مقالات

القتلة الأذكياء… أشدُّ الناس إجراماً

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

بداية أشير إلىٰ هٰذا المقال فصل من كتابي كوميديا عصر العهر الذي صد العام الماضي 2020م، وهو مكتوب منذ أربع سنوات أي في عان 2017م. 

لن نتحدَّث في أنواع الجريمة ومستوياتها فهٰذا أمرٌ يطول بنا كثيراً. ولٰكن قبل الحديث في أبشع الجرائم وأشنعها لا بُدَّ من ضوء قبليٍّ. من المتوافق عليه أنَّ قتل الإنسان أشدُّ الجرائم وقعاً وأفدحها أثراً وقيمةً، ولٰكن مع هٰذا التَّوافق فثَمَّة اختلافات مربكة ومحرجة في وقاع الأمر.

علىٰ الرَّغْمِ من أنَّ قتل الإنسان، فيما هو متوافق عليه، أكبر الجرائم، إلا أنَّ القتلة يمارسون قتل الإنسان بطرقٍ مختلفةٍ ولها مئات المستويات تبدأ من الإماتة بغير القصد تحت أي ظرف أو طبيعة، والقتل بالقصد بطريقة تقليدية مهما اختلفت أنواعها وأدواتها، وصولاً إلىٰ قتل التَّشفِّي والحقد الذي يمارس أبشع الأساليب بأبشع الوسائل والأدوات والطرق قد يكون أقل منها إخراج جثث الأموات من قبورها والتَّشفِّي بها تمثيلاً ولهواً… ومع ذٰلكَ كله يقف الجميع أمام القتل بتهمة القتل التي تنتهي بحكم بالسجن سنوات قليلة أو كثيرة، وهٰذه أوَّل جريمةٍ أبشع من جريمة قتل إنسان.

لنترك هٰذه المأساة الحقيقية ولننتقل إلىٰ جريمة أُخْرَىٰ أبشع من جريمة قتل الإنسان بمختلف أشكالها وألوانها. فعلىٰ الرَّغْمِ من التَّوافق التَّاريخي لبني البشر علىٰ مدار التاريخ علىٰ أنَّ قتل الإنسان جريمة تفوق كلَّ أنواع جرائم القتل علىٰ اختلاف أشكالها وألوانها فإنَّنا في عصرنا ومنذ عشرات السنين القليلة ارتفعت قيمة الحيوان فوق الإنسان، وصار كسر رجل حيوان أيِّ حيوان يشغل الإعلام والناس وخاصة في الغرب أكثر مما يشغلهم قتل إنسان بل قتل مئات بل آلاف النَّاس. والذين يعيشون هٰذه الأيام لا يحتاجون إلىٰ دليل علىٰ ذٰلكَ فلا أحد لا يشهد قتل عشرات السوريين يوميًّا، والعراقيين، بمختلف أبشع وسائل وأدوات وأساليب القتل ومع ذٰلكَ لا أحد يكترث بهم، ليس كأنَّهُم حيوانات بل علىٰ أنَّ الحيوانات أحسن منهم وأهم منهم، لأنَّهُم في الوقت ذاته يثيرون ضجَّةً كبرى لقتل قط أو كلب أو رُبَّما فأر بطريقة بشعة أو حَتَّىٰ حسنة. وهٰذه ثاني أكبر جريمة أبشع من جريمة قتل إنسان.

مثل هاتين الجريمتين اللتين لا ينتبه أحد إليها ولا يشنِّع بهما بوصفهما جرائم قتل تفوق جريمة قتل إنسان هناك جريمة أُخْرَىٰ ثالثة هي ثالث أكبر جريمة  أبشع من جريمة قتل إنسان وهي السكوت علىٰ جريمة. السكوت علىٰ الجريمة جريمة. ولٰكنَّ السُّكوت علىٰ قاتل مستمر في القتل هو الجريمة الأكبر من جريمة القاتل هٰذا نفسه. في هٰذه الحالة الثالثة أنا أتحدث علىٰ نحو مباشر علىٰ ما يحدث في سوريا والعراق علىٰ نحو خاصٍّ ثمَّ علىٰ ما حدث مالي وبورما وما حدث في إفريقيا الوسطى وأكثر من دولة إفريقية.

حسناً، مع ذٰلكَ كله، مع بشاعة هٰذه الجرائم التي لا ينظر إليها أحد ثَمَّة جريمة أكبر من ذٰلكَ كله علىٰ الإطلاق. وهي أصلاً موضوعنا الحقيقي. فما كان الحديث فيما سبق إلا عرضاً ومن باب الضَّرورة التَّوضيحيَّة والتَّمهيديَّة للكلام علىٰ قاتلي القيم المقدسة. لا يمكن إلا القول إنَّ الأنواع السابقة من القتل أو الجريمة هي قتل للقيم المقدَّسة أيضاً. ولٰكنَّ قتل القيم المقدَّسة يتَّخذ سبيلاً مختلفاً تماماً، سبيلاً خبيثاً خبثاً خارقاً، وماكراً مكراً شديداً، قلَّما ينتبه إليه أحدٌ وإن كنَّا نجد بعض فيض الكيل تعليقات وانتقادات تكاد تلمس جوهر القضية.

قاتلوا القيم المقدَّسة، وهي أبشع الجرائم وأشدها شناعة وقذارة، تفوق جريمة قتل الإنسان، يفعلون ذٰلكَ بطرق متعدِّدة. من أبلغ ما يمكن تشبيههم به المثل الشَّائع القائل: «كالعاهرة التي تعطي دروساً في الطهارة».

التَّشبيه بسيط وأقل من الحقيقة، فالعاهرة التي تحاضر في الطهارة يلتمس لها ألف عذر، وبالتحليل النفسي يمكن الوصول إلىٰ مسوِّغات تلتمس عذراً أو تبياناً لهٰذا التَّناقض. أمَّا الذين يقتلون القيم المقدسة وإن تشابهوا مع العاهرة في المنهج فإِنَّهُم قتلة محترفون يعلمون بمكر ودهاء لتشويه القيم المقدسة وقتلها في النفوس، وجعل الناس تكرهها بأفعالهم التي يفعلونها باسم هٰذه القداسة أو المقدسات.

لا نبتعد كثيراً، والشَّواهد من حاضرنا الذي نعيشه، عندما تحمل ميليشيا، أو مجموعة مسلَّحة اسم جيش الإسلام، وتكون أفعالها منافية للإسلام، فإنَّهَا جماعة تدار من مافيا الحرب علىٰ الإسلام، من أجل تشويه الإسلام وقتله في نفوس المسلمين قبل وبعد غير المسلمين، لأنَّ غير المسلمين لا ينتظرون مثل هٰذا الجيش ليقتلوا الإسلام في نفوسهم. إنَّ أفعال أي جماعة تستخدم الإسلام أو مقدساته اسماً لها إذا لم تكن أفعالاً متناسبةً مع قيم الإسلام وأهدافه فإنَّهَا جماعة تدار من استخبارات ومافيات معادية للإسلام.

وفي هٰذا الوقت ذاته فإنَّ الذين باسم الإسلام يحاربون مع لا يعمل بقوانين الإسلام لا يفترقون عن تلك المافيات التي تحارب الإسلام، ولا يبتعدون عن أن يكونوا خدماً مجانيين لهم، هٰذا إذا أحسنا الظَّن بهم.

حزب الله، اسم يثلج القلوب، ويستجلب التعاطف والحب والتبني. ولٰكن ماذا يفعل حزب الله؟

إنَّ ما يفعله حزب الله منذ سنوات الثَّورة السورية جعل الرأي العام كله تقريباً يطلق عليهم حزب الشيطان، حزب اللات، هٰذا ردة فعل بسيط علىٰ ما يقوم به هٰذا الحزب.

يقولون حزب الله قاوم وقاوم… أقول: عندما كانت هناك جبهته فإنَّ كلَّ الناس أحبته واحترمته وقدَّرته. علىٰ افتراض أنَّهُ كان في ذٰلكَ صادقاً، لأنَّهُ منذ تلك الأيام كان ثَمَّة من يشكُّ في مقاومته، وعلىٰ افتراض صدقه في مقاومته فإنَّ ما بدر منه في الثَّورة السُّورية وما رافقها يدل دلالة قاطعة علىٰ أنَّ كل ما سبق من مقاومته ليس إلا تمثلاً وخداعاً وتضليلاً.

حزب الله ببشاعته التي اتَّضحت عليه وثبتت سرق الاسم الجميل وصادر عليه وجعله وصمة عار وعهر تجعل المسلم يخجل من هٰذا الاسم علىٰ ما هو عليه من قداسة عند المسلمين، وإشادة قرآنية من الله تعالى بهٰذا الاسم.

عند هٰذا الحدِّ لا يمكنني أبداً أن أثق في نوايا من يستخدمون هٰذه الأسماء. لا يمكن أن أرى ذٰلكَ مصادفةً. قد يعترض بعض بأنه كان ثمَّ انحرف. من الممكن القول بذۤلكَ إذا لم يكن في الأصل منحرفاً. وما أدراني أنَّهُ بني أصلاً علىٰ حسن نية إذا كان منذ بدايته يسير في طريق التأسيس للهدم وقتل القيم المقدسة.

هٰذا الكلام مثلما ينطبق علىٰ جيش الإسلام وعلىٰ حزب الله كذٰلكَ ينطبق علىٰ غيرهم كثير من النماذج التي استخدمت مثل هٰذه الأسماء من أشهرها الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة التي قيل فيها القول الشهير: «إنَّ تسمية إيران بالجمهوريَّة الإسلاميَّة هو من باب تسمية الخمر بالمشروبات الروحيَّة». وعلىٰ ذٰلكَ قس تجد الكثير الكثير مما يستحق وقفات تأمل وتفكير.

المسألة في حقيقة الأمر تجاوزت بكثير الإرث الناقد الساخر بشدة لقتل الإنسان من دون مبالاة علىٰ حسب التعبير المنسوب خطأ إلىٰ جبران خليل جبران وهو لأديب إسحق: 

قَتْلُ امْرِئٍ في غَابَةٍ جَرِيْمَةٌ لا تُغْتَفَرْ

وَقَتْلُ شَعْبٍ آمِنٍ مَسْأَلَةٌ فِيْهَا نَظَرْ

تلكم مسألة أبسط بكثير وأيسر من جريمة قتل القيم، من جريمة قتل المثل الأعلىٰ في نفوس الشعوب. قتل المئات والآلاف والملايين يخرجهم من الحياة وعذاباتها، بَيْنَما قتل القيم والمثل الأعلى أو المثل العليا يجعل الناس تعيش الحياة وهي ميتة… مثل الزومبي الذي ما فتئوا يصنعون الأفلام عنه في العقود الأخيرة. كانت فكرة هٰذه الأفلام إما استلهاماً عبقريًّا لما يفعلونه أو تهيئة للشعوب لتعيش مثل الزومبي. أفلام هوليود بالتجربة التاريخية ليست مصادفات ولا مجرد أفلام… فيها الكثير من المخططات والاستراتيجيات.

في العقود الأخيرة أشاعوا عبارة خطيرة نسبوها إلىٰ ستالين تارة وتارة إل هتلر وتارة إلىٰ جوبلز وزير إعلام هتلر وتار إلىٰ سياسي أمريكي تقول إِنَّهُ قال: 

ـ سأقتل مليون ونصف بني آدم وقطة.

فقالوا له علىٰ الفور مندهشين: ولماذا قطة؟

فقال لمن معه: ألم أقل لكم إِنَّهُم سينتبهون للقطة ولن ينتبهوا للمليون ونصف إنسان.

هل هي مصادفة أم لعبة مقصودة أم تنبؤ بما سيؤول إليه حال البشر من الاهتمام بالسفاسف وترك الجواهر علىٰ هٰذا النَّحو المرعب. أم تهيئة الجمهور للوصول إلىٰ هٰذه العقلية؟!

موضوع طويل وليس بالحديث تماماً، ولٰكنَّهُ في الآونة الأخيرة بدأ يأخذ أبعاداً جد خطيرة، وتجليات تثير الرعب والهلع من مصير الإنسان والإنسانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى