مقالات

عندما يجعل الحوثيون من الخمر ماء زمزم!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

من المعلوم أن العاطفة الجياشة من خصائص الشعوب الشرقية، ويتميز اليمني خاصة بفوران العاطفة في تكوينه بصورة تعمي عيني عقله عن رؤية الحقائق كما هي، وقد عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بعظمته هذه الصفة في اليمنيين حينما قال لصحابته: “جاءكم أهل اليمن هم أرقّ قلوبا وأليَن أفئدة…”. ولا شك بأن العاطفية سلاح ذو حدين.
وقد استثمر الحوثيون العواطف الدينية الممزوجة بأمية عميقة ذات أبعاد فكرية وسياسية بل وأبجدية عند عدد كبير من اليمنيين، فروّجوا لضلالاتهم تحت عناوين قرآنية برّاقة، ابتداء من اسم (المسيرة القرآنية) ووصولا إلى اسم الجماعة (أنصار الله) وما بينهما من أكاذيب مزينة تم نصبها للجهلة ككمائن لاصطياد قلوبهم وتشويش عقولهم، وسوّقوا أطماعهم تحت لافتة محمد صلى الله عليه وسلم التي رددوها بألسنتهم بينما ملؤوا قلوبهم بالأطماع، وجعلوا من عقولهم مخازن للمغالطات، ولم تتوقف أقدامهم عن السعي إلى المحرمات وانتهاك الحرمات، وامتدت أيديهم إلى حقوق الناس، ومن لم يتم إغواءه بالشعارات المزخرفة تم إرهابه بالأسلحة الفتاكة!

وكمثال على ذلك نجدهم يجعلون من ربيع الأول ربيعا لجيوبهم، إذ يرفعون في موسم الاحتفال بالمولد النبوي شعار الحب لمحمد ويدعون بكثافة إلى الاحتفال بمولده، جاعلين من هذه اللافتة أداة لإخفاء الموبقات العديدة التي يقترفونها في حق المواطنين، وفي صدارتها استخلاص مليارات الريالات من جيوب المستضعفين الذين ضاق الوطن بهم رغم رحابته بعد انقلاب الحوثيين على الدولة اليمنية والنظام الجمهوري، ودخل أكثر من ٨٠% منهم تحت خط الفقر وأغلبهم مهددون بالموت جوعا، حتى أن الأمم المتحدة أطلقت على هذه الكارثة (مأساة القرن) على مستوى البشرية كلها، ودون أن تحدد المسؤول عن هذه المأساة فضلا عن وقوفها ضده!

لقد أساء الحوثيون إلى شخصية النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الفظائع التي ترتكب باسمه وبحجة الاحتفاء بمولده وتجديد الولاء لآل بيته، أشد مما يفعلون بمناسبات أخرى كاستشهاد بعض الأئمة الذين يزعمون الانتماء إليهم وعلى رأسهم الحسين وزيد بن علي، فالجبابات في هذه المناسبات أقل وعملية حشر الفقراء والمساكين كالدواب من كل المحافظات بسطوة الحديد والنار أخف، وكأن الغرض هو استثمار العناوين فقط في توطيد سلطاتهم، ونشر شذوذهم الفكري والسياسي، وتزيين فسادهم المالي الذي يتم من خلال جباية أموال اليمنيين إلى خزائنهم، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم أكبر من الأئمة وأحب لدى الناس فإن الجبايات أكبر والمظالم أفدح في عيد مولده، لدرجة تحول فيها ما يُفترض أنه عيد إلى سلسلة من المآتم عند كثير من الفقراء الذين انتزعت اللقمة من أفواههم، ولم يتردد المشرفون الحوثيون عن تسويد حياة الناس من أجل تخضير المباني وتبييض وجوههم عند مسؤوليهم!

لقد أجاد الحوثيون تحويل الأشجان الروحية والعواطف الدينية إلى شيكات مفتوحة وخزائن متخمة بالأموال؛ فقد اقتبسوا طرائق الشيعة الاثني عشرية في استخلاص أموال الناس بالباطل، بطرق شيطانية جعلت بعض الضحايا يشعرون وكأنهم أدوا واجبا مقدسا سيأجرهم الله عليه بدون حساب.
وهنا أتساءل: هل لو أن شخصا ملأ قارورة بخمرة وكتب عليها ماء زمزم، هل تستحيل هذه الخمرة إلى زمزم بالفعل؟ وهل يصبح شربها حلالا؟! وهل تتغير خصائصها من الإسكار إلى النفع المتعدد الأغراض؟!

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هذا مقال تعبت في إعداده و لم يتم نشره ، فأرجو المعذرة لأنني أنشره هنا على اعتباره تعليقاً غير مباشر على مقال الاستاذ الدكتور فؤاد حفظه الله ، بالنظر لوجود معلومات هامة فيه عن اليمن العزيز و عن غيره جمعتها عبر السنين :
    عندما بدأ الحوثيون يتحركون في صعدة و ثورة شعب اليمن في أوج تألقها ، طلبت من أخوة “سعوديين” أن يتواصلوا مع المتحكمين فيهم و ينذروهم بخطر داهم على بلاد الحرمين و حين تقدم الحوثيون إلى تخوم صنعاء كرَرت الطلب بإلحاح و لم يحدث أي شيء حتى اجتاح هؤلاء مدينة صنعاء . سقوط العاصمة ثم ميناء الحديدة يعني أن اليمن كان مقبلاً على ترتيب آخر و كذلك الأمر بالنسبة لبلاد الحرمين . (هذا الرأي مستمد من فكرة سياسية و هي أن ما يحصل تدبيره في بلد قد يكون القصد الأساسي منه البلد المجاور ، كما قال نجم الدين أربكان – رحمه الله – من قبل رابطاً نشوب أحداث في سوريا مستقبلاً باستهداف تركيا أساساً ) .
    في نهاية سنة 2013 ، صار واضحاً عندي أن أمريكا هي الداعم الأكبر للحوثيين و أن لديها أدوات على طرفي المعادلة (أي كانت تمسك خيوط اللعبة) بما يمكنها من تحقيق ما تريد من مخططات جهنمية .
    لقد خدم الجنرال ضياء الحق في باكستان الأمريكان ثم قال قولته المشهورة عن من يعمل لأمريكا بأنه ” مثل العامل في منجم فحم لا يناله في النهاية سوى سواد الوجه و الكفين” و بعدها قتلوه في “سقوط” الطائرة . لم يكن صدام مؤذياً لأمريكا بل خدم مصالحها و عرض عليها مرَة أن تكون رقم واحد في استغلال بترول العراق ، مع ذلك شنَع عليه الأمريكان و اتهموه تهماً غير صحيحة ثم أعدموه على يد أتباع الدين الفارسي الشيعي و هم يهتفون “مقتدى مقتدى “. ما كان علي عبد الله صالح العفاش ضد أمريكا بل خادماً لها و أودع غالبية المليارات التي نهبها فيها ، و مع ذلك قتله أتباع الدين الفارسي الشيعي من الحوثيين.
    كان حسني مبارك كثير الكذب و لكنه صدق في قول واحد “المتغطي بالأمريكان عريان ” . مع أن المليارات التي نهبها انتهت في أمريكا ، لكنها خلعته لتعطي التحكم لهذا الموجود حالياً بعد لعبة مجلسها العسكري لمدة سنة مع جماعة لا تكاد تفقه في السياسة شيئاً … كان الهدف هذا الموجود و ليس غيره .
    أتوقع – كرجل كبير في السن – أن هنالك عائلات ملكية ستتم إزالتها عن طريق أتباع الدين الفارسي الشيعي و لن تذرف أمريكا على هؤلاء دمعة واحدة ، و لقد تمً حصار هذه الممالك و الامارات من أولئك الأتباع . سأقول تلميحاً “كما يجري تكريد نفط سوريا و فرسنة نفط العراق ، ستكون إزالة لتعريب نفط و ثروات غيرها ” . من يعرف الأمريكان بعمق ، يدرك أنهم ليسو فقط ضد المسلمين بل ضد أي عربي سواء كان مسلم أو مسيحي أو درزي أو شيعي أو سمعولي … كم مرَة حارب هؤلاء الحاقدون اللغة العربية ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى