مقالات

الانتصارات في عالم الأحلام ؟

محمود الجاف

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب


كان سيدنا يعقوب يقف على الجبل ،ينظر إلى ولده يوسف وهو في السهل مُحاطا بعشرة ذئاب ، تألَّم لأنه شعر بالعجز عن انقاذه ولكن الارض انفرجت فجأة وغار فيها فتفرّقت عنه ، كان ذلك في عالم الرؤيا ، لهذا قال لأولاده (وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) عندما أرادوا أن يأخذوه معهم في عالم الواقع …

أحيانا تأخذنا الاحلام إلى عوالم مُختلفة ، المُغيبون في المُعتقلات مثلا تُحلقُ ارواحهُم بعيدًا عن أجسادهم في لقطات تُشبهُ لوحة فنية تُعبِّر عن الرغبات المكبوتة في اللا وعي؟يقول إيريك فروم : إن الاحلام لُغة مَنسية نتشاركها مُنذُ القِدَم ، انكبَّ عليها الفلاسفة قرونا عديدة في مُحاولة لتفسيرها . ودوَّنها ملوك بلاد ما بين النهرين على ألواح الشمع وبعد ألف عام وثقَ المصريون القدماء أكثر من مئة حُلُم .

قد تكون ذات فائدة عظيمة في التعامل مع المُشكلات التي تتطلب حلولًا كما جرى مع عالم الرياضيات ( دون نيومان ) الذي كان يعتصر ذهنه بحثًا عن حل لمسألة تؤرقهُ وفي إحدى الليالي رأى في المنام أنه كان يفكر فيها وظهر صديقه ( جون ناش ) فجأة وأخبره عن الحل ؛وعندما استيقظ من نومه حولها إلى ورقة بحثية نُشرت في إحدى الدوريات العلمية ، وفي أحلام اليقظة قد يلجأ الكثيرون إلى خيالهم كي يُحققوا إشباعاً لا يُمكنهُم تحقيقه في الواقع ، عالما افتراضيا يُحقق آماله واهدافه في عقله الباطن ؛ فالفقير يحلُم بالثراء والفاشل يتخيل الوصول إلى قمة المجد ، يلجأ معظم الناس إلى أحلام اليقظة أحيانًا ولكن الأسوياء سرعان ما يعودون إلى حياتهم الحقيقية ؛أما الاستغراق الشديد إلى درجة استنفاذ جزءًا كبيرًا من الطاقة النفسية فذلك يُؤدي إلى الإسراف فيها بشكل عصابي مرَضي قد ينتهي إلى العجز عن التمييز بين الواقع والخيال .
غير أن الأحلام في أحيان كثيرة قد تبدو غير مُترابطة بل تافهة !
تحققت الكثير من الأمنيات والتفسيرات المنطقية وبعض الحلول وكُتبت المسرحيات والقصائد الشعرية في الأحلام ، لكن لأول مرة نكتشف عند بعض العاجزين عن الرؤيا الدقيقة الواضحة أحلام التحرير التي تكررت مُنذ 2003 ومازالوا ويبدو انهم باقون على هذا الحال ؛ لأن شراء الأسلحة والتدريب عليها في العالم الافتراضي وتشكيل التنظيمات والجبهات وقراءة البيانات وتقدم الجيوش وقتل العملاء والحصول على تعاون الحكام والملوك أمر يسير جدًا وقابل للتحقيق بسرعة ؛لا بل الأدهى من ذلك هو انتظار المُساعدة من الذي استباح الأرض والعِرض بعد أن قبَّل القَدم ، وأبدى الندم ،على خطأهُ بحق الغَنم ، حتى أنهُم الان يبكون حُزنًا على حال شعبنا وارضنا وثرواتنا التي سُرقت وأولادنا الذين غُيبوا في غفلة من عقولنا التي نخرها الوهم ، أيها السادة : ( نحن لسنا غنم )
كذلك حكّام الأمة الذين ساعدوا وتصالحوا وتعاونوا مع ملالي الشرك والظلام ،وقريبًا يأخذون حصتهم من أحزانكم ويُباركون وقوعنا تحت الاحتلال الصفوي الجديد إلى ما شاء الله ، النكسة الكبرى التي وقَّعوا عليها وسيؤكدونها في بغداد التي كانت عربية ، لكنها تُردد الان تعويذات يزدجرد . فخورين بعقالهم الذي استقر على جماجمهم المرفوعة بكبرياء فارغ بعد أن صَمّوا آذانهم عن أنين المُسلمات اللواتي يعتليهنَّ الصفويون ليل نهار ، بل اعتلوا رجالهنَّ واولادهنَّ قبلهنَّ على التُراب الذي كان عربيًا طاهرًا يومًا من الايام …
هل تعلمون ماذا جرى للمُهجرين والمُهاجرين ؟
لماذا لم تفتح لنا المملكة العربية السعودية او غيرها معسكرات مثل رفحاء . ولم تتلقفنا أمريكا بصدرها الرحب وتمنحنا حنانها الديمقراطي الذي رأيناه على أصوله بعد الاحتلال ؟ …

لماذا لم يمنحنا حكام الامارات الإقامات الذهبية التي يهدونها إلى العاهرات على أطباق شهواتهم الحيوانية ؟ … تركوا العفيفات على طوابير الذل التي سقتهنَّ إياها دوائر الهجرة التي ترعاها الأمم المنحدرة إلى الرذيلة … تلك الدوائر التي تتباكى على حقوق الحيوانات وتضحك على بني البشر …
إن إحدى أهم الأسباب التي أدت إلى ما وصلنا اليه هي أحلامكم ،نعم احلامكم ايها المغفلون الغافلون وخيالكُم المريض وأكاذيبكُم التي اختلطت مع مشاعر الحُب ونيران الشهوة التي أيقظت فيكُم الحماسة وبددت التعاسة ورفعت نسبة الشراسة وجعلت منكم نوابغ ومُفكرين وباحثين في عالم السياسة . وأكثركم لايعرف ماهو الرشاش أين يقع ترباسه ؟ العراق ليس أفغانستان ونحن لسنا طالبان ، أخطأ من قاسها هكذا ، أو أخطأ مقياسه …
لم يخرج من بينهم صلاح الدين الأيوبي الذي مرّغ أنوف الصليبيين في الوحل ، ولا داست حوافر خيولهم كرامة المجوس في ذي قار والقادسيتين ،لا أحد في أفغانستان أمر بإعادة بناء قصر نبوخذ نصر بعد مضي حوالي 80 عامًا على تصوير فيلم ( لا تسامح ) الذي أخرجه عام 1916 الأميركي ديفد وارك غريفيث وصور فيه بابل على أنها تجسيد لكل الشرور في العقل الأميركي ، لقد قدم مؤرخو الكتاب المقدس الوقود الذي جعل من العراق بقعة لصناعة الشر بالاستناد إلى رؤية العهد القديم له . كما وصفها باحث ألماني بأنها دولة معادية لله وذات سمعة سيئة بين اليهود وأم البغايا والآثام ، لقد كانوا ينطلقون من أعماق قصص التوراة والتاريخ والأساطير ودراما الإسرائيليات القديمة التي كانت دائمًا ترى أن العراق عدو استراتيجيا وبوش الابن عندما أصبح رئيسًا سعى مع مُستشاريه نحو حملتهم الصليبية التي كان الصهاينة يقدمون فيها برامج التدريب للقوات الخاصة الأميركية عن الأساليب الوحشية التي يستخدمونها في قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
في كل مرة يخرج الناس عن طريق الهداية يبعث الله نبيًا أو رسولًا يعيدهم إلى جادة الصواب ، ولأن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الانبياء والمرسلين ، انتظروا وعد الله وتحقق عهده للمؤمنين بالنصر . ( المؤمنين ) الصادقين …
وحتى ذلك اليوم انتظروا القادم الأسْوأ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى