سياسة

الصراعات الخليجية وتأثيرها على المنطقة !

د. ياسين الحمد

أكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

دراسة تحليلية للصراعات  الخليجية وتأثيرها على ملفات المنطقة ،ومستقبلها وتأثيرها على  الثورة السورية ، وسيتم التركيز والمقارنة بين كل من قطر والإمارات، وسياساتهم في المنطقة . 

مقدمة : 
 يتضح بأن  قطر أكثر قدرة  لفهم مجرى التاريخ ودورها وحجمها في السياسة الإقليمية والدولية في مقابل تعرضت سياسات الإمارات؛  لعدد من النكسات بسبب عدم تبنيها استراتيجية واضحة حول ملفات المنطقة ، وإنما  اعتمدت على التكتيكات  المرحلية .
●- سياسات ومواقف البلدين في الملفات الإقليمية والدولية   
 يلاحظ  ما حققته قطر نجاحات عديدة ، بنفس الوقت تراجع  وانتكاسات  بسياسة الإمارات”، واضح إنه وبعد أربع سنوات من الحصار ، “انقلب الوضع تماما ، وشهدت منطقة الخليج إعادة توازن جيوسياسي كبير. واحتلت قطر مكانة جديدة بفضل قوة سياستها الخارجية التي تفوق بكثير حجمها الجغرافي الصغير، في حين أصبحت الإمارات في موقف دفاعي بعد أن تعرضت لعدة نكسات في مواضيع إقليمية مختلفة”.
 “يمكن تفسير هذا الوضع الجديد قبل كل شيء من خلال مقاربتها الإقليمية المتعارضة كليا، فقد طورت قطر سياسة خارجية مستقلة مستوحاة من نظرة استراتيجية على المدى الطويل حيث تراكم القوى الناعمة ولديها ذات تأثير عميق في ملفات المنطقة ، في حين طبقت الإمارات من جانبها تكتيكات قصيرة المدى ، تعتمد على التدخل الواسع في ملفات المنطقة عن طريق واستخدام القوة الخشنة العسكرية والمخابراتية في كل الملفات “.
1- واضح تماما  في الملف الأفغاني عنوانا لنجاح دبلوماسية قطر نظرا للدور الذي لعبته، يقال : “أصبح من غير الممكن تجاوز قطر في أي حوار مع طالبان، إذ قامت بتسهيل إقامة أكبر جسر جوية لإجلاء العديد من الأمريكيين والأفغان المتعاونين معهم والمعرضين للخطر، ووافقت إلى جانب تركيا على إدارة مطار كابول نيابة عن السلطة الجديدة. وهكذا، أصبحت العلاقات بين الغرب وطالبان ترتبط جزئيا بالدوحة”.
ولايستبعد أي متابع ، أن تستمر قطر في هذا الدور الدولي، وخاصة في العالم العربي إذ “يمكن أن تشكل فلسطين الانفتاح القادم بالنسبة لقطر ويسمح لها بتكرار نجاحها الأفغاني من خلال القيام بدور الوسيط بين حماس من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى”.
نعم  “قطر استثمرت في القوة الناعمة بعد الربيع العربي، وحافظت على مواقفها وسياساتها تجاة كافة ملفات المنطقة وثورات الربيع العربي  ، رغم الحصار والضغوط  ، في حين استثمرت الإمارات في القوة الصلبة، وتراكمت من الأخطاء الكثير وكان تيار مناهضة الثورة الذي يضم كذلك السعودية والبحرين ومصر”. ممكن الاشارة “تواطؤ الإمارات مع إدارة دونالد ترامب والقيام بتدخلات عسكرية في المنطقة بهدف توقيف أي تقدم ديمقراطي، كما روجت تقنيات جديدة مثل بيغاسوس لإسكات المعارضين و الأصوات المنتقدة في الخارج”.
ونلفت إلى أن هذه السياسات وتكتيكاتها  والتدخلات الاماراتية  أظهرت محدوديتها بوضوح، خاصة وأن استعراضات القوة لم تؤد إلا لتضخيم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
2- تؤكد الأوضاع الإنسانية الكارثية التي تتخبط فيها ليبيا وتدخلها العسكري الى جانب الجنرال حفتر وتراجع دورة وتأثيرة بالملف الليبي . 
3-   واضح الفشل الإماراتي في اليمن  عملت الإمارات على تقويض السلطة الشرعية، وبث الشقاق بين صفوف المجتمع اليمني، وسعت للسيطرة على الموانئ، ورغم ذلك فإنها أخفقت في وأد طموحات التغيير وطمس معالم الربيع في اليمن، وفي ضمان تمكين أدواتها المحلية في الجنوب من تمام السيطرة وفرض مشروع الانفصال، كما أخفقت في بناء أدوات تحوز رضا الشعب اليمني.
4- أما في تونس واضح دعم الإمارات ومصر لتقويض التوجه الديمقراطي ودعم  لقوى الثورة المضادة ، تمثل بدعم رئيسة الحزب الدستوري الحر النائبة والسياسية عبير موسى ، وتبنيها واحتكارها  شعار معارضة حكم  حركة النهضة ، مع العلم ان عبير موسى وحزبها  رفضوا بالأساس الثورة الشعبية التونسية التي أطاحت بالرئيس زين العابدين بن علي . 
رغم تأييد عبير موسى لخطوات الرئيس قيس سعيد في البداية ، ولكن النزعة الشعوبية  والانانية عند قيس سعيد وعبير موسى ، كان لا بد من الصدام بين قطاري الشعوبية والنزعة الفردية عند كلاهما ، ودخلت تونس في فوضى دستورية  بسبب تفرد  وسيطرة الرئيس قيس سعيد  على كافة السلطات في تونس ، وعادت الأمور والصراع  الى ما قبل 2011 ومرحلة التفرد والاستبداد .   
5- أما في سورية هذه الحصيلة الرديئة”.
تركز النشاط الإماراتي في دعم المعارضة السورية في الجنوب، وهي الجبهة التي شهدت التطورات الأغرب في الحرب السورية.
كانت معظم فصائل الجنوب السوري ممولة إماراتياً وسعودياً بشكل شبه كامل، وتخضع لإشراف مخابرات اردني مباشر، تولى مهمة تحريك الفصائل وضبط إيقاع عملياتها وبما يتناسب مع الدور المطلوب منها.
 وبالفعل توقفت عن خوض أي معركة ضد نظام الأسد بشكل كامل بعد اجتماع موسكو الرباعي الذي ضم كلاً من (روسيا – مصر – الأردن – الإمارات) وعقد في شهر أغسطس/آب عام 2015، لتلتحق السعودية بالمحور الجديد بعد زيارة ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان إلى موسكو.
لعب الإماراتيون دوراً خفياً في اقتحام الروس والأسد لمعقل الثورة السورية.
إذ شهدت المنطقة انهياراً كاملاً وسريعاً لفصائل مهد الثورة، خاصة القسم الشرقي من المحافظة.
وبدات عملية الانهيار وتسليم درعا لروسيا وميليشيا الأسد دون قتال في المنطقة الشرقية .
قوى الثورة  وحلفاء   الإمارات ومجال عملية “الموك” لم يقتصر على شرق حوران، بل تعداها للقسم الغربي، حيث جند عدداً من الفصائل، خاصة تلك الموجودة في القرى التي أنجبت “حركة المثنى” كـ بلدة “إنخل” وذلك منعا لظهور فصائل جديدة قد تعرقل عملية تسليم المنطقة للنظام.
الأسد أضعف من أن يقتحم الجنوب السوري وحده
 أواخر سبتمبر/أيلول 2015، بدأت روسيا تدخلها المباشر في سوريا، وبدا واضحاً تأثير اجتماع موسكو على فصائل الجنوب التي صمتت جبهاتها، بل وقامت بتسليم مدينة “الشيخ مسكين” وما حولها وصولاً إلى بلدة “عتمان” على مشارف مدينة درعا، حدث هذا بعد سلسلة اغتيالات مدبرة نفذت وألصقت تهمتها بفصائل ذات توجه إسلامي مثل “حركة المثنى” و “لواء شهداء اليرموك” الرافضين الانضمام لغرفة الموك، فتمت دعشنتهما ( أي اتهامهما بأنهما تابعان لداعش) واتخاذ الأمر حجة لعدم الدفاع عن مدينة “الشيخ مسكين” التي سقطت بعد أن تم استنزاف المدافعين عنها وهم قلة. 
الأسد يعتمد على الدعم السوري/رويترز
 بعد سلسلة اجتماعات قيل إنها مفاوضات فاشلة بين الروس وممثلين عن كبريات فصائل المعارضة في درعا، أعلنت بعض الفصائل عن توصلها لاتفاق مع الروس لتسليم ما يسيطر عليه من أرض، حيث قضى الاتفاق بتسليم منطقة شرق حوران إضافة للسلاح الثقيل والمتوسط، مقابل تعهد الجانب الروسي بعدم دخول ميليشيا أسد للمناطق التي اتفق على تسليمها، لكن عملياً كانت ميليشيات أسد أضعف من أن تفرض سيطرتها على هذه المناطق عدا عن تأمينها، حسب تقرير لموقع “الجزيرة”.
 فلقد كانت الرسائل الواردة من درعا ونتيجة للتصدي بعض الفصائل لميليشيات أسد، تفيد بأنه عاجز عن إحراز أي تقدم، وأن قتلاه وجرحاه بالعشرات، لكن ومع ذلك نجحت قواته بالوصول إلى معبر نصيب بعد تفريغ المنطقة من الفصائل العاملة فيها وفتح الطريق الحربي المحاذي للحدود مع الأردن والواصل بين السويداء ومعبر نصيب، ليعلن أسد سيطرته على المعبر الحدودي، ليعلن الأردن عن ترحيبه وسروره بالحدث الهام.
تصفية قيادات الثورة
إضافة إلى المساعدة في استيلاء الأسد على الجنوب السوري، لعبت الإمارات دوراً في مساعدته على التخلص من قيادات معارضة عديدة.
فقد نسقت الإمارات مع دمشق لمساعدة جيش الأسد لقتل بعض قادة الجماعات المناهضة للنظام في الفترة بين عاميّ 2012 و2014 وفقاً لتقارير إعلامية تركية.
ومن هؤلاء زهران علوش وحسان عبود وأبو خالد السوري، وعبدالقادر صالح. وفضلاً عن ذلك، طوال الحرب  السورية، لم يكن سراً أن الإماراتيين تركوا أبوابهم مفتوحة لرجال الأعمال السوريين الأثرياء المرتبطين بالنظام وأفراد عائلة الأسد وكانت مركز لغسيل الأموال عبر بنوكها .
وبحلول عام 2018، كانت الإمارات تسعى إلى تقارب علني مع النظام السوري بعدما كان يفترض أنها تدعم المعارضة، وأعادت فتح سفارتها في دمشق في ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام. 
وانتهى الأمر بأبوظبي من حليف مفترض للمعارضة السورية، إلى المحرض الأول للنظام للقضاء على  آخر معاقلها في إدلب، إضافة إلى تخليها عن السعودية في حرب اليمن وعلاقتها المتنامية مع طهران، لتبدو الإمارات وكأنها تساعد طهران على بناء إمبراطوريتها في المنطقة، أو أنها عضو خفي بالمحور الإيراني في المنطقة.
ويتضح أن  الإماراتيين وجدوا أنفسهم، “مقيدي الأيدي والأرجل في فلسطين خلال حرب غزة في 2021. بدعمهم الحماسي لصفقة القرن تحت إدارة ترامب منعهم من الانخراط أكثر مع الفلسطينيين على الأرض ، وسببت مخاوف و شرخ بالعلاقات مع المملكة الاردنية  “.
6- تظهر  أخطاء الإمارات بشكل واضح   إلى طريقة التعامل مع السعودية، “فهذه الأخيرة وجدت نفسها تتحمل فاتورة مغامرات الإمارات في الثورة المضادة بل وحتى التطبيع مع إسرائيل، حيث لم تأخذ أبو ظبي بعين الاعتبار وضعية السعودية الداخلية علاوة على الاختلاف حول إنتاج النفط وحقول النفط ، مما دفع الرياض إلى تقليص صامت لنوعية العلاقات بل وحتى سحب الشركات من الإمارات”.
7- بالإضافة لذلك الخلافات التي بدات تظهر داخل الأسر الحاكمة ، وتباين المواقف  من مختلف القضايا المطروحة  في الإمارات بين  صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد بن صقر القاسمي حاكم إمارة الشارقة، ، عضو المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة. واخيرا الخلافات بين الشيخ محمد بن راشد بن سعيد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي وزير الدفاع في دولة الإمارات العربية المتحدة. 
المتوقع “استمرار الصراع بين البلدين مع آفاق جديدة جيوستراتيجية في عالم متعدد الأطراف يتبلور تدريجيا ومن قياداته الجديدة الصين”، وقال: “باختصار تدخل دولتان خليجيتان صغيرتان بطموحاته الهائلة حقبة جديدة من التنافس الجيوسياسي. ويصعب إلى حد الآن التنبؤ بنتائج هذه المواجهة”.
السؤال الكبير المطروح هل سيبقى اتحاد الإمارات العربية المتحدة دولة موحدة خلال السنوات القادمة ؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى