مقالات

انحسار القادة والمفكرين!

حسام نجار

كاتب صحفي ومحلل سياسي
عرض مقالات الكاتب

عمت التكنولوجيا أرجاء الكون فقضت بذلك على الكثير من عادات وأساليب الحياة، واستطاعت خلال فترة وجيزة أن تجعل الناس أفراداً وجماعات يديرون ظهورهم للفكر المكتوب والكتاب برمته، فمضى الجميع يبحثون عن ضالتهم في رحاب الشبكات العنكبوتية، كما أصبح الفكر محصوراً في طرح ما لديه داخل هذه الشبكات، بل أن العصر الحديث، قلّ معه عدد المفكرين والباحثين بنسبة لا بأس بها عن السنوات السابقة، وأصبح جل التفكير بالبحث داخل الشبكة عن أجوبة لما يريدون دون الوصول للفكر الذي أوصلنا لهذه الأجوبة.

فالمفكر هو ذلك الشخص الذي يستخدم الذكاء والتفكير النقدي، إما بطريقة مهنية أو بصفة شخصية.

وهو شخص يحمل الكثير من الأفكار والنظريات ذات المعرفة الواقعية، وينهمك في إنتاج ونشر الأفكار، كما يمتلك خبرة فنية وثقافية تمنحه وزناً ومكانة مرموقتين في الخطاب العام، ويكون صامداً أما الانتقادات والصدامات الاجتماعية.

وفي متابعة لحركة الفكر العالمي نجد أنها أصبحت في حدودها الدنيا، فلم يعد يظهر لدينا مفكرون يطرحون نظريات جديدة بغض النظر عن محتواها وهدفها، وانسحب هذا الأمر على الشعوب العربية، مما أدى وبشكل كبير إلى قلة نوعية وكميّة بوجود النخبويين المفكرين.

إن انحسار الفكر النخبوي والمفكرين جعل الشعوب تتخبط في رؤى وأفكار متنوعة فلم يعد يحرك هذه الجموع وجود هذا أو ذاك، ولم تعد هناك رؤية واضحة المعالم أياً كان سبيلها ومنهجها، بل حتى ايديولوجيتها.

فرغم قلة النخبويين العرب، والمفكرون الواجب الاعتماد عليهم في حمل شعلة الفكر وتوجيه الشعوب، إلا أن الموجودين أصبحوا على طرفي نقيض، فمنهم من والى السلطان، وجند نفسه لشرح فكر هذا السلطان، بل استمد منه قوة الفرض وعمليات غسيل الأدمغة، وجعل من فكره وثقافته غطاءً يحتمي خلفه الحاكم بشكل فكري مموج.

والطرف الأخر بحث عن ذاته فلم يجدها في خضم التغيرات ومناكفة الحكام لهم، فلم نعد نجد ذلك المفكر الذي يستطيع قيادة الجموع لصالح البشرية، وإن بحثنا ووجدنا من لديه تلك القدرة، فنجده غير قادر على شرح رؤيته وفكره بشكل جاد وعملي، فتنفض الناس من حوله وتبتعد، وابتعاده هذا يترك المجال لمتسولي الفكر والثقافة، فيعيثون في أدمغة الناس، وأفكارهم الفساد، وتشويه القيم والأخلاق.

إن ضرورة خلق القائد المفكر أصبحت حتمية، فهي تولد في الفرد لكنها تحتاج لصقل وتنمية وتوجيه، بل لا بد من الاهتمام بكل مفكر يحمل تلك الصفات الكاريزمية الخاصة بالقيادة.

والقائد الحقيقي هو الذي يمتلك دفة الفكر والثقافة من جهة ودفة التوجيه والحسم من جهة ثانية.

إن المفكر ليس بالضرورة أن يكون قائداً لكن تعابيره وأفكاره تجعل منه مؤثراً وموجهاً.

إن معظم أزمات الشعوب العربية هي أزمات فكرية، فهي شعوب أصبحت تلهث وراء لقمة العيش واستسهال الأمور، ولم يعد الفكر والثقافة يشكل لها هدفاً أو غاية، بل تعتبرهما ترفاً لا حاجة لها بهما.

ولكي تستقيم للأمة أمورها، وتنجح في مساعيها للتخلص من الاحتلال الثقافي والأخلاقي أن تسعى جاهدة أفراداً وجماعات، في رعاية المفكرين وتحصينهم ضد كل المؤثرات على توجهاتهم واستغلالهم، والعمل على خلق قادة منهم لحمل هموم الأمة، والسعي للتقدم المستقبلي وتأمين متطلباتهم الحياتية حتى يستطيعوا العمل بحرية وكفاءة.

وأن يكون هدف هؤلاء نفع للأمة لا منفعة شخصية، تكلل جهودهم بتربية الأجيال وبناء مجتمع متماسك، وفكر سليم من التشوهات، فيه أصالة الدين والتربية الحسنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى