. وقد شهدت ساحات المسجد الأقصى في فترة الأعياد الدّينيَّة اليهوديَّة في سبتمبر الماضي اقتحامات غير مسبوقة، تعمَّد خلالها المستوطنون رفْع العلم الإسرائيلي والنَّفخ في البوق وارتداء ملابس دينيَّة الطَّابع. ويدخل في إطار حملة التَّهويد تلك إصدار إحدى المحاكم الإسرائيليَّة قرارًا يمنح اليهود الحقَّ فيما أُطلق عليه “الصَّلاة الصَّامتة” في المسجد الأقصى، وتبع ذلك إصدار قرارات لإبعاد عدد من رموز الدَّعوة الإسلاميَّة عن الأقصى، بحجَّة استخدامهم خطابًا تحريضيًّا يثير الفتنة، وعلى رأس هؤلاء الشَّيخ عكرمة صبري، خطيب الأقصى رئيس والهيئة الإسلاميَّة العليا، الَّذي أُبعد عن المسجد لفترة قد تصل إلى 6 أشهر، كما نشر موقع الجزيرة نت في 12 أكتوبر 2021م. وبحسب ما صرَّح به الشَّيخ الجليل، الملقَّب بـ “أمين المنبر” للجزيرة نت:

يريد الاحتلال أن يستبق الأحداث بالاعتقالات والاستدعاءات والإبعادات حتى لا تتطور الأمور إلى منحى آخر، وحتَّى لا تحدث معارَضة مؤثّرة على الاحتلال، وهذا أمر مبرمج ومخطَّط له لأنَّهم يتوقعون ردود فعل غاضبة، فهم يريدون من خلال هذه الإجراءات كمَّ الأفواه ودبَّ الرُّعب في صفوف المقدسيين حتَّى لا يعترضوا على القرار الأخير من خلال استهداف بعض الشَّخصيات.

وفي هذا السّياق نتساءل: هل من علاقة بين مخطَّط الإطاحة بحزب العدالة والتَّنمية وزعيمه ومساعي إحكام السَّيطرة الصهيونية على ثالث المساجد الَّتي يُشدُّ إليها الرّحال؟ وهل تكمن مساعي المعارضة التُّركيَّة للإطاحة بنظام أردوغان في الحيلولة دون عدم تجديد معاهدة لوزان؟ وهل ما سيُنقذ أردوغان وحزبه هو التَّخلُّص من معاهدة لوزان وتبعاتها الكارثيَّة على الأمَّة الإسلاميَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى