مقالات

لماذا نحن مشتتون ؟

د. محمود سليمان

أكاديمي سوري، دكتوراة في القانون الدستوري.
عرض مقالات الكاتب

الثورة سلوك ومبادئ قبل أن تكون شعارات للاستهلاك ، وفرصة لتبييض الوجوه ، والأموال ، أو لنقل غسيل ماض غير مشرّف ..

قامت الثورة السورية ، كأي ثورة شعبية تصل فيها مرحلة الانفجار وتحتاج لمفجّر أو مسبب ، نتيجة تراكمات طويلة من الاستبداد والفساد والحكم الطائفي وسرقة الثروات وتدمير الإنساني السوري ، وهذا يعني أن الثورة هنا تعنى بإعادة بناء المجتمع والدولة معًا ، ولا حل لذلك إلا بإسقاط النظام الطائفي وبناء دولة العدل والمواطنة .

لكن ثمة عقبات اصطدمت بها الثورة السورية لا تقل سوءًا عن النظام الذي استخدم القوة المفرطة واستعان بالغزاة ، وأفاد من حمايته للصهاينة للتغطية على جرائمه ، ألا وهي مشكلة التشتت وغياب الرأس والقيادة ..

مشكلتنا الحقيقة في تشتيت الجهود والخلافات والاختلافات بين السوريين الثوار والمعارضين ليس عدم الاتفاق على أهداف الثورة ،حيث الجميع متفق على التخلص من العصابة الأسدية الحاكمة وبناء دولة القانون والمواطنة الحقة، وإنما المشكلة بالمرجعيات الفكرية الايديولوجية التي تؤمن بيها كل مجموعة وتحاول فرضها على الأخرين وبشكل مسبق وقبل انتصار الثورة والبعض من خلال الاستقواء بالأجنبي

مجموعة مشكلات عمّقت ومازالت في الجرح السوري ، وأخرّت النصر ، بل بات سؤال الكثيرين ، هل ثرنا لأجل امتيازات وخيالات وتخريب بنية الدولة ؟ هل ثرنا ضد قيمنا وأخلاقنا ؟

والجواب الأهم : متى حكمت الأغلبية حتى نسارع لتفضيل الأقلية ؟ ومن تحمّل ومازال تبعات الثورة ؟ وكذلك من صاحب المصلحة بتشتيت الرأي العام ؟

لقد حوّل بعضهم الثورة إلى تصفية حسابات ، وإلى وضع تصورا لدولة لا وجود لها في أرض الواقع ، بل إلى طرح مبادئ فوق دستورية ، بل ذهب آخرون إلى أن الثورة حتى تنجح علينا بصناعة إسلام جديد !

فما عسانا فاعلين ؟  

لنكن صرحاء مع أنفسنا أنّ ثمة أهدافًا قامت لأجلها الثورة ، وأولها إسقاط النظام المستبد ومن ثم يختار الشعب ما يريد ، وربما تخنصر بكلمات :

 علينا العمل على تحقيق الأهداف الرئيسة التي قامت من أجلها الثورة أولاً، ومن ثم ترك الشعب السوري في اختيار نظام حكمه ومؤسساته من خلال معايير الديمقراطية وبالطرق السلمية من وتنافس الأحزاب والتجمعات؛ وليس فرض مبادئ كما سميت فوق دستورية تفرض على الشعب وتصادر إرادته بخاصة وأن من يحاول صياغتها بظل عدم استقرار سورية ؛وقبل إسقاط العصابة الأسدية بعيدًا كل البعد عن المساهمة بثورة الشعب السوري وتضحياته، هذا السلوك يطيل من معاناة السوريين ويعطي الذرائع لكل أعداء الثورة للالتفاف على مطالب الثورة الحقيقية ،ومصادرة حق الأغلبية (الأغلبية السياسية)وليس الاغلبية القومية أو الدينية أو الطائفية في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي وجميع مؤسساته.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. حين اشتد على الناس البلاء عند تجمع حشود الباطل حول المدينة المنورة في غزوة الخندق، عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على قائدي قبيلة غطفان الكبيرة إعطاءها ثلث ثمار المدينة مقابل مغادرة جيشها تلك الحشود ، فوافقا على العرض و أرادا كتابة عقد بذلك ، لكن قبل الإتمام كان لا بدَ من مشاورة زعيمي الأنصار ” سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما” ، فذكر النبي العرض لهما ، فقالا له : يا رسول الله ، أمراً نحبه فنصنعه ، أم شيئاً أمرك الله به لا بدَ لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ؟ قال من وصفه الله بأنه بالمؤمنين رءوف رحيم (( بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما)). فرفض الزعيمان العرض و قالا كلاماً جميلاً انتهى بقسم ((والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم)). ثم إن حشود الباطل انهزمت شرَ هزيمة و حصل الفرج بعد الشدة و اليسر بعد العسر كما في قانون العدل الإلهي الذي وعد عباده المؤمنين الصادقين بالنصر و التمكين .
    هذه القصة يشبهها واقع سوريا الحالي بشكل خاص و واقع العرب و المسلمين بشكل عام . منذ سبعينات القرن الماضي ، بدأت حملة هجوم شرس على أمتنا تحت قيادة فرعون عصرنا هذا و رأينا حشود الباطل المكونة من عشرات الجيوش تتقاطر في كل غزوة يشنها الفرعون على بلاد المسلمين لاحتلالها . حين انطلقت ثورة شعب سوريا المباركة حصل زلزال في بلد الفرعون استدعى أن ينعقد مجلس الأمن القومي بشكل مفتوح و دائم على مدار الساعة يومياً ” هو خبر جلبته صحافة غربية استقصائية من هناك ثم أزيل بسرعة من كافة مواقع الانترنت” . كان معنى ذلك أنه خلال نصف قرن تقريباً ، كانت جهود الفرعون تتركز على بلاد العرب و المسلمين بنسبة 95 % من دون مبالغة ,وأن 95% من تلك الجهود تركزت على سوريا بعد ثورتها بدون مبالغة أيضاً . لقد رمانا الفرعون بأدواته و أذنابه عن قوس واحدة ، و تكالبت حثالاته و خنازيره علينا من كل جانب . هذه هي الشدة و هذا هو العسر خلال العشر سنوات الأخيرة بشكل خاص . ما هو الحاصل حالياً ؟
    اكتشف الفرعون أنه كان حماراً بتركيزه على أمتنا مع نسيانه بقية العالم لأن ذلك سمح بصعود قوي علني و سرَي لقوى كثيرة في بقاع متفرقة خارج أوطاننا وهذه القوى يمكن أن تتجمع لتطيح بالفرعون عن عرش العالم في أية لحظة . حين يزول هذا الفرعون الحمار من المشهد السياسي ، ستذوق شعوبنا المظلومة المقهورة حلاوة الفرج بعد الشدة و اليسر بعد العسر و سيتوجب عليها أن تحمده سبحانه و تعالى و تشكره حيث أن الغباء لدى أعداء الله هو أحد جنود الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى