مقالات

الأسرى الستة (انتهى درس ووجبت دروس)

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

إذا كانت أفغانستان كما يقال” مقبرة الغزاة”، فان فلسطين “مقبرة الأساطير والغزاة معاً”، هنا فقط تم قبر:
أسطورة الجيش الذي لا يقهر، أسطورة الاستخبارات التي تعلم كل شيء وتصل حيث تريد، أسطورة سجون الاحتلال التي لا يمكن الفرار منها، أسطورة القبة الحديدية.
هي هزة ليست كأي هزة، هزة مليئة بالفخر والشغف والعزة، هزة أمنية مدمرة تقدر ب9.10 على مقياس المسالخ والبشرية والسجون الفاشية. استيقظ فيها اليهود على خبر هروب الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع. بطريقة أفلام هوليود عبر نفق الحرية.
أي بني:
أما الذين وهنت عزائمهم وضعفت نفوسهم وكسرت إرادتهم وخارت قواهم واستسلموا للأمر الواقع واعتبروا أن العدو قضاء مبرم لا مرد له وأن العين لا تقاوم المخرز، وأنه ليس بالإمكان أبدع مما كان وأنه ليس بوسعنا فعل شيء، وأنه لاطاقة لنا اليوم بطالوت وجنوده.
إلى القواعد من الرجال إلى المثبطين والمشككين والموهنين وأعوان المحتلين. أرباب مذهب (امش الحيط الحيط وحط راسك بين الرؤوس). يرى أرباب هذا (المذهب) لضعف نفوسهم أن القصة مستحيلة وأن هؤلاء تمت تصفيتهم بكل بساطة واختراع هذا سيناريو إذ من المستحيل أن تضحي إسرائيل بسمعتها ببساطة أو أنه أخرجهم وغسل أدمغتهم لجعلهم جواسيس في صفوف المقاومة. نعم ربما ولكن لِمَ لم تضعوا بين احتمالاتكم احتمالا ثالثا أنها حصلت بالفعل؟

أي بني:
عندما تتظافر الجهود تنكسر أساطير الآخرين وتنهار قوتهم، عندما تكون صاحب الأرض حتى الأرض تطاوعك مهما بلغت قساوتها وشدتها. عندما تكون صاحب إرادة عظمى تتهاوى عندك الإرادات الهزيلة. عندما تكون متشبثاً بالبقاء تكون الحاجة أم الاختراع فتتفوق بإذن الله ثم بعبقريتك وهمتك لتكون الكلمة عندك أقوى من الرصاص، وأمضى من السيف وليكون ضعفك قوة وقلتك كثرة.
عندما تتحلى بالصبر والثبات والدوام (وإخفاء العمل والقليل الدائم ) الذي يبني بناء محكماً قوياً له جذور بقدر ما سمق في السماء لا تزلزله الأعاصير ولا تهده نكبات الأيام هناك حيث تنمو قوياً وتثمر سليماً وتحصد نتائج رائعة، هناك حيث تستعين بالسر والكتمان وتبتعد عن الظهور (الذي طالما قسم الظهور).
هنا يكمن الإخلاص والصدق وهنا تعرف الأولويات والضروريات حتى تلبي الحاجات حتى تقوى وتعظم فتظهر عندما يكون الظهور هو الصواب، وتختفي عندما يكون الاختفاء هو المطلوب. هنا مناط الحكمة وروعة التدبير.

عندما تفقد الأدوات لا تنتظر المفقود بل اعمل على الموجود، ثم اعمل على الموجود، ثم اعمل على الموجود واستعمل المتاح وفق المتاح ملعقة طعام فقط ( إن صحت الرواية ) غيرت مجرى حياة الأسرى وبعثت في نفوس الناس نصراً بعد هزائم كثيرة. الملعقة كأي ملعقة لكنها وضعت في يد تريد التغيير ولا تنكسر أمام العقبات ولا تستسلم لواقع الحال ولا تنهزم نفسياً. في وقت تحمل فيه بعض الجماعات من القوة ما يمكنهم من فعل الكثير ولكنها قوة وضعت في أيدي جبناء وربما عملاء وربما أغبياء.

ولأن كثيرا من الفارين يتم إلقاء القبض عليهم، وذلك يعود لأنه هناك خطة للهرب من السجن وليس هناك خطة للهرب دوماً، وسيبقون تحت ظل الشخصية المزدوجة، وهو صعب جدا في بقع جغرافية صغيرة وشعب فيه عملاء ولوقت كبير فيقعون بنفس الدروشة التي تتمثل بطلب طعام أو خرق أمني أو كشف هويتهم أو أعمال عدائية أو التواصل بالأصحاب.
نعم، ربما يتم القبض عليهم وإعادتهم للسجن أو قتلهم.
أزعجنا يا حماس يا فصائل المقاومة أن تتنادوا الآن الآن لتحريرهم لأنهم نالوا سبقاً إعلامياً ولم تفعلوا قبل ذلك. كما يحصل عادة في مجتمعات الإغاثة الإنسانية يظهر أحدهم ليكون حديث السوشل ميديا وما هي إلا وتأتي العروض من العام والخاص لإغاثتة وكفالته وإعانته؟!
هلا كان هذا قبل ذلك!؟
أما كنتم تعلمون أن لهذا النموذج الذي ظهر ملايين النماذج التي لم يكتب لها الظهور؟ ! أم القضية تجارة في الإعلام لتحقيق أقصى غاية من المنافع ؟ أما تعلمون أن هنا أسرى وأن هناك أسيرات وأن ملايين من حالات الاغتصاب في سوريا والعراق واليمن ومصر وسجون الظلمة عموما؟!
نبكي وقد يبكي الحصيف إذا هم قد فرقوا بين الحصيف وأهله.

ولكن:
ستبقى إسرائيل مهزوزة مهزومة، ستبقى الأساطير التي تحاك عنها أضحوكة العالم، ستبقى الفضيحة العالمية ماثلة حاضرة في الأذهان، سيبقى المحتلون محتلون وسنبقى نقاومهم ونكسر إرادتهم حتى ينادي الشجر والحجر: هذا يهودي ورائي تعال……

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى