مقالات

حاجة الأمة للإعلام الهادف!

د. محمد عبد القادر الشواف

إعلامي وناشط سوري
عرض مقالات الكاتب

الأصلُ في الإعلام أن يُسخَّر في الخير والبناء، وسعادة الفرد والمجتمع، وبث روح التفاؤل والاطمئنان بين الناس؛ فالنفسُ البشرية ترتاح للمبشرات؛ لأنها تبعث فيها السكينة، كما أنها تجدّد عند الإنسان العزيمة، وتحيي الأمل المشرق الواعد؛ لذلك أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نكون مبشرين لا منفرين.

لكن التحدي الخطير الذي يواجه الإعلامَ الإسلاميَّ، ما تمر به أمتنا الإسلامية، وما ينزل بكثير من شعوبها من فتن وابتلاءات.. كل هذا يجعل مهمة الإعلام والصحافة على وجه التحديد شاقة ومحفوفة بالمخاطر؛ فنقل الخبر الصادق وتصوير الواقع كما هو دون دسّ أو تزوير ربما لا يبعث على التفاؤل، كما أنه يعرّض ناقلَه للقمع والإرهاب في أغلب الأحيان؛ مما يزيد مهمة الإعلامي المسلم صعوبة وتعقيداً، ويُحمّله مزيداً من الأعباء إن أراد تأدية الأمانة بما يرضي الله تعالى، وما أكثرَ الإعلاميين الذين تعرضوا للقمع والسجن والقتل بسبب نقل الحقيقة كما هي تماماً، دون تزييف! 

ولقد أدركت الأممُ المتقدمة سحرَ الإعلام وسلطته الضاغطة المؤثرة، فأنفقت الملايين لتحقيق سياساتها من خلاله، وإقناع الجماهير بشرعية خططها وبرامجها من خلال عملية غسيل الدماغ الجماعية، وصارت وسائلُ الإعلام تقوم بجزء من عمل الجيوش، وأصبحت الحروب الإعلامية تكلف أحياناً أكثر من الحروب التقليدية. وبرغم أن الصحافة تسمى السلطة الرابعة إلا أنها باتت تنافس السلطات الثلاث، بل يتم من خلالها التلاعب بتلك السلطات، وابتزازها أو الانقلاب عليها أحياناً، لأن أجهزة الاستخبارات في كثير من البلدان صارت هي من يؤسس الصحافة ويوجهها، لتحقق أغراضها من خلالها!! 

هكذا انطلق بنا القرن الحادي والعشرون، في تسابق محموم وصراع مجنون بين الدول الكبرى، للسيطرة على العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، يرافق ذلك كيد غربيّ وصهيوني حاقد على كل ما يمت للإسلام بصلة أولاً وعلى البشرية جمعاء ثانياً.. صراع تغيب فيه العدالةُ والحق والإنسانية، ويعلو صوتُ الحديد والنار فوق كل صوت، ويستمد الباطل شرعيتَه من القوة التي يملكها فحسب! 

في هذا الخضم المتلاطم، والأمواج الإعلامية العاتية، التي تستهدف العقيدة والأخلاق وثوابت الأمة، وتحاول إفساد أسرنا، وخطف شبابنا وبناتنا من خلال بهرجها وبريقها الخادع الذي يطبل له جنودُ إبليس {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112]. 

وفي هذه الظروف العصيبة التي تمر بالأمة الإسلامية حكومات وشعوباً يتطلع المسلمُ إلى إعلامٍ نظيفٍ هادفٍ، يتحلى بالصدق والواقعية، وتتحقق للفرد من خلاله معرفةُ ما يجري حوله بعيداً عن الدجل والخداع الإعلامي (المسيّس)، كما يتلقى هو وأسرته زاداً ثقافياً ومعرفياً، ويتابع أخبار العالم الذي يعيش فيه، ويهتم بأمر المسلمين. 

ومن هذا المنطلق علينا أن ندرك خطر الإعلام وأهميته، ونعمل على مواكبة الأساليب المتطورة في هذا المجال ضمن حدود الشريعة الإسلامية؛ فنحن بحاجة إلى إعلام متوازن يعمل على التجديد في الأسلوب والطرح؛ ليكون أكثر قبولاً لدى مختلف الفئات في العالم الإسلامي الفسيح، ويفتح قلبه وبرامجه لكل قلم صادق مبدع، ويرعى كل موهبة متميزة في أي مجال من مجالات الإعلام.

وبرغم وجود مؤسسات إعلامية تؤدي عملها بتميّز وإخلاص واحتساب، إلا أن الساحة الإسلامية العالمية لا تزال بحاجة إلى مزيد من المنارات الوضاءة الصافية، التي تبث بين الناس كلمةً طيبة؛ أصلُها ثابت وفرعها في السماء، وتستمد نورها من الكتاب والسنة، داعية إلى تقوى الله وخشيته في السر والعلن، وملازمة العمل للعلم، مذكرة بقوله سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 77].

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك يا دكتور محمد على هذا المقال الرائع الذي يزخر بالأفكار النيَرة الهادفة ، و إضافتي المتواضعة هي :
    من رضي بالله ربَاً و بالإسلام ديناً و بمحمد صلى الله عليه وسلَم نبيَاً و رسولاً ، لا بدَ أن يدرك أن في عنقه رسالة هي أمانة يتوجب عليه حملها بقدر الاستطاعة من دون كلل أو ملل . حين يقول المرء خيراً أو يكتب الكلمات الطيبة أو يرشد أو ينصح أو يقوم بتعليم الناس أو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر ، ينبغي عليه أن يكون على بصيرة فيما يفعل و أن يجعل عمله خالصاً لوجه الله الكريم فإن قام بتحقيق ذلك فقد أصاب في حق نفسه و حق أمته و نال الأجر من الله على العمل المتقبل عنده ما سيعلم خبره يوم الحساب عندما توزن أعمال الناس و أحدنا يومئذ يتمنى أن يكون في ميزان حسناته ما يثقله كثيراً حتى تحصل له نتيجة (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) .
    في فضاء عالم الاتصال و التواصل الواسع ، لا توجد حرية لقول كلمة الحق المتعمقة الواعية إلا فيما ندر و لو قيلت هذه الكلمة فإن هنالك من يتابعها لإيقاع الأذى بمن قالها و أحياناً يقتصر رد فعل حشد الباطل على السبَ و الشتم , أحياناً يكون هنالك حظر على حسابات مواقع التواصل و أحياناً تمتنع مواقع – تزعم حب الوطن و محبة القدس و مقولة الرأي و الرأي الآخر – عن نشر أي تعليق أو تعقيب ورد من فلان و في هذا كشف عن تعليمات خارجية تقوم بتسيير تلك المواقع من وراء ستار .
    حين يكون محور أعمال أحدنا السعي لنيل رضوان الله ، فهو لن يهتم بالشاتمين و لا بمن يقومون بالحظر و لا بالممتنعين عن النشر لأن النيَة هي باتجاه الله لا باتجاه البشر .
    الواقع المزري لأمتنا في قمعستان (و هي تسمية الراحل نزار قباني للوطن العربي) فيه دافع هائل لكل مخلص أن يقول شيئاً أو يفعل شيئاً لإنقاذ هذه الأمة لكن الأعداء الحاقدين بالمرصاد و ستكون تعليماتهم لأدواتهم “التي يسميها البعض كلاب الحراسة” لتتحرك من أجل تشديد تكميم الأفواه و قهر الجماهير لإدامة بقاءها في حظيرة العبودية . لكن القانون الكوني يقول (( دوام الحال من المحال)) .
    على أن ما حصل في قمعستان منذ سنة 2011 من ربيع عربي تكالبت فيه قوى الشر على أمتنا من خلال دعم هائل للطغاة المستبدين و نفقات ضخمة على شراء الذمم و الثورات المضادة و إعادة تدوير للأراذل المتحكمين و رمي حجارة الشطرنج في هذه اللعبة الكاسرة ، كان في كل ما حصل الكشف و الفضح و سقوط النقاب عن الوجوه الغادرة المستترة من أدعياء مقاومة و علم و دين و إعلام . هذا أفاد بأن تمييز الخبيث من الطيب كان ضرورياً جداً للتغيير المستقبلي الايجابي المنشود . هذا لعمري هو من فضل الله الواسع علينا و هو فضل ينبغي أن نحمد الله و نشكره عليه عدد خلقه على الأقل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى