بحوث ودراسات

تحولات الموقف الروسي في الجنوب السوري

المرصد الاستراتيجي


نشر معهد الشرق الأوسط (MEI) دراسة بعنوان (Russia rethinks the status quo in southern Syria) تناول فيها الباحث عبد الله الجباصيني الأحداث التي شهدتها محافظة درعا في الأسابيع الماضية، حيث توقعت العديد من الجهات المحلية والخارجية تدخلاً روسياً سريعاً للحد من الأعمال العدائية، إلا أن القوات الروسية لم تبدُ متحمسة لإنهاء العنف المسلح وفرض اتفاق نهائي، رغم الحالة الإنسانية الكارثية التي عانى منها سكان المنطقة، ما أوحى بأن التأخر كان مقصوداً.
وأشارت الدراسة إلى عدد من العوامل التي دفعت روسيا لتغيير موقفها إزاء اتفاقية المصالحة في الجنوب السوري عام 2018، ومن أبرزها: تنامي حالة الفلتان الأمني، والتحولات التي تشهدها المنطقة، ورغبة النظام في إخضاع درعا لسيطرة أمنية أكثر صرامة بالاعتماد على النفوذ الإيراني.
وكانت السياسة الروسية قد جمعت في الماضي بين الاستخدام غير المقيد للعنف من جهة، وبين المفاوضات لإجبار الفصائل على الاستسلام وفرض اتفاقيات “المصالحة” المحلية عليها من جهة ثانية، ما أتاح للنظام مجال السيطرة أكبر على الأرض في الغوطة الشرقية وشمال حمص، وذلك بخلاف محافظة درعا التي تطلب الموقف الإقليمي فيها مقاربة مغايرة لتجنب عمليات نزوح واسعة النطاق، وطمأنة الجيران القلقين بشأن الوجود الإيراني في الجنوب السوري.
وبناء على ذلك فقد اقتصر وجود النظام في درعا (خلال الفترة 2018-2021) على عدد محدود من الحواجز بمحاذاة مناطق “المصالحة” وعلى مفارق الطرق، فيما أتيح للثوار السابقين ممارسة دور أكبر في “بصرى الشام” و”طفس” و”درعا”، حيث قام اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس مع الشرطة العسكرية الروسية بدور أساسي في حفظ الأمن، على الرغم من معارضة النظام والميلشيات التابعة لإيران من ذلك الدور.
وعندما وصل التدهور الأمني إلى مستوى غير مسبوق في شهر أغسطس؛ وجدت السلطات الروسية نفسها مضطرة لتوسيع نطاق تدخلها، والعمل على إيقاف العملية العسكرية والتوصل لتسوية.
ورأت الدراسة أن روسيا بقيت ملتزمة بجوهر اتفاق 2018، والذي يتضمن الحد من وجود النظام وحلفائه الإيرانيين في أجزاء من الجنوب، إلا أن سلسلة من التطورات المحلية والإقليمية أفضت إلى تعقيد المشهد في درعا، ودفعت روسيا إلى إعادة تقييم سياستها في الجنوب، وخاصة منها ما يتعلق بتغيرات الوضع الداخلي في كل من “إسرائيل” والأردن، حيث أنهت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة فترة 12 عاماً من حكم نتنياهو، الذي “يفضله بوتين”، وأدت إلى تشكيل حكومة ائتلافية تفتقر إلى إستراتيجية اتصال فاعل تجاه الكرملين، وذلك في مقابل تنامي الاعتراف الأردني بالدور الروسي الحيوي في سوريا والإقرار “ببقاء النظام”.
وتأمل القوات الروسية بأن تسفر سيطرة النظام على درعا البلد عن تأثير “الدومينو”، بحيث تتمكن قواته من إنهاء دور الجماعات المسلحة في سائر بلدات المحافظة، الأمر الذي سيمنحه موقع قوة في التفاوض مع دول الجوار، وقد يتطلب ذلك من موسكو أن تتغاضى عن تنامي دور الجماعات المدعومة من إيران، وأن تتساهل إزاء رغبة طهران في تأكيد علاقتها باللعبة الدائرة في الجنوب.
وبناء على ذلك؛ فقد توقعت الدراسة أن تتعرض مناطق أخرى في غرب وشرق حوران قريباً لضغوط مشابهة، حيث ترغب روسيا في تعميم النمط الجديد من التعامل على سائر أنحاء المحافظة فيما يتواكب مع المتغيرات التي طرأت في المشهد الإقليمي ومع الوقائع الجديدة في الجنوب، مُحذرةً من أن إضعاف موقف “اللجنة المركزية” سيدفع إلى ظهور محاور جديد تتمتع بعلاقات قوية مع السكان ومع القوى الفاعلة في المنطقة.
وشككت دراسة رديفة نشرها موقع “ألمونيتور” (5 سبتمبر 2021) بعنوان: (Will Russia be able to maintain the status quo in Syria’s Daraa despite Assad and Iran?) في قدرة روسيا على كبح جماح النظام وحلفائه الإيرانيين، والمحافظة على الاتفاقية الجديدة (31 أغسطس) لفترة طويلة، خاصة وأن النظام يعتبر اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس (والذي شكلته روسيا من الثوار المتصالحين) مجرد “تشكيل من قطاع الطرق” وأعرب عن استيائه من إنشاء روسيا هذه الوحدات من مقاتلي المعارضة، وقد دخل هذا اللواء بشكل متكرر في صراع مع قوات النظام، ومنعها من دخول مناطق سيطرته.
وعلى الرغم أن موسكو تمكنت من فرض أجندتها الخاصة في النهاية، إلا أن التوصل للاتفاقات الحالية مع دمشق لم يكن سهلاً، حيث مارس الأسد ضغوطاً كبيرة على القيادة الروسية لتصعيد الموقف في درعا وإدلب دون مراعاة مخاطر الاشتباك العسكري المباشر مع تركيا والولايات المتحدة، ودول الجوار، وذلك من أجل إثبات عزمه على “تحرير سوريا إلى آخر شبر” من البلاد بالتعاون مع الإيرانيين في حال ترددت القوات الروسية عن دعمه.
ويرغب الكرملين بإظهار قدرته على الوفاء بالتزاماته للدول الأخرى في المنطقة، ولذلك، فالمسألة بالنسبة لروسيا مسألة حفاظ على المكانة، ولا يمكن إغفال دور زيارة الملك عبدالله الثاني إلى موسكو (23 أغسطس) للمطالبة بفرض حل للنزاع جنوب البلاد، مقابل توفير عمّان المساعدة الاقتصادية المناسبة للمناطق التي عادت رسميا إلى سيطرة دمشق.
كما أن موسكو لا ترغب في المخاطرة بعلاقاتها مع إسرائيل في حال سيطرة التشكيلات الموالية لإيران على الجنوب السوري، إذ إن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الصراع، وسيدفع الجيش الإسرائيلي لشن المزيد من الهجمات على القوات الموالية لإيران بالقرب من حدوده، وبالتأكيد لا ترغب روسيا لصفحتها الجديدة مع الحكومة الإسرائيلية أن تبدأ بهذه الطريقة.
ورأت دراسة نشرتها صحيفة “جيروزاليم بوست” أن الاتجاه الحالي للأحداث، يشير إلى احتمال “لبننة” أو “عرقنة” سوريا، بحيث يعترف المجتمع الدولي بحكومة ضعيفة تتواجد بالاسم فقط، فيما تتمتع إيران بحرية التصرف في مناطق مختلفة من البلاد مستخدمة الحكومة المركزية الاسمية كغطاءٍ لأنشطتها.
فبالإضافة إلى سيطرتها على منشآت نفطية مهمة في المنطقة، أبرزها ( T2)، وهي منشأة ضخ حيوية على خط أنابيب كركوك-بانياس، تفرض إيران نفوذاً على المكونات العشائرية في دير الزور، وتسيطر على مساحات واسعة من ريف إدلب الجنوبي وريف حماه الشرقي وريف حمص الشمالي، كما تعزز نفوذها في الجنوب السوري من خلال الحملة الأخيرة على درعا البلد.
وفي المقابل ترى تل أبيب أن العزلة الدبلوماسية لبشار الأسد هي الصيغة الأمثل لاستمرار الملاحقة والحملة الجوية الإسرائيلية ضد البنى التحتية الإيرانية في سوريا، حيث يستغل الجيش الإسرائيلي ضعف السلطة المركزية لشن حملة عسكرية تهدف إلى تقويض الموقف الإيراني، الأمر الذي سيجعل الموقف الروسي-العربي لتعزيز موقف النظام أكثر صعوبة في المرحلة المقبلة.
وفي مقال بعنوان “أزمة لبنان تجمع الأسد وبايدن “، أضافت صحيفة “تايمز” (6 سبتمبر 2021) بعداً آخر للمشهد المعقد جنوب سوريا، مؤكدة أن “إعلان نظام الأسد والولايات المتحدة استعدادهما للعمل سوياً، على خطة لمساعدة لبنان في الحصول على الكهرباء، دليل على تغيير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط بقيادة الرئيس جو بايدن”.
وأضافت الصحيفة، في تقرير لمراسلها ريشارد سبنسر، أن: “أزمة لبنان تجمع بايدن والأسد، وتجعلهما يتّحدان لحل أزمة الطاقة اللبنانية”، حيث أعلن الجانب السوري استعداده للمساعدة في جلب الغاز للبنان من مصر عبر الأردن، وهو الاقتراح الذي أعلنته السفيرة الأمريكية في لبنان، دوروثي شيا، والذي فاجأ المراقبين الدوليين”. منوهة إلى أن القرار قد يؤدي إلى رفع بعض العقوبات المفروضة على سوريا.
وأكدت الصحيفة أن إدراك الحكومة اللبنانية إمكانية تخفيف الولايات المتحدة عقوباتها المفروضة على النظام قد دفعها لإرسال وفد رفيع المستوى، في زيارة غير مسبوقة إلى دمشق منذ عام 2011، حيث جاء: “اقتراح السفيرة الأمريكية استجابة لإيجاد حلّ بديل عن عرض إيران مساعدة لبنان، وذلك بعد إعلان تنظيم حزب الله عن تحضيره لاستيراد النفط الإيراني، على الأرجح عبر سوريا”.
ورأى سبنسر أن بايدن يفضل الانفتاح على سوريا حالياً بدلاً من الانفتاح باتجاه إيران، ما يشير إلى اعتقاده بإمكانية إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا لدى عودة بشار الأسد إلى “الحضن العربي” عبر التجارة والاعتراف الدبلوماسي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى