ثقافة وأدب

القول الصحيح في وسائل الإعلام سلسلة مقالات تهدف إلى تقويم اللسان وتصحيح الأخطاء الشائعة في وسائل الإعلام 47

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب

مفردات وتراكيب مُوَلّدة(6)

بدعة (يَطال) !

شاع في لغتنا المعاصرة قولهم: (طاله – يَطالُه)

نحو قولهم مثلًا:

أزمة تَطال مليون نازح عراقي

ويحمل هذا الاستخدام آفتين؛ أما إحداهما فهي تصريف الفعل على غير بابه، وأما الأخرى فتعدية فعل لازم دون مسوغ تعدية بالغ الوضوح. كما قال  أ.د. أبو أوس الشمسان.

أما جذر هذا الفعل فهو (ط/و/ل) وهو من باب (حسُن)؛ وعلى ذلك فتصريفه على هذا النحو: طال (ماضيًا)، يطول (مضارعًا)، والمصدر (الطُول)، قال الجوهريّ في صحاحه: “الطُول: خلاف العرض، وطال الشيء، أي امتد”.

فالفعل «طال» المتعدي مضارعه يَطول (بالواو)، لا يَطال (بالألف). طال فلانٌ فلانًا يطُولُه: غلبه وفاقه في الطُّول، أو في الطَّوْل.

ويقال فلان طُوال: أي لا تطُوله الطِّوالُ. وطال الشيءُ يطُول طُولًا: علا وارتفع.

وللفعل معنى آخر ومصدر آخر، قال الجوهريّ: “و(الطَول) بالفتح: المنّ. يقال منه: طال عليه وتطوّل عليه، إذا امتن عليه”.

وطال عليه طَوْلا: أفضلَ وأنعمَ، والطويلُ: ذو الطول، وخلاف القصير أو العريض. ويقال هو طويلُ الباع أي جواد.

أما من حيث التعدّي واللزوم فإنّ (طال) بالمعنيين المذكورين سابقًا- أي: الامتداد والمنّ- فعل لازم، ولكنا نجد كثيرًا من الناس يُعدّونه بنفسه بالتصريف المذكور آنفًا.

وقد نصّ الجوهريّ على لزومه ومنع تعديته قال: “ولا يجوز أن تقول منه طُلْتُه؛ لأن فعُلت لا يتعدى”.

أما تعدية الفعل بقولنا: (طُلتُه) فهي على باب “المغالبة” وهذا أمر ينقاس في الأفعال، فيقال: طاولني فطلته، أي: غلبته في الطول، كما نقول: كارمني فكرمته أي: غلبته في الكرم.

ولعل الذي دفع الناس إلى تنكب هذا الطريق هو محاولتهم التعبير عن امتداد أمر من الأمور إلى حد أو قوم فيشملهم ويغمرهم، فالفعل عندهم متضمن لفعل مُتعدٍّ وإنْ على نحو غامض.

ولئن التمسنا العذر للتعدّي على نحو ما بيّنا فإن مسألة التصريف تشكل بعض الإشكال فقد أخرج الفعل من بابه كما وصفت.

ويبدو أنّ هذه الصيغة (يَطال) قد جاءتنا من العاميّة اللبنانيّة.

ولعل الأولى أن نستعمل الفعل الصحيح في هذا المعنى وهو الفعل (ينال).

ومن معاني هذا الفعل في العربية ما أورده الأزهريّ في تهذيب اللّغة قائلًا:

“وفلان ينال من عِرض فلان، إذا سبّه. وهو ينال من ماله، وينال من عدوه، إذا وتره في مال أو شيء. كل ذلك من: نلت أنال، أي أصبت. ويقال: نالني من فلان معروف، ينالني، أي وصل إلي؛ ومنه قول الله عز وجل: {لن ينال الله لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم} [37 – الحج] أي: لن يصل إليه ما ينيلكم به ثوابا غير التقوى

ومن أمثلة ذلك في وسائل الإعلام:

الاختطاف يَطال النساء في العراق.

والقول الصحيح: الاختطاف يَنال أو يشمل النساء في العراق.

ومثل قولهم:

أزمة تَطال مليون نازح عراقي

والقول الصحيح: أزمة تَنال أو تشمل مليون نازح عراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى