مقالات

مدارس سوريا بين “الأسد والأربعين حرامي”

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب

دُهِشتُ وأنا أرى فيديو نشرته إحدى القنوات لطلبة في مناطق سيطرة النظام السوري المجرم ، في (مدرسة) الصحابي سعد بن عبادة الخزرجي ، وقد وضعت لهم “الإدارة” أو المدرس عبر إذاعة المدرسة أغنية “صبلي هالكاس حتى داري أحزاني”، أي ” املئ لي كأس الخمر”، وهذه الأغنية التي مكانها الطبيعي في كبريهات الأسد لا وزارة “التربية والتعليم”.
جلست أبحث في صحف الذاكرة وأقرأ ذاك الماضي القريب وأتساءل : هل فعلا عندنا في الشام وزارة تربية وتعليم؟
أو هل عندنا تعليم أصلاً؟ أو هل عندنا مؤسسات حقيقة؟ هذه المؤسسات التي ما طفقنا نسمع بضرورة الحفاظ عليها.
عندما يضع النظام “طبيبا بيطريا” وزيراً للتربية والتعليم و (ليست نكتة)، فاعلم أن المطلوب منه أن يتعامل مع بهائم ، وأن الكادر التعليمي مهمته إنتاج خراف، وتسمين عجول، ورعاية دواجن؛ لذبحها عند الحاجة في معارك استنزاف ” للمسلمين الإرهابيين المدعومين من أمريكا وإسرائيل ” كما يصفهم النظام المجرم.
عندما يقوم دكتور جامعة بممارسة الدعارة على الشات والماسنجر مع طالبات الجامعة لترفيع المواد في كلية الهندسة ويطلب من الفتاة أن” ترتخي ” لتنجح. هذا ما فُضِح وما خفي أعظم.
عندما تعطى الدرجات العليا والمنح والإفادات والإرساليات ، باتصال من فرع الخطيب أو الميزات لمن يشاء الضابط ، أو توزع أسئلة الشهادات على المعارف والأحباب وأبناء الطائفة. عندما يكون أقل مرتب في الدولة مرتب المدرس، باعتبار أنه “مستهلك لا منتج ” وهذه أيضا حقيقة وليست نكتة.
عندما يعين المدرسون باعتبار كرت الواسطة ويعين أشخاص لاعلاقة لهم بالتدريس، ولا حتى خريجين، ويُسند لخريج الفلسفة تدريس الرياضيات، سينتج عندك جيل من “الطيبين أوي ” وتعلم أنك في “سوريا الأسد “.
عندما تنتج “وزارة الإعلام” أعمالا درامية تسلط الضوء على سفاهة وخلاعة وميوعة وانحطاط المستوى التعليمي بحجة نقد الواقع وهي حقيقة تمارس أعتى منهجية لطمس وتحوير وإفساد الواقع.
أنا كنت مُدرساً لسنتين من حياتي في المدارس العامة، وأعي تماما تدني مستوى التعليم وتحويل المدارس في ظل حزب البعث لحظائر تنتج في أكثر الأماكن الشبيحة والنبيحة وكلاب الصيد والحراسة.
عندما يعينون مدرّسة مسيحية لتدريس مادة الديانة الإسلامية في إحدى المدارس. أدركت حقيقة راسخة منذ تلك الأيام أن الطلاب عبارة عن أحجام مختلفة ومستوى تفكير وعلم واحد.
ويقولون : ولكن ( التعليم عندنا مجاني )!! ونحن كسوريين نعلم تماماً معنى هذه الكلمة ومدلولاتها ، فعليكم أن تقولوها لغيرنا لا لنا. وكذلك (الطب مجاني )!! نعم لذلك يسمون غرفة العناية المركزة “غرفة الإنعاش” أي ” قابلني إذا عاش”.
اذاً المعركة معركة وعي وإضاعة جيل وتدمير واقع أمة وحاضرها. ولكن لمَ كل هذا؟
هذا ليس (كل شيء) بل غيض من فيض من عمليات ممنهجة لسحق الواقع التعليمي والتربوي عَمدَ إليه نظام الأسد منذ بداية حزب الشؤم “البعث ” ويتمثل برباعية إن هو أفسدها دانت له البلاد والعباد، المؤسسة الدينية والتعليمية والعسكرية والاعلامية. وقد كان ذلك.
مؤسسة “دينية” دنيئة تتمثل في “الغالب” بشبيحة يلبسون عمائم ، ومنافقون يرتقون منابر، وعلماء سوء من إنتاج فرع الأمن السياسي باضَ التشيع وفرَّخ في البلاد ، ولعن الصحابة على المنابر ، وهم بدروشتهم أو عمالتهم يمارسون أقذر عمليات التسامح مع الآخر.
مؤسسة “تعليمية” يقوم عليها وزير تربية وتعليم وهو “طبيب بيطري ” وليس هذا انتقاصاً من الطبيب البيطري، فالدراسة والإدارة شيء غير التعليم وممارسات الواقع، لكن نقصد رمزية الشيء ومدلولاته الخفية، وكيف ينظر النظام الى المؤسسة التربوية التعليمية في البلاد.

مؤسسة “إعلامية ” سبقت عصور الانحطاط الأخلاقي بسنوات ضوئية، ومارست أقذر أنواع الفحش والسوء.

مؤسسة “عسكرية ” قتلت نحو من نصف مليون وشردت واعتقلت وعذبت وانتهكت واغتصبت وتآمرت وسرقت كل الشعب السوري، حتى تهجِّر نصف الشعب أو يزيد في البلاد.
عملية تطهير عرقي وتغيير ديمغرافي لبلد ضارب جذوره في الإسلام قبل مجيء هذه الطغمة المجرمة.
كان أبناء الشام العقلاء منهم يدركون ذلك فيكتفون بالحوقلة، والأغنياء منهم يرسلون أبناءهم للدراسة في أوربا وأمريكا ، ويتركون الجيش لأبناء العلوية ، والمتعجلون منهم يرسلونهم لمسالخ “التعليم الخاص” الذي لا يكون إلا لهم ولأبنائهم من النظام والمحيط به ، والعامة الى حظائر وزارة التربية والتعليم.
وقبل أن يقول لي أحد المصابين بمتلازمة ” التفاؤل وتحسين صورة البلاد ” ولكنك تبالغ. ألم تسمع بالمبدعين والمخترعين والعلماء الذين انتجتهم سوريا؟ ماكان لها أن تنتجهم لولا جودة التعليم.
أي بُنَي:
ما أنتجته، انتجته على قلة وهي حالة طبيعية أفرزتها حقبة ماقبل الأسد، وامتدت آثارها في عهده رغما عنه، لكنها مريضة متهالكة آيلة للسقوط، وقد سقطت فعلاً في عهد الأسد الابن لبعد الزمن وتغير الجيل، وكان آخر مسمار دق في نعش التعليم هو أول يوم في ثورة الشام ، ولنفرض أنه كان!! فعلى ندرة وشذوذ، والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه ، هل يمكنك النظر في واقع سوريا من حيث جودة التعليم ومقارنتها ببلاد عربية أو أجنبية، ستكون المقارنة مضحكة جداً ومهزلة.

وقبل أن تقول لي عرفنا ” الأسد” فمن تقصد بالأربعين حرامي؟!.
أقصد بهم أناس حملوا راية الجهاد، وتغنوا بالمقاومة والحرية ، وتذرعوا بالتقوى والصلاح والإصلاح، أقاموا صروحاً وكيانات تعليمية وتربوية في المحرر خارج أروقة النظام وسيطرته ، من منظمات ، أو جمعيات ، أو هيئات ، أو كيانات ، أو داعمين دوليين ومحليين لتحسين واقع التعليم وتفادي الكارثة التربوية والفكرية ، ثم تبين بعد سنوات أنها “في الغالب”، مؤسسات يقوم عليها أربعين حرامي “لص”.
لا ننكر وجود بعض الجهود التي ترفع لها القبعة احتراما وإجلالاً، ولا نتنكر لواقعها الأليم.
نحن نعلم الفقر ، نعلم الحاجة، نعلم ترتيب الضروريات ، نعلم التآمر الدولي نعلم مفرزات الحروب ، نعلم فقد الاستقرار ، نعلم المعوقات، ولكن متى سيتم ضبط الواقع التعليمي وتنظيمه، وقطع يد العابثين واللصوص وتجار الحرب وأمراء الداعم.
مدارس في الغالب رفع العتب عن الإنسانية، عشرات القرى ومئات النقاط بلا تعليم وهو إن وجد فعدمه أولى، وهو إن كان فلا تربية ولا نظام ، وهو إن توفر لايمثل حقيقة سوى 7% من المنظمين في التعليم في نقاط يمثل الجاد منها واحد في المائة لا غير.
ثلاثة قرى فيها نحو 600 طالب سيضطرون لإغلاق المدرسة لعدم وجود دعم !! وكثيرون مشابهون لهم.
ومنظمات “إنسانية ” مشغولة برصف الطرقات وتزفيت الشوارع، وشق الترع، وتحسين جودة المظهر الخارجي للخيم ، وملايين الدولارات تنفق في العبث، العبث الممنهج، ثم يشكون من فقد التمويل وقلة للناصر وظروف الحرب عشرات آلاف الطلاب لا يعرفون القراءة والكتابة.
نعم لا ننكر جهود وزارة التعليم في الحكومة المؤقتة مشكورة، لكنها جهود ضعيفة ركيكة لا ترقى لمستوى الكارثة ولا تواكب الأحداث.
أما الشمال الشرقي حيث مناطق سيطرة القوى الكردية، عملت هذه القوات على تعليم أبنائها اللغة الكردية التي كانت ممنوعة سابقاً، وقامت الإدارة الذاتية لحزب الاتحاد الديموقراطي بتأليف المنهاج وطباعته باللغة الكردية، كما قامت بتدريب مدرّسين لكل المراحل الدراسية إضافة إلى ذلك قامت الإدارة الذاتية بطباعة الكتب الكردية باللغة اللاتينية بدل الأحرف العربية، واعتمدت الإدارة على تدريس مادتي الديانة المسيحية والإيزيدية، إلى جانب الإسلامية. وقد أثبتت تلك المدارس فشلها على جميع الأصعدة، ورداءة التعليم فيها متذرعة بضعف الإمكانات.
داعش بوجهيها السابق واللاحق اعتمدت على التدريس الديني فقط بصورة متشددة راديكالية، وأهملت جميع جوانب التعليم ولا غاية لها سوى صنع قنابل بشرية موقوتة رافضة للمجتمع والدنيا، وإقصاء الآخر ، ومحاربته، وكسر شوكته بتهمة الصحوات.
والحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها أنه إن كان عند الأسد حرامي فعندنا أربعين حرامي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى