مقالات

تسفيه الأمة بأثر رجعي!

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

مع أن الحضارة الغربية المعاصرة أقامت بنيانها على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية قبلها ولم تبدأ من الصفر، كما بنى المسلمون حضارتهم على ما أنجزته الحضارات التي سبقتهم، غير أنه ينبغي الاعتراف بأن الحضارة المعاصرة قد بلغت شأوا بعيدا في التطور الذي غيّر حياة الناس بصورة مدهشة وبشكل شبه كلي.
وينبغي أن ندرك بأن أعدادا كثيرة من شباب المسلمين قد أصيبت بصدمة الذهول من ذلك التقدم المادي الهائل الذي حققته هذه الحضارة، بالمقارنة مع التخلف المريع الذي تقبع فيه أغلب مجتمعات المسلمين في عصرنا الراهن!

وقد زرعت هذه الصدمة في روعهم عقدة نقص مستحكمة، مشعرة إياهم بالضحالة والحقارة والتفاهة أمام الغربيين، وأسلمتهم هذه العقدة إلى نمط من التفكير العدمي الذي يستعذب جلد أمته في كل حال، وكأن العرب متخلفون بالفطرة أو أن جينات التخلف تجري في طبائعهم وتركيبات عقولهم لا في أزماتهم النفسية وطرائق تفكير عقولهم!
وقد نلمس في كلام بعض هؤلاء كأن تعاليم الإسلام وصفة مثالية للتخلف الحضاري، ولا يكادون يتوقفون عن التنكر لكل جميل في واقعنا، ولا يزالون يتجاهلون أي خير يتخلل حياتنا وينبع من ثقافتنا!

ووصل الحال ببعض مرضى عقدة النقص، إلى حد تسفيه العرب والمسلمين جميعا بأثر رجعي، من خلال غمط منجزات المسلمين في ميادين العلوم والفنون والآداب والشرائع والنظم والقيم الحضارية الراقية؛ إذ ينكرون ما هو معلوم من حقائق التاريخ بالضرورة، وما اعترف به العدو قبل الصديق ممن يقرؤون التاريخ من مصادره الموثقة والموثوقة، ويقومون بتفسير نقاط القوة في حضارتنا بأمور تُعمق عقدة النقص وتضخم مركب الدونية وتوسع دائرة التسفيه، مثل زعمهم أن نقاط القوة التي لا يستطيعون إنكارها في حضارتنا إنما كانت منسوخة من الحضارة اليونانية !

والغريب أن هذا الجحود ينبع من شباب ينتمون لأمة تنهى تعاليمها المقدسة عن بخس الناس أشياءهم، ولو كانوا خصوما منافسين وأعداء مقاتلين، لكن عقدة النقص الشديدة التي سكنت عقولهم وقلوبهم أوصلتهم إلى هذا الحد من بخس النفس وتسفيه الذات؛ مما يلقي بالمسؤولية الكبرى على حراس الوعي والمرابطين في ثغور الفكر والثقافة، حتى يقوموا بدورهم في هزيمة الهزيمة النفسية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى