مقالات

سلامًا فيصل القاسم.. وتهنئة باليوبيل الفضي.. وكل عام وأنتم بألف خير

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

       أقدم بطاقة تهنئة إلى الأخ الدكتور فيصل القاسم بمناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا على برنامجه الرائع الناجح الاتجاه المعاكس..

 وبتجرد وأمانة أقول كلمة حق يجب أن تقال بهذه المناسبة: فعلى الرغم من أنني لم أكن يوما من ضيوف البرنامج، ولا تربطني أية علاقة شخصية مع الدكتور فيصل القاسم مقدم البرنامج، وعلى الرغم من أنني طلبت ذات مرة ومنذ سنوات وأنا بالسعودية، حلقة حول موضوع ما كنت أتمنى طرحه لشعوري بأهميته وقتها، ووعدني أحد أصدقائي المقيمين بقطر أن يسعى بذلك، وتكلم معي الأستاذ فاروق القاسم معد البرنامج، ووعدني أن يتصلوا بي لاحقا لتحديد  الموعد والضيف، ولم يتصلوا لأسباب فسرتها بأن الموضوع قد يكون مخالفا لتوجه القناة في ذلك الوقت، إلا أنني أقول بصراحة وأمانة: هذا البرنامج من أنجح البرامج التلفزيونية العالمية إن لم يكن أنجحها على الإطلاق، ليس في قناة الجزيرة فحسب، وإنما في كل القنوات الفضائية التي كنت وما زلت أتابع الكثير منها، وليس على مستوى العالم العربي فقط، وإنما على مستوى العالم الفضائي كله..  

هذا البرنامج كما قناة الجزيرة قاد ثورة إعلامية كبيرة على مستوى الوطن العربي كله، ولعب دورا كبيرا في صناعة رأي عام عربي، وجمهور عربي بدأ يستنشق نسائم الحرية، ويتذوق طعم مفرداتها، ويتعلم حروف أبجديتها..

كانت قناة الجزيرة ومازالت ذات فضل كبير على أمة العرب عموما، وعلى الشباب العربي خصوصا، في أمرين:

الأمر الأول: أنها وحدت العرب لأول مرة في تاريخهم الحديث؛ في اللغة والكلمة والهموم والآلام والآمال والمواجع والأفراح على قلتها.. وصاروا يجتمعون على قناة واحدة هي قناة الجزيرة، وعلى رأي واحد مع أن الشعار كان وما زال الرأي والرأي الآخر، وعلى برنامج واحد هو الاتجاه المعاكس، وعلى إعلامي واحد متميز هو الدكتور فيصل القاسم، على الرغم من وجود المخالفين والمختلفين والمتخلفين، ولكنهم جميعا بالمحصلة يجتمعون ويجمعون على نجاح البرنامج ونجاح صاحبه، ويعترفون بالحقيقة الناصعة على أهمية البرنامج وجميل ما يطرح ويقدم من جرعة حرية غابت منذ زمن بعيد…

كانت الجزيرة وفيصل القاسم موحدين للعالم العربي على الرغم من أنظمة سايكس بيكو التقسيمية، وتكريسهم للتجزئة، واشتغالهم على تثبيت أركانها، وتجنيد صعاليكهم للدفاع عنهم وعنها وعن كراسيهم ومزارعهم وما سمي زورا بالدول العربية.. والأنظمة العربية، والحكام العرب.. وهم مجرد أدوات وحراس وذيول وأجراء وعمال وخدم وموظفين صغار، وقتلة ومجرمين وقادة ما فيات وعصابات قمع وقتل وتشريد وتجويع وإذلال.  

الأمر الثاني: أن الجزيرة وفيصل القاسم من صانعي الربيع العربي، ومن مفجري الربيع العربي ومن رعاة الربيع العربي ومازالوا، وقد تعدى أثرهم وربيعهم إلى أبعد من الوطن العربي ليصل إلى المحيط الإقليمي والدولي القريب والبعيد.

     كنا نخشى على الجزيرة وعلى الاتجاه المعاكس تحديدا أيام الحصار عليها وأيام جعلها العقبة الكأداء أمام عودة الأخوة واللحمة والمحبة الخليجية الكاذبة، وفي الحقيقة كان السبب والهدف والغاية لجمها الجزيرة ومحاصرتها، ولكنهم فشلوا في الحصار وفكوه مرغمين، وظلت تحاصرهم وتطرق أبوابهم وتدخل عليهم بلا استئذان؛ تقض مضاجعهم، وتنغص عيشهم.

 كنت في بغداد في التسعينيات ولم يكن وقتها مسموحًا بالستلايت ولا بالاستماع إلى القنوات الفضائية الأخرى غير تلفزيون العراق، وتلفزيون الشباب الذي كان قد أسسه حديثًا ويشرف عليه الصايع عدي صدام حسين، ولم يكن يومها يقدم إلا البرامج الهايفة، والمفسدين للذوق العام في الفن والغناء، والمباريات الرياضية التي كان الصايع نفسه مسؤولًا عليها، ومعه شلة الصيع حوله يلعب بهم ويلعب عليهم ويلعب معهم في كل شيء، حتى لعب أخيرًا ببغداد وضيعها، وضاع معها العراق، وضاعت الأمة..

هذا الصايع كان له الفضل في أن ينشر مقاطع من برنامج الاتجاه المعاكس، وكان ينشر كلام الضيف الواحد فقط الذي يدافع عن الفكرة والقضية التي تخص العراق، وتعجب الصايع نفسه.. وله الفضل أن عرّفنا على قناة الجزيرة وعلى برنامج الاتجاه المعاكس وعلى الإعلامي الكبير الدكتور فيصل القاسم، فكان أول عهدنا بهم وبالعالم العربي والعالم الآخر خارج العراق من خلالهم.

عندما وصلت عمان 1998م متجها إلى ليبيا بعقد تدريسي بإحدى جامعاتها، وكان الحصار مطبقا على العراق، وعلى الطيران إلى ليبيا، أول ما رأيت في عمان قناة الجزيرة، وكنت تركت كل شيء جديد علي إلا قناة الجزيرة جلست أتابعها وأستنشق منها عبير الحرية.. وللمرة الأولى أرى الاتجاه المعاكس وضيفيه كاملين، وأسمع الرأيين معا..

كان هناك شيآن فقط يؤذيانني في قناة الجزيرة، كلمة إسرائيل على خارطة فلسطين، والضيف الصهيوني الذي يظهر متحدثا.. الثاني هضمته إلى حد ما، ولكن الأول لم أهضمه ولن أهضمه ولن أغفر للجزيرة جريمتها هذه بحق فلسطين والعرب والمسلمين..

كانت الجزيرة أحد رواد الربيع العربي وقادته ومفجريه، ومازالت، وكان فيصل القاسم أحد فرسانه وأبطاله ومازال، وكان فيصل الكابوس الذي يلاحق فلول الشبيحة والنبيحة ويهزمهم في كل ميدان، ولا سيما ميدان الإعلام والسياسة، فضلا عن هزيمتهم في ساحات المعارك والقتال على يد الثوار الأبطال..

ولولا أن العالم العاهر القاتل المجرم الذي تسيطر عليه الصهيونية والماسونية العالمية الذي يحمي عروش الطغاة الصهاينة العرب، كان قد حشد كل قواه وقواته وإمكاناته وأراذله وعصاباته وأسلحته الفتاكة التي لا يمتلكها الثوار، ولا بعضها، ولا يستطيعون مقاومتها ومواجهتا وردها وإبعادها، لبعد المسافة بينهما، ولولا وقوفهم وراء أنظمة القمع والعهر والجريمة المنظمة، والدعارة والفساد والإفساد والإبادة الجماعية، لكنا اليوم بألف خير وبأحسن حال، وتغير الوضع، وانتصر الربيع العربي، ولكنا نحتفل ويحتفل العالم كله معنا بالخلاص من الطغاة والجبابرة والظلمة، وبالحرية والديمقراطية والعيش الكريم، ويكون كبير الفضل في ذلك لقناة الجزيرة، ولفيصل القاسم..

ومع تراجع الربيع العربي، وتراجع الثورات العربية أمام الجيش العالمي الذي يحارب بكل قواه ليل نهار، وبالأسلحة كافة .. مع كل ذلك مازالت الجزيرة تقاوم، ومازال فيصل القاسم يقاوم ويقاتل ويتحدى ويصدح ويصدع بالحق.. ومازال الثوار يقاتلون ويقاومون معهم وبهم، ويرفضون الاستسلام.. ومازلت أتابع الجزيرة منذ أول يوم رأيتها إلى اليوم، ومازلت أتابع برنامج الاتجاه المعاكس وأنتظر صديقي الدكتور فيصل القاسم يطل علينا بطلعته البهية، وأناقته وصوته المميز وفكره اللامع، وذكائه الوقاد وحرفيته وخبرته ووطنيته، وعروبته وإسلامه وثوريته التي ظلت محافظة على مستواها الراقي الرفيع، وثباتها وتميزها وأناقتها وعفويتها وبراءتها وصدقها وإخلاصها لمبادئها ولشعبها ولوطنها ولأمتها ولإيمانها بحتمية انتصارها..    

 الاتجاه المعاكس هو البرنامج الوحيد الذي كنت ومازلت أحرص على سماعه، وأحافظ على مواعيده وأحفظها، وصار يوم الثلاثاء يوما متميزا، وعلامة فارقة في أيام الأسبوع، وإن فاتتني منه حلقة انتظرت الإعادة وأحيانا أنتظر ساعات الفجر الأولى إن فاتت حلقة الظهيرة المعادة.. وقد وفر علينا اليوتيوب الآن عناء الانتظار.

لاشك أن هذا البرنامج ارتبط بشخص فيصل القاسم، وصارا متلازمين كتلازم الفرس الأصيل بفارسها الشجاع الوفي، وعندما يغيب الفارس يفقد البرنامج كثيراً من بريقة وجماله وتألقه.. فإذا عاد القاسم إليه عاد البرنامج إلى شبابه وحيويته وبريقه وجاذبيته وقوته ونجاحه..  

عاشت الجزيرة وعاش فيصل القاسم وعاش الاتجاه المعاكس، وإلى الاحتفال باليوبيل الذهبي من عمر البرنامج وعمر القاسم.. وقد تحررت الأمة من طغاتها، وتوشحت العواصم العربية بوشاح الحرية، ورجالها وأهلها، وقادتها وأبطالها بأكاليل النصر والغار.. وفي طليعتهم القاسم.. ونعمت شعوبها بالأمن والأمان، وبالعز والفخر والفرح والمرح والحب والجمال.. والعيش الكريم..

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مهما حاولت أن أذكرمن إيجابيات الإتجاه المعاكس بمقدمه الإعلامي السوري الكبير الدكتورفيصل القاسم الذي نكن له كل المحبة ،لجلب أنظارالمشاهدين المتعطشين للحرية في جمهوريات وممالك وإمارات الخوف فلن أزيد على ماقاله الأخ الأستاذ الدكتور عبد المجيد الويس فلهمامني فائق التحية والتقدير ونرجواالله الثبات والغوث والنصر على الطغاة والمحتلين والغزاة اللهم آمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى