مقالات

عن ظهور المازوت المُنتظَر!

عبد الحافظ كلش

صحفي وأديب سوري
عرض مقالات الكاتب

ما إن دخلت صهاريج النفط الإيرانية إلى لبنان، من ميناء بانياس مروراً بمدينة القصير السورية، حتى تسابق أنصار حزب الله برفع أعلامهم مطلقين الرصاص في الهواء، وحاشدين لذلك “العرس الوطني” العشرات من الأهالي الذين غابوا عن الوعي من شدَّة الفرح بالمازوت القادم من السراديب والتكهُّفات الإيرانية.

إنه ليس كأيِّ مازوت في العالم، ولا بدَّ أن تُضفى عليه هالةٌ قدسيَّة من قبل أنصار حزب الله وماكينته الإعلامية؛ بوصفه رمزاً للانتصار في كسر الحصار وتجاوز قانون قيصر، وبكونه ماء القدرة الدالة على الاستمرار في المقاومة، فضلاً عن أنَّه مُنتظَر من إيران، وإذا كنت على علاقة/ تبعية مع إيران فلابدَّ أن تكون دائمَ الانتظار، ليس انتظاراً للمازوت فحسب؛ بل انتظار لتحقق الأساطير والانتقام التاريخي والتأدلج، وانتظار لتعزيز الكراهية المقدَّسة ضدَّ أبناء بلدك، في غياب للمنطق والعقل والخبز والكهرباء والتنمية والقيمة الدولية الإنسانية!

وإذا كنتَ متأثراً بإيران وتريد القبول والوصول إلى تلك الأهداف المُنتِجة للحقد، فلابدَّ أن تتفنُّن في إظهار مشاعر الصمود والحزن والبكاء التاريخي وادِّعاء النصر إلى” ما بعد صهاريج المازوت”.

ذلك الانتظار المهيمِن على الدول المنخورة من قبل إيران أشبه ما يكون بالنزف البطيء للجسد المريض، وهو ما أشار إليه رئيس الحكومة اللبنانية الجديدة، نجيب ميقاتي، في مقابلته مع شبكة CNN :” يؤسفني القول إنَّ بلدنا لايزال في مرحلة الانتظار أمام طوارئ المستشفى” ؟

ولكن، دعونا نتحدَّث عن نصيب الأسد من المازوت المار عبر مناطق سيطرته؛ ألا يستحق الأسد مع مليشياته بعضاً من تنكات المازوت، خصوصاً أنَّ الصهاريج الإيرانية ما كانت لتمر من مدينة القصير لولا أنه دمَّرها وهجَّر أهلها بمساعدة “حزب الله”!

منطق “المقاومة” يقول إنَّ له الحق في دعم أخيه ماهر، قائد الفرقة الرابعة، الذي كان غاضباً من عدم الحصول على حصةٍ يسيِّر بها آلياته على الحدود السورية/ اللبنانية.

صحيحٌ أنَّ قواته بالتحالف مع مليشيات حزب الله تجني الكثير من الأرباح والإتاوات من خلال إدارة عمليات التهريب على الحدود، إلّا أنَّ ذلك لا يكفي، ولا بدَّ من المازوت أيضاً؛ فالأسد لكي يبقى أسداً يجب عليه إظهار الجوع الدائم للنهب والبطش؛ بغيةَ الحصول على ما يسمَّى بـ”حصة الأسد المحفوظة”.

وفي الحديث عن حصة الأسد، لا أدري لماذا تذكرت مقولة الشاعر الفرنسي امبروز فاليري(1871-1945): “الأسد مجموعة خرافٍ مهضومة” مع العلم أنَّ بشار الأسد ليس أسداً بالمعنى الحقيقي للشجاعة الوطنية، وبالطبع لم يكن السُّوريون ـ ولن يكونوا ـ خرافاً سهلة الهضم أيضاً.

على أية حال، إنَّ التدهور المتسارع للاقتصاد اللبناني لا يختلف كثيراً عن الوضع في سوريا المدمَّرة من المنظومة الأمنية “الأسدية/الحزب لاتية” نفسها، وصولاً وتكملةً للشعار الاجتماعي السياسي المتداول ” سوا ربينا..” ليصبح ” سوا ربينا وسوا اتدمَّرنا” 

بالمقابل من هذه الفجائع، هناك أصوات لبنانية “دينية/ سياسية” مازالت تبحث عن حلٍّ للخروج من المأزق والانهيار المحتَّم، لكن مع وضع نظارات شمسية ملوَّنة تمنع التشخيص الصريح والمنطقي للفساد الأمني والاقتصادي في لبنان؛ تلك الأصوات ذاتها تختار كلمات بمنتهى الحذر لأنَّها تعرف سقف الانتقاد المسموح به ضمن دولة بوليسية متحكَّم بها من إيران والأسد، فلا بدَّ إذاً من بعض المغازلة السياسية، بين خطابٍ وآخر؛ خشية أن تخسر امتيازاتها أو نفوذها السياسي بالحد الأدنى من العقوبة.

إذاً ما الحل؟

الحلُّ يكون سهلاً وفي متناول الأيدي؛ عند استهداف الخاصرة الضعيفة المتمثلة باللاجئين السوريين الهاربين من قصف بشار الأسد ومعتقلاته إلى لبنان. واحدٌ من تلك الأصوات المذكورة هو البطريرك الماروني في لبنان، بشارة الراعي، الذي طالب بإعادة اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، مؤكداً في مؤتمر كنسي بالعاصمة المجرية بودابست أنَّ ” على اللاجئين السوريين العودة إلى سوريا، لأنَّ الحرب انتهت هناك” ومعتبراً أنَّ السوريين ” يعيشون أفضل من اللبنانيين أنفسهم”!

وفي الجانب الآخر من تلك الأصوات اللبنانية السياسية الباحثة عن حل، يخرج رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في مقابلة مع شبكة CNN الأمريكية قبل يومين، مصرحاً بأنه حزين على انتهاك سيادة لبنان من قبل صهاريج المازوت الإيراني، الصهاريج التي دخلت عن طريق الوصاية الأسدية/الحزب لاتية، دون أن ينسى طبعاً، أقصد رئيس الحكومة ميقاتي، مناشدة الدول العربية للوقوف إلى جانب حكومته، في رحلة بحثٍ ومطالبة بالتبنِّي!

تتعالى الأصوات السياسية المطالبة بترحيل السوريين قبل الانتهاء من ترحيل بقايا الانفجار الكارثي لمرفأ بيروت في 4آب/أغسطس 2020 ، بل قبل الكشف عن المتورطين في ذلك الانفجار، ويتزامن ذلك كله مع إعلان وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، عن ضبط 20 طناً من مادة نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، أمس السبت، في منطقة البقاع، ومازالت التحقيقات جارية ضمن تجاهلٍ يتقصَّد عدم الإشارة إلى الجاني، تجاهل هو أشبه ما يكون بتجاهل العارف.

ضمن هذا الفضاء السياسي البوليسي المليشياوي الفاشل، والاقتصادي المتسوِّل الطارد لأبنائه لم يعد ” للسلطة أي إمكان لترقيع نفسها بخرقٍ داخلية ظنت بأنَّها قادرة على ترقيعها بقماش مستورد وذي ألوانٍ متعددة” كما يقول د.أحمد نسيم برقاوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى