مقالات

بناء الإنسان أعظم من أي بنيان

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

يمكننا بناء مليار عمارة، ويمكن لإنسان واحد أن يهدمها. يمكننا بناء كيانات كثيرة ويمكن لإنسان واحد أن يحطمها.
يمكننا هدم مدن وممالك، ويمكن لإنسان واحد أن يبنيها ويعمرها أو يكون سببا في ذلك.
الدرس الذي علينا معرفته: (إن بناء الإنسان أعظم بمليار من أي بنيان). حُكي أن إحدى المعلمات كانت تتجنب أن تقول للطالب (إجابة خاطئة) وتستبدلها بقولها (لقد اقتربت من الجواب). الأروع من هذه أن معلماً كان يقول (الإجابة صحيحة لكن ليس على هذا السؤال).
عندما يستقبلك موظف بابتسامة أو ترحيب أو كلمات رقيقة أو ثناء حتى لو قال لك : (كنت أرجو مساعدتك، ولكن معاملتك في مكان آخر) ستسري إيجابيته فيك، ستظل طوال نهارك مسروراً سعيداً ممتناً له، تنقل إيجابيته إلى الآخرين.
عندما تتلقى تقديراً من مديرك، أو رئيسك في العمل، أو حتى زميلك في الوظيفة، أو أي أحد، تشعر أنك موجود، أنك محط اهتمام، أنك عنصر فاعل. ترغب في تكرار العمل، ترغب بتسجيل الانتصار تلو الانتصار ترغب بإثارة رأي الآخرين، ترغب بمعاودة الثناء، ترغب بنشر الخير وتتعامل بنفس الطريقة مع غيرك.

كم وكم أعجبني أحد الأصدقاء لديه موظف وقد أخطأ فاستقبله بابتسامة وقال له بكل بساطة: (كان يمكن فعلها بطريقة أخرى ) وشرح له ذلك دون أي نظرة غير مرغوبة، دون عتاب، دون شجب، دون استنكار.
كم وكم أثارت أشجاني قصة ذاك المسؤول وعضو المجلس النيابي الذي كان يوم كان طفلاً فاشلاً دراسياً، وسميناً، وبليداً، ودون أقرانه في كل شيء، بسبب تعليقات الطلاب الساخرة، وكان أكثر درس يكرهه درس الرياضة، ألزمه المدرس أن يتسابق مع زميليه ولم يدرِ الطفل كيف سبقهما وأتى بالمنديل، بما يشبه المعجزة بالنسبة له، وصفق له الطلبة وابتهج بنصره الجميع، كان يوما مشهوداً، غيَّر مجرى حياته وتحول بعدها من كسول لنشيط، ومن بليد لمتحرك، ومن متشائم لمتفائل، لحظة غيرت مجرى حياته وتفكيره ونظرته للأمور وسجل بعدها الانتصار تلو الانتصار، وتدرَّب ونمى مهاراته، ودخل الجامعة وتخرج منها، وأكمل دراسته العليا، واشتغل بعدها بالسياسة والتجارة، وتبوأ أعلى المناصب، وكان أن التقى بأستاذه وهو يتهادى على عكازه، فسلم عليه وقبل يده، وحكى له القصة. فنظر إليه الأستاذ وقال نعم تذكرتك، أما وقد مضى ذاك الزمان فأذكر أيضا أنني اتفقت مع زميليك أن يقِّصرا قليلاً حتى تفوز بالسباق وتنتشي بنشوة النصر، وقد كنت رأيت في عينيك يأساً وإحباطاً وحزناً لا يتناسب مع ما أنت فيه من سن.

نفوس أناس تعلمت فنون جبر الخواطر، وبناء العظماء، ونشر الروح الإيجابية. نفوس تعودت على البناء لا الهدم.
لا مكان لتحطيم المعنويات، لا مكان لكسر خاطر الآخرين، لا مكان لهدم الإنسان، لا مكان إلا للبناء المعنوي.
رسالة لكل أب، أم، معلم، متعلم، موظف، صانع، مدير، بائع. لكل راع أينما وجد حوله من أوساط اجتماعية. لكل مسلم ومسلمة يريد أن يبني أمة ويصنع جيلا ويعالج مشكلات المجتمع.
رسالة للذين ينحتون الإسلام من الصخر، لمن ينشرون اليأس ولا يعرفون إلا التحطيم، والتعنيف، والتشكيك، والطعن، والشتم، والهدم، والاتهام، والإحباط.
إن معلم البشرية رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- علَّمنا ذلك قبل أن توجد كليات الاجتماع والتربية والتعليم. قبل أن يعرف علم النفس ماهي النفس، قبل أن تأتي الفلسفات بسفسطائياتها الكونية. علَّمنا أن (تبسمك بوجه أخيك صدقة)، علَّمنا أن (نقول للناس حسناً)، علمنا أن (نلقي السلام على من عرفنا ومن لا نعرف)، علَّمنا أن من الصدقات (أن تلقى أخاك بوجه طلق).
روى أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَدَمتُ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- عَشرَ سِنينَ، فما أمَرَني بأمرٍ فتوانيتُ عنه أو ضيَّعتُه، فلامَني، فإنْ لامني أحدٌ مِن أهل بيتِه إلَّا قال: دعُوه، فلو قُدِّرَ -أو قال: لو قُضِيَ- أن يكونَ كان). وقال: (فخدمتُه في السفر والحضر، ما قال لي لشيء صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشيء لم أصنَعْهُ لِمَ لَمْ تَصْنَعْ ذلك). انشروا الخير، تحدثوا بإيجابية، حققوا الرضا في نفوس من حولكم.
هل سمعتم بالرضا الوظيفي؟ الرضا الزوجي، الرضا الخدمي، الرضا الأكاديمي، الرضا التعليمي، الرضا المجتمعي؟
لا مكان لأي رضا بغير أن تكون هناك نفوس تعلمت كيف تنشر الإيجابية، وتُعزز الروح المعنوية، وترفع مستوى السعادة والحب. هي إذاً ثلاث خلاصات يجب أن تكون راسخة في الأذهان ماثلة كالعيان ثابتة البنيان:

  1. النقد قد يصلح لبعض الحالات إن كان الهدف منه البناء، لكن الثناء وبث روح الإيجابية والتفاؤل يصلح لأكثر تلك الحالات.
  2. تصلح الكلمة الإيجابية وتُغير، والسلبية لا تزيد السيء إلا سوءاً.
  3. يمكننا أن ندرك بالرفق أضعاف ما يمكن أن ندركه بالشدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى