ثقافة وأدب

إقرأ تفرح… جرب تحزن

معاذ عبدالرحمن الدرويش

كاتب و مدون سوري
عرض مقالات الكاتب


“إقرأ تفرح جرب تحزن” لم تكن تمر علينا محاضرة و احدة إلا و يذكرنا بهذه الحكمة الرائعة الدكتور أحمد العلوظي (رحمه الله) و الذي كان يدرسنا في الجامعة.
في إشارة من الدكتور لنا أنك لو قرأت و تصفحت أي مادة في دراستك، ستجد أنها سهلة و حلوة و ستفرح بذلك، لكن في حال وضعت كتابك جانباً و حاولت أن تحل مسالة أو تكتب موضوعاً ستظهر أمامك العديد من العقبات و الأمور التي يصعب عليك حلها، و هذا ما سيحول فرحك إلى حزن.
ما كان يقصده الدكتور أن فرح القراءة فرح مخادع لأنه فرح مؤقت يعقبه حزن و ألم طويل،إذا لم يلحقه تجربة، و سيؤدي إلى فشل و رسوب في الإمتحان.
بينما قد يكون للتجربة حزن و معاناة ، لكن سيعقبه نجاح و عطاء و فرح.
هذا فيما يتعلق بالدراسة و نجاحك كطالب، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالحياة نفسها؟.
القراءة بحد ذاتها ليست أمراً سهلاً، و تعتبر مرحلة متقدمة سواء على صعيد الفرد أو المجتمع ، فالمجتمعات التي تقرأ هي مجتمعات متقدمة على المجتمعات التي لا تقرأ، و الأمر نفسه ينطبق على الفرد.
أما مجتمعات التجربة فهي المجتمعات الرائدة في العالم، و هي التي تقود العالم .
أما شعوبنا العربية فهي شعوب لا تقرأ و لا تجرب مع الأسف، و حسب الإحصائيات العالمية تقبع الدول العربية قي ذيل الأمم في عدد ساعات القراءة، و عدد الكتب التي يقرأها المواطن العربي في السنة.
هذا عن القراءة ، أما من حيث التجربة فبدون أي شك فإن الشعوب العربية اليوم لا تعرف شيئاً عن علم التجريب، و من أجل ذلك تتصدر الشعوب العربية القائمة العالمية كشعوب مستهلكة و مستوردة، طبعا هنا ليست تجربة حل مسألة أو كتابة موضوع، و إنما تجربة تحويل القوانين و النظريات إلى أداوت و مصانع و تقنيات.
المصيبة الكبرى التي ظهرت ، اليوم و مع إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي ظهور الكثيرين من المنظرين و الدعاة أصحاب المشورة و الحل، جميل أن تكون صاحب رؤية و منظراً لكن ما هي تجربتك حتى وصلت إلى هذا المنبر.
“إقرأ تفرح جرب تحزن”
الأمر نفسه ينعكس على ثورتنا ،و ما أكثر المنظرين و ما أندر المجربين.
لا أحد عاجز عن تقديم أحلام وردية كبيرة و مشاريع عظيمة لكل الناس، لكن حاول أن تزرع زهرة واحدة في فسحة منزلك، ستجد كم من الجهد و الوقت و الرعاية و الخبرة، تحتاج حتى تنمو و تكبر تلك الزهرة، و ربما لو أهملتها ليوم واحد أو إرتكبت خطأ ما ، ستجدها ذوت أو ماتت.
هذا مثال بسيط لكي تزرع زهرة فما بالك إذا كنت تحلم بحياة أمة تحيط بها الأعداء من كل جانب.
كانت شعوب العالم الثالث تحتج بعدم قراءة الكتب لإنشغالها بتأمين لقمة العيش و ضيق الوقت، و لعله يكون سبب مقنع إلى حد ما، لكن لا أدري من أين ظهرت كل هذه المساحات الشاسعة من الوقت بعد ظهور الهواتف الحديثة و وسائل التواصل الإجتماعي؟!.
و بالنسبة للقراءة التي نحصل عليها اليوم من خلال وسائل التواصل الإجتماعي ، لا تندرج تحت بند القراءة، و إنما معظمها تحت بند مضيعة الوقت، فجل ما نقرأه غث لا يسمن و لا يغني من جوع، لا بل الكثير منه مسيء و مخرب للعقول و للأجيال.
أما القراءة ذات النفع فتلك موجودة في بطون الكتب.
“إقرأ تفرح جرب تحزن” ، للقراءة لذتها و نكهتها، و للتجربة معاناتها
لكن للنجاح طعم و نكهة لا ينسيان أبداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى