بحوث ودراسات

التقرير الإستراتيجي السوري (89) الثلاثاء 24 أغسطس 2021 شؤون أمنية

المرصد الاستراتيجي السوري

الإستراتيجية الأمنية الروسية تثير حفيظة دمشق 

صادق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع شهر يوليو الماضي على النسخة المعدلة لإستراتيجية الأمن القومي الروسي، ودخولها حيز التنفيذ، بعد إجراء تعديلات واسعة على الاستراتيجية السابقة التي تم تبنيها في عام 2015، وتتضمن عدة تعديلات أبرزها: “إزالة ومنع ظهور بؤر التوتر والصراعات”، معتبرة أن: “تصاعد التوتر في مناطق الصراع في فضاء ما بعد الاتحاد السوفياتي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان… يؤدي إلى إضعاف أنظمة الأمن العالمية والإقليمية”.

ووفقاً لمصدر أمني غربي (12 يوليو 2021)؛ فإن أجهزة الاستخبارات الروسية ستضطلع بدور أساسي في الاستراتيجية الأمنية الجديدة، وخاصة فيما يتعلق بالأمن السيبراني، والذي يستهدف التعامل مع: “العمليات السيبرانية والاستخبارات الإلكترونية وأمن المعلومات والتضليل وحملات التأثير الدولي”، مع الإشارة إلى العمليات في سوريا، والتي ترى الاستخبارات الروسية أن عملياتها تتعرض لحرب معلومات هناك.

وتتضمن الخطة مقاربة روسية لمعالجة “الأزمة السورية” تشمل حزمة من الملفات التي كان بوتين قد وضعها على طاولة لقائه بالرئيس الأمريكي جو بايدن في سويسرا (16 يونيو 2021)، وأبرزها ورقة “شرعية” بشار الأسد لمدة سبع سنوات مقبلة، حيث استبق ذلك الاجتماع بإيفاد وزير خارجيته سيرغي لافروف في جولة خليجية قدّم فيها تعهدات بإمكانية كسر الجمود في الملف السوري مقابل تعويم نظام الأسد، وأتبعها بجولة غير معلنة لمبعوثه الخاص ألكسندر لافرينتيف لعدة عواصم عربية، أكد فيها أن الانتخابات الرئاسية السورية ستكون: “مفصلية في مسار الأزمة السورية”.

وتوالت الأنباء، عقب ذلك، حول خطة يسوق لها الكرملين، وتتضمن فك العزلة عن دمشق، وتدشين حقبة جديدة من العلاقات الإقليمية والدولية. وتحدث تقرير نشره موقع “فورين بوليسي” عن انضمام مصر والأردن إلى الدول العربية التي طالما وقفت مع عودة النظام إلى الجامعة العربية، وعلى رأسها: لبنان، والسودان، والجزائر، والعراق، وعن اتخاذ بعض دول مجلس التعاون خطوات لإبعاد الأسد عن شراكته مع إيران نظير إخراجه من أزمته الاقتصادية، والتزامه بتنفيذ إجراءات إدارية تتضمن: “الحفاظ على وحدة الأراضي السورية مع استحداث بعض التغييرات داخل الحدود”، بحيث تمنح بعض المحافظات التي تضعف فيها سيطرته قدراً من الاستقلالية ضمن الدولة السورية، وعلى رأسها: إقليم الجزيرة، وإدلب، ودرعا، والسويداء. 

وأبدت واشنطن وتل أبيب موافقتهما على تلك الخطة من حيث المبدأ، حيث تبذل واشنطن أقصى جهدها لتأمين الدعم الإقليمي للوحدات الكردية ودفعها لإبرام توافقات مع نظام دمشق قبل مغادرة المنطقة، فيما تتفق تل أبيب مع بعض الدول العربية على ضرورة إضعاف الموقف التركي والإيراني في الشمال السوري.

إلا أن الجهود الروسية لتحقيق التوافق الدولي حول الخطة الجديدة لم تلاقِ قبولاً لدى النظام، الذي عبر عن قلقه من محاولة الكرملين اللعب على عدد من الأوراق التي تزعج دمشق، ومن ضمنها؛ دعم بعض التيارات السياسية المقربة منها في “المعارضة”، وإبراز عدد من الشخصيات التي شرعت في مهاجمة النظام من موسكو.

وتلقى النظام مقترحات موسكو بحساسية بالغة، مؤكداً (على لسان وزير خارجيته فيصل المقداد) أن الإصلاح السياسي سيأتي: “بالوتيرة والعمق الذي تحدده دمشق”.

وأسهمت أحداث درعا في تعميق الشرخ بين موسكو ودمشق، حيث تعالت الأصوات الناقدة للدور الروسي في دمشق، واتهم عضو مجلس الشعب، خالد العبود، روسيا بدعم الفرقة الثامنة التي كانت تداهم مواقع النظام خلال معارك درعا، وطالب: “بتوقف الأصدقاء الروس عن دعمهم لهؤلاء العناصر، الذين أضحوا أساسيّين في مشهد الفوضى، والاعتداء على استقرار الدولة والمجتمع”.

وفي المقابل، نشر رامي الشاعر، المستشار لدى وزارة الخارجية الروسية، في صحيفة “زافترا” الروسية مقالاً (أعاد موقع “روسيا اليوم” نشره فيما بعد) تحدث فيه عن استحالة فرض النظام السوري سيطرته على كامل الأراضي السورية، مؤكداً أن: “سلطات دمشق اليوم فاقدة لإمكانية فرض سلطتها ليس فقط في شمال شرق وغرب وجنوب سوريا، ولكن أيضاً في غالبية مناطق الساحل، وحتى في العديد من أحياء دمشق”، فيما استضافت وكالة “ريا نوفوستي” الروسية، رئيس “منصة موسكو” قدري جميل، في ندوة هاجم فيها النظام واعتبر أن الأزمة في سوريا، سببها الفساد المنتشر في بنية نظام الأسد لا العقوبات الغربية.

وفيما يؤكد مخالفة الكرملين للتوجهات الرسمية بدمشق؛ أوفد بوتين مبعوثه الخاص، ألكسندر زورين، لنقل رسائل طمأنة إلى دول الجوار مفادها أن: “الحل في درعا يكمن في تسوية سياسية وليس بعملية عسكرية، وهو ما لم تلتزم به قوات النظام”، وعبر زورين عبر عن استيائه من عدم استماع دمشق للمقترحات الروسية بضرورة التسوية واستبعاد الحل العسكري للدخول إلى درعا البلد، مؤكداً أن موسكو تعمل على احتواء الأزمة، وأنها لن ترسل قاذفاتها لدعم عمليات النظام، ومعتبراً أن الأحداث قد أثبتت لبشار الأسد هشاشة قواته وأنها غير قادرة على تحقيق أي تقدم يذكر.

وتحدث موقع “ستراتيجي بيج” عن قيام روسيا في الآونة الأخيرة بتطوير قاعدة حميميم الجوية، وتعزيز قاعدتها البحرية  في  طرطوس، وذلك بالتزامن مع  تنامي السخط الرسمي في دمشق من الدور الروسي، والذي دفع ببشار الأسد لإرسال مبعوث خاص من طرفه إلى واشنطن، لإبلاغ الإدارة الأمريكية باستعداده للعمل والتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة في شأن جميع القضايا التي تخصها في الشرق الأوسط، مقابل دعمه.

وجاء التأكيد على لسان المستشار في الخارجية الروسية، رامي الشاعر، والذي رأى أن عرض دمشق: “سيكون بمثابة قبلة الحياة مقابل تقديم 99 في المئة من أوراق اللعب لأمريكا، ومنحها القدرة على التحكم في الملف السوري بعيداً عن أي دور لروسيا أو لمجموعة دول مسار أستانا أو لأي من الجهود التي بذلت وما زالت تبذل من أجل حل الأزمة السورية من قبل هذه الدول”.

ووفقاً لمصادر مطلعة؛ فإن الجانب الأمريكي أبلغ الروس بإرسال الأسد مبعوثاً إلى واشنطن، وذلك في إطار اللقاءات التي تعقدها اللجنة الروسية-الأمريكية المشتركة حول الشرق الأوسط، والتي كان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن اتفقا على تشكيلها في اجتماعهما بجنيف (16 يونيو 2021) في إطار تشكيل لجان عدة متخصصة للحوار بين الدولتين، وقيل إن رسالة دمشق تضمنت تطمينات للأمريكان حول الوضع في جنوب سوريا، حيث تم التأكيد على رغبة النظام في ضمان أمن المنطقة مع “إسرائيل”، دون التعرض للوجود الإيراني هناك.

ورأى محللون أن تسريب موسكو نبأ إيفاد الأسد مبعوثاً إلى واشنطن، من أجل مقايضتها بقاء النظام بتأمين مصالحها، وضمان الأمن على الحدود مع إسرائيل: “لعب بالنار” من قبل بشار الأسد مع الرئيس بوتين، خاصة وأن رامي الشاعر، قد عاد ونشر مقالاً آخر في صحيفة “النهار” اللبنانية (18 أغسطس) شكك فيه بشرعية انتخاب الأسد، مؤكداً أنه: “لا يوجد أي بديل عن الانتقال السلمي بحسبما نص عليه قرار مجلس الأمن الرقم 2254، والتأكيد على تعديل الدستور، وتغيير النظام والرئيس، والاتفاق على نظام جديد وانتخاب رئيس على نحو ديمقراطي يحظى بتأييد غالبية السوريين عن طريق انتخابات حرة ديمقراطية، تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة. وتلك هي قناعة غالبية السوريين”.

الاستخبارات الباكستانية قلقة من الشيعة العائدين من سوريا

تحدث تقرير أمني غربي (27 يوليو 2021) عن قلق الاستخبارات الباكستانية من تبعات سحب إيران عدداً كبيراً من مقاتليها نتيجة انحسار العمليات القتالية في سوريا، وخاصة منهم عناصر ميلشيا: “زينبيون”، الذين قاتلوا  إلى جنب النظام منذ عام 2013. 

ووفقاً للتقرير فإن؛ وفداً من وزارة الداخلية الباكستانية وجهاز الاستخبارات (ISI) قد زار طهران، وقابل أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شامخاني، حيث تركزت المباحثات بين الطرفين حول مصير لواء “زينبيون” الذي تنوي إيران تسريح عناصره.

وحاول أعضاء الوفد معرفة نوايا إيران بشأن نحو سبعة آلاف عنصر باكستاني من الميلشيا المذكورة، منبهين إلى مخاطر عودة هذا العدد الكبير من المقاتلين الشيعة بصورة مفاجئة، وما يمكن أن يتسبب به من توتر طائفي في الدولة ذات الأغلبية السنية. 

وطمأن شمخاني الوفد الباكستاني أنه سيعمل على: “إيجاد حل مناسب بهدف عدم تقويض العلاقات الثنائية بين إيران وباكستان”، مقترحاً نقل العدد الأكبر منهم إلى اليمن للقتال إلى جانب المتمردين الحوثيين الشيعة الموالين لطهران، مقابل 300 إلى 500 دولار شهرياً، وهو الأمر الذي يرفضه معظم عناصر الميلشيا في الوقت الحالي.

كما دار الحديث عن إمكانية إعادة أعضاء الميلشيا إلى المراكز التي كانوا قد تدربوا فيها بإيران، وضمهم فيما بعد إلى قوات “الباسيج”، والتي يطلق عليها اسم: “قوات تعبئة الفقراء والمستضعفين”، أو ضمهم إلى قوات حرس الحدود، كما فعلت مع المقاتلين الأفغان بلواء “فاطميون”، والذين وعدتهم طهران بمنحهم الجنسية الإيرانية فيما بعد.

إلا أن تلك التطمينات لم تكن كافية لتهدئة مخاوف الوفد الباكستاني، حيث أكد مسؤولون في الاستخبارات الباكستانية، عودة نحو ألف عنصر من الميلشيا إلى باكستان بطرق سرية غير قانونية، وذلك بعد تراجع الطلب بشكل كبير على خدماتهم في سوريا، بفعل تغير ديناميات الصراع، وحالة الغموض الإيرانية حول مصير تلك الميلشيا، ما دفع بالأجهزة الأمنية الباكستانية لشن حملة مداهمة واسعة، أسفرت عن اعتقال نحو ثلاثمائة عنصر. 

وتتخوف الاستخبارات الباكستانية من إمكانية استخدام طهران عناصر الميلشيا المتطرفة للتدخل في الشؤون الداخلية لبلدهم، وشن حروب الوكالة نيابة عنهم.

وكان قسم مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية الباكستانية قد أعلن عن تفكيك خلية في ولاية البنجاب ضمت سبعة عناصر من ميلشيا “زينبيون” بتهمة التخطيط لاغتيال شخصيات سنية.

وتعكف الاستخبارات الباكستانية، بفرعيها: “مديرية الاستخبارات” و”الاستخبارات العسكرية”، على تنفيذ خطة تتضمن قطع الروابط بين عناصر الميلشيا العائدين إلى باكستان، ومشغليهم الإيرانيين، حيث تشير التوقعات إلى أن النظام الإيراني سيتمتع بنفوذ أكبر في باكستان من شأنه تغيير الموازين في المنطقة عقب انسحاب الجيش الأمريكي من أفغانستان.

ويدعم هذه التوقعات تولي إسماعيل قاآني قيادة “فيلق القدس”، وهو الذي ظل مسؤولاً لسنوات عن تجنيد مقاتلين للفيلق من أفغانستان وباكستان، ويولي اهتماماً خاصاً بتغذية النزاعات الطائفية في وسط آسيا لتحقيق أهداف “إيديولوجية”.

الاستخبارات الفرنسية تضطلع بأدوار جديدة في سوريا

في حكم قضائي غير مسبوق؛ شرَّعت محكمة الاستئناف الإدارية في باريس دور عملاء المخابرات الفرنسية في الكشف عن هوية الأفراد المرتبطين بالبرنامج الكيميائي السوري.

وأشار تقرير نشره موقع “إنتلجنس أون لاين” إلى تجميد أصول أحد المُدعى عليهم نتيجة علاقة شركته مع “المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية”، حيث قبلت المحكمة إدراج مذكرة للمخابرات الفرنسية (بمستوى تصنيف غير محدد) ضمن الأدلة التي قدمتها وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية، وصدر الحكم بفرض عقوبات مالية على المدعى عليه. 

وقدمت المذكرة تفاصيل حساسة حول علاقة الشركة الصينية (AK Smart Technology)، ومقرها لبنان، في توفير مادة “هيكسامين” و”أيزوبروبانول”، المستخدمتان في إنتاج “السارين” للنظام، من خلال فرعيها بباريس “سمارت بيغاسوس -غرين باور” و”لوميرية إيليزيه”، ما أدى إلى توجيه الاتهام إلى المُدَّعي عليه بالتورط -بشكل غير مباشر- في هجمات غاز السارين التي شنَّها النظام، بعد أن حاول الدفع بعدم مصداقية استخدام مذكرة استخباراتية كدليل بدلاً عن التحقيق التقليدي، إلا أن جهوده باءت بالفشل.

وكانت فرنسا والولايات المتحدة قد اتخذتا إجراءات منسقة لفرض عقوبات متزامنة على شركة (AK Smart Technology) التي كان يديرها المواطن السوري أمير هاشم قاطرجي عام 2018.

ووفقاً للتقرير؛ فإن الاستخبارات الخارجية الفرنسية تضطلع بدور بارز في جمع ومعالجة المعلومات حول شبكة الأسلحة الكيميائية لدى نظام بشار الأسد، والتي وصلت أطراف منها  إلى العاصمة الفرنسية. 

وبالإضافة إلى تزويد المحكمة الفرنسية بهذه المذكرة؛ أسهمت أجهزة المخابرات الفرنسية في التحقق من استخدام أسلحة كيميائية في سوريا، حيث قام جهاز “الاستخبارات الخارجية” بأخذ عينات من الغاز المستخدم في عدة هجمات كيميائية، وتعاون مع “إدارة المخابرات العسكرية” في تقييم الوضع قبل الضربات الفرنسية المستهدفة  للمنشآت الكيميائية السورية عام 2018، كما أسهم في التحقيقات التي جرت حول توجيه تهمة “تمويل الإرهاب” لشركة الإسمنت  “لافارج”.

وكانت ثلاث منظمات غير حكومية قد قدّمت شكوى أمام محكمة باريس بشأن “جرائم ضد الإنسانية” و”جرائم حرب” من أجل التحقيق في هجمات غاز السارين، التي وقعت في أغسطس 2013 بمدينة دوما والغوطة الشرقية قرب دمشق، والتي قتل فيها نحو 1400 شخص، وذلك في أعقاب شكوى سابقة تقدمت بها تلك المنظمات إلى المدعي العام الفدرالي الألماني في أكتوبر 2020، للتحقيق بشأن هجمات بغاز السارين في خان شيخون عام 2017.

رغم أزماتها الطاحنة؛ الاستخبارات اللبنانية تقوم بأدوار لصالح النظام

كشفت مصادر أمنية غربية عن زيارة قام بها مدير الأمن العام اللبناني “عباس إبراهيم” إلى موسكو في شهر يونيو الماضي، تباحث فيها مع نائب وزير الخارجية الروسي “سيرجي فيرشنين”، الذي يمثل موسكو في دورات مجلس الأمن الدولي بشأن مسألة عودة اللاجئين السوريين في لبنان، وتسليم المساعدات الإنسانية، وغيرها من القضايا المحورية في الملف السوري.

ووفقاً للتقرير؛ فقد قام “إبراهيم” بدور “الوسيط المثالي” بين واشنطن وموسكو باعتباره المسؤول عن الشؤون السورية في بيروت، حيث تمثل عودة نحو مليون ونصف لاجئ سوري في لبنان إلى بلادهم أولوية لدى موسكو.

وأبدى المسؤولون الروس لإبراهيم رغبتهم في تشكيل حكومة لبنانية تحقق الاستقرار للبنان نظراً لتأثيره على سوريا المجاورة، وتحدثوا عن لقاءات جمعتهم بعدد من الشخصيات اللبنانية البارزة في الأشهر الأخيرة، مثل الرئيس ميشيل عون، وصهره جبران باسيل، ووليد جنبلاط.

كما لاحظ التقرير (7 يوليو 2021) أن السلطات اللبنانية لم تُثر المشكلة المتعلقة بدخول شركة “كابيتال” الروسية في سوق الطاقة السوري، وما يمكن أن يسببه ذلك من نزاع حدودي، ما يسلط الضوء على تزايد القبول بالروس وسط النخب اللبنانية، إذ لا تبدو سلطات بيروت قلقة من حقيقة أن  التنقيب في (البلوك رقم 1) ينتهك المياه الإقليمية اللبنانية، بل بحث وزير الخارجية اللبناني الأسبق شربل وهبي الأمر بهدوء مع السفير الروسي في لبنان، ألكسندر زاسبكين، فيما آثر الرئيس ميشيل عون تأجيل إثارة قضية المياه الإقليمية رغم حساسيتها.

ورأى التقرير أن “التقاعس” اللبناني في مواجهة الانتهاك الروسي للمياه الإقليمية اللبنانية يعكس رغبة الطبقة السياسية في بيروت بمشاركة موسكو في دعم اقتصاد البلاد، إذ يمكن لروسيا أن تقدم للبنان دعماً غير مشروط بأية إصلاحات تمس حكم عون.

وكانت الخارجية الروسية قد استضافت وفوداً لكل من: “حزب الله” بقيادة النائب محمد رعد، وسعد الحريري، وزعيم التيار الوطني الحر، جبران باسيل، وبدا جميعهم راغبين بالانفتاح على موسكو لإنقاذ البلد المفلس دون فرض شروط أساسية كما تفعل الدول الغربية.

وبناء على تلك اللقاءات؛ أرسلت موسكو وفداً من المسؤولين ورجال الأعمال الروس إلى بيروت (28 يونيو) لإجراء تقييم تقني لميناء بيروت، قبل كشفهم عن خطة إعادة إعمار مستقبلية من المرجح أن تنافس مشروع المجموعة الفرنسية “إس إم إيه سيجما” الطموحة. 

كما تدرس روسيا إعادة تأهيل مصفاتين نفطيتين في لبنان، إحداهما في طرابلس والأخرى في الزهراني جنوب البلاد.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وافقت (20 أغسطس) على منح لبنان استثناءً لاستجرار الكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، على أن تتم العملية عبر استيراد الغاز المصري للأردن لتشغيل الخط وتزويد لبنان بالكهرباء والغاز.

وقالت الرئاسة اللبنانية إن الرئيس ميشيل عون تلقى اتصالا من السفيرة الأميركية في لبنان، دوروثي شيا، أبلغته أن واشنطن ستعمل على مساعدة لبنان لمواجهة المشكلة الكهربائية.

وتملك سوريا شبكة كهربائية واسعة مع الأردن تم تشييدها بتمويل من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لربط الكهرباء بين مصر والأردن بتكلفة بلغت 145 مليون دولار، ولا تزال الشبكة قائمة بين البلدان الثلاث ولم تتأثر بالمجريات العسكرية التي حصلت، إذ لا يزال الربط الكهربائي بين الأردن وسوريا موجوداً، ما يعني أن البنية التحتية لاستجرار الكهرباء قائمة ومتوفرة، ويرغب النظام السوري باستغلال حاجة لبنان للكهرباء لفتح خطوط اتصال مع دول الجوار، بالإضافة إلى الإسهام في تخفيف جزء من مشكلاته الاقتصادية والخدمية.

ويتوقع أن يفتح تزويد لبنان بالكهرباء المجال لربط الدول الأربع (سوريا، ومصر، والأردن، ولبنان) بخط كهربائي، ما يتيح بدوره مجال الاستفادة للنظام عبر فرض ضرائب أو الحصول على جزء يتم الاتفاق عليه بين سوريا والأردن.

ويطرح ذلك إشارة استفهام على الدور الأميركي لترتيب المنطقة، وفق رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار ما كان يتم الحديث عنه حول تأهيل النظام السوري، حيث يسود الاعتقاد أن الصمت الأمريكي والأردني إزاء أحداث درعا ناتج عن محاولة النظام (بموافقة أمريكية-دولية) التخلص من العقبات التي تقف أمام انطلاق الخطوة الجديدة، خاصة وأن الأطراف الموجودة في درعا وباقي الأراضي السورية تثير القلق حول مستقبل المشروع.

وأكدت مصادر رسمية بوزارة النفط في دمشق أن مسألة استجرار الكهرباء طُرحت في لقاءات تقنية بين الأردن وسوريا، وأن النظام أبدى رغبة في تقديم المساعدة مشترطاً حصوله على جزء من الكهرباء الذي سيتم العمل على استجراره من الأردن، والذي طلب بدوره موافقة واشنطن على ذلك.

وكان الملك عبد الله الثاني قد حثّ الرئيس الأمريكي جو بايدن على الانضمام لفريق عمل للمساعدة في استقرار سوريا، بعد “حربها الأهلية الكارثية”، بحسب صحيفة “واشنطن بوست”، وذلك بهدف جمع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإسرائيل والأردن، ودول أخرى لم تُحددها الصحيفة، للاتفاق على خارطة طريق لاستعادة “سيادة سوريا ووحدة أراضيها”.

وعلى الرغم من الحماس الذي أبداه رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، لهذا المشروع، إلا أنه لم يقدم دعوة رسمية إلى بشار الأسد لحضور مؤتمر قمة بغداد المرتقبة، وذلك: “نظراً لاشتراط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عدم دعوة الأسد إلى بغداد، فهو يرفض الجلوس معه”، مشيراً إلى أن “الحكومة العراقية اتفقت مع ماكرون في رأيه بعدم إحراج بقية القادة” الذين يرغبون بالحضور.

الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يثير قلق “قسد” من سيناريو شبيه

قالت رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية “مسد”، إلهام أحمد، أن أمريكا قد تسحب قواتها من المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، شمال شرقي سوريا، محذرة من أن: “انسحاب الأمريكيين من سوريا سيؤثر على إستراتيجيتهم في الشرق الأوسط ككل”.

وربطت أحمد موعد انسحاب القوات الأمريكية بقدرة السوريين على الجلوس مع بعضهم والتوصل إلى اتفاق، مشيرة إلى أن الاعتراف بـالإدارة الذاتية سيكون سبباً في تغيير الدستور السوري، ومؤكدة أن: “الأمريكيين لا يمنعونا بل يشجعونا على الحوار مع الحكومة السورية، مثل الروس، خاصة بعد التعاون الأمريكي-الروسي في الفترة الأخيرة الذي يسعى لحل الأزمة السورية”

وأفادت مصادر مطلعة بإمكانية انسحاب القوات الأمريكية من المناطق الخاضعة لسيطرة قوات “قسد” لتدخل مكانها قوات دولة عربية، وتفعيل الحوار بينها وبين النظام. ووفقاً لتقرير أمني غربي (26 يوليو) فإن “قسد” تتعرض لضغوط كبيرة من موسكو لاستئناف المفاوضات مع النظام، وبعد أن أعيتهم محاولات إقناع واشنطن بإبقاء قواتها في سوريا؛ توجهت أنظارهم في الآونة الأخيرة نحو الرئيس الفرنسي، على الرغم من أنه من غير المرجح أن تقدم باريس أكثر من دعم رمزي.

ووفقاً للتقرير؛ فقد التقى ممثلو “الإدارة الذاتية” بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه (19 يوليو) بعد فترة طويلة من التحضير، وذلك ضمن حملة ضخمة تقوم بها “قسد” لكسب الاعتراف بإدارتها. 

وتحافظ وزارة الخارجية الفرنسية على علاقاتها بالأكراد، حيث يقوم “مركز الأزمات” التابع للوزارة، باتصالات مباشرة مع السلطات الكردية شمال شرق سوريا، وقدم لهم نحو 100 مليون يورو.

وضم الوفد الكردي لباريس، إلهام أحمد وبريفان خالد، الرئيسين المشاركين للسلطة التنفيذية، و”مسد”، وغسان اليوسف، رئيس الإدارة المدنية بدير الزور، حيث أعربت نائبة حزب “الجمهورية إلى الأمام” الذي أسسه ماكرون عن دعمها القوي للاعتراف بالإدارة الكردية في سوريا.

كما أقام قادة “مسد” اتصالات مع السفير الفنلندي لدى الأمم المتحدة جوسي تانر، الذي أرسلت بلاده أفراد من قواتها الخاصة إلى شمال شرق سوريا إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة.

تقارب عر بي مع طهران… ودمشق

يدور الحديث في الأسابيع الماضية عن دبلوماسية عربية مكثفة تجري خلف الكواليس مع إيران، حيث أشار تقرير نشره موقع “فورين أفيرز” عن وساطة غير معلنة يقوم بها رئيس الوزراء العراقي بين طهران والرياض (3 أغسطس 2021)، وذلك بالتزامن مع تأكيد تقرير أمني غربي إجراء المخابرات المصرية محادثات مع طهران “وراء الكواليس” بشأن حماية المصالح المصرية في العراق، مؤكداً أن: “المخابرات العامة المصرية تتفاوض بشأن كل خطوة مع طهران”، حيث يُبدي رئيس المخابرات العامة المصرية، عباس كامل، حرصاً كبيراً على ضمان عدم تصادم طموحات مصر الدبلوماسية في العراق مع المصالح الإيرانية في البلاد.

وعشية زيارة الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بغداد (27 يونيو) للقاء رئيس الحكومة العراقي، مصطفى الكاظمي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، التقى مسؤولون في المخابرات العامة المصرية مع مسؤولين رفيعي المستوى من وزارة الاستخبارات والأمن الوطني الإيرانية، بقيادة رئيس مكتب رعاية المصالح الإيرانية في القاهرة، السفير ناصر كنعاني، حيث أكد كامل على أهمية سلامة الشركات المصرية في العراق، فيما يُعد رسالة ضمنية إلى الحكومة الإيرانية لإبقاء وكلائها بعيداً عن المصالح المصرية.

وتضمنت المباحثات؛ المسائل المتعلقة بالملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والهجمات ضد المواقع السعودية، وسبل وقف القتال في اليمن. وخلُص الوفدان إلى ضرورة الاجتماع بانتظام على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين.

وأشار التقرير إلى أن الاتصالات بين جهازي المخابرات العامة المصرية والاستخبارات الإيرانية، قد تمت بوساطة من مدير مكتب الأمن القومي في دمشق اللواء علي مملوك، والذي يقيم علاقات وطيدة مع الأجهزة الأمنية بالقاهرة منذ عام 2018، حيث سافر إلى القاهرة مرتين لإقناع كامل بالدخول في محادثات مباشرة مع إيران.

وأشار التقرير إلى قيام اتصالات رديفة بين المخابرات العامة السعودية مع مسؤولين إيرانيين في بغداد، في حين تحرص القاهرة على إطلاع حليفتها الرياض بتطورات علاقاتها مع طهران.

ويُمنّي النظام السوري نفسه بتحقيق مكاسب من تنامي العلاقات العربية الإيرانية، ففي أعقاب ترؤس وزير السياحة، رامي مارتيني، وفداً من النظام إلى الرياض لحضور الاجتماع السابع والأربعين للجنة الإقليمية لمنظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، أعلنت الخطوط الجوية السورية استئناف الرحلات المباشرة إلى دبي (3 يوليو)، بعد استئناف رحلات الناقل السوري الرئيسي إلى أبوظبي.

وتراقب دول الخليج عن كثب ردة فعل الإدارة الأمريكية إزاء وساطة الملك عبد الله الثاني، وموقف واشنطن من القمة المرتقبة في بغداد، وذلك بالتزامن مع اتخاذ العديد من الدول الغربية إجراءات لتخفيف العقوبات المفروضة على النظام في الأشهر الماضية. 

وتظهر ملامح التطبيع الأخيرة من خلال تخفيف العقوبات الغربية المفروضة على رجال الأعمال المرتبطين بالنظام، حيث اتخذ “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” الأمريكي في شهر يونيو خطوة مفاجئة بإزالة شركتين مملوكتين لأفراد من عائلة سامر فوز من قائمة الكيانات الخاضعة للعقوبات.

وفي شهر أغسطس الجاري؛  كشفت صحيفة “تلغراف” عن إصدار الخزانة البريطانية قراراً يقضي برفع اسم رجل الأعمال، طريف الأخرس، من قائمة العقوبات ووقف تجميد أصوله، من دون الكشف عن خلفيات هذا القرار، وهي المرة الأولى التي تشطب فيها الحكومة البريطانية اسم فرد من قائمة العقوبات المفروضة بموجب التشريع الجديد الذي أقرته بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي للحفاظ على العقوبات ضد شخصيات مرتبطة بنظام الأسد.

في هذه الأثناء؛ يدور الحديث عن تنامي نفوذ رجل الأعمال، حسام قاطرجي، بدعم من موسكو التي وافقت على قيامه بتشغيل حقلين نفطيين في دير الزور ، مع تعزيز تجارته مع “قسد”، وترسيخ مكانته في حلب.

وكان قاطرجي قد حصل في شهر يوليو الماضي على عقد تشغيل حقلي “التيم” و”الورد” في دير الزور، كما حصل على عقد قيمته 23 مليون دولار من النظام لتجديد مصفاة النفط في حمص بمشاركة روسية، حيث حضر ممثلون عن الكرملين التوقيع الرسمي في مطار دير الزور، ويعمل في هذه الأثناء على تعزيز نفوذه في حلب، حيث تنشط الميلشيات التابعة له بدعم روسي.

التدهور الاقتصادي يعصف بمناطق سيطرة النظام

أثار قرار محافظ دمشق، عادل العلبي (12 أغسطس)، جدلاً في دمشق، بعدما قرر إقفال الأسواق التجارية عند الساعة الثامنة ليلاً، وذلك نتيجة أزمة الكهرباء، ما دفع بالتجار لتقديم عريضة عبر غرفة تجارة العاصمة السورية، للاعتراض على القرار دون تلقي أي رد. 

وكشف رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، عبد الله نصر، أن: “قرار إغلاق المحال في وقت محدد هدفه توفير الكهرباء”، وذلك على شاكلة قرارات مشابهة بتحديد أوقات عمل الفعاليات التجارية في كل من حلب، اللاذقية، طرطوس، ودير الزور.

وتزامنت تلك الإجراءات مع إصدار وزارة الصحة قراراً برفع أسعار الأدوية بنسب وصلت إلى نحو 50 بالمائة، ونقل عن “مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة السورية” قولها إن: “اللجنة الفنية العليا للدواء قررت في جلستها اليوم تعديل أسعار الدواء، حيث أرفقت قوائم تضم 11,819 صنفاً دوائياً تم رفع سعره”.
وكانت وزارة صحة النظام قد رفعت في عام 2020 أسعار الأدوية بنسب وصلت في بعض الأصناف إلى 500%، فيما تأتي الزيادة الجديدة لمواجهة نقص عشرات الأصناف في الصيدليات السورية، ما تسبب بعجز تأمينها في ظل الأوضاع المعيشية الكارثية.

وأصدرت كل من؛ وزارة الداخلية، وحماية المستهلك، ومحافظة دمشق، قرارات برفع أسعار الخبز السياحي والصمون والكعك وخبز النخالة في مدينة دمشق، حيث ارتفع سعر كيلو خبز السمون القاسي 50 ليرة سورية، تحت ذريعة “الحصار الأمريكي” وما سببه من صعوبات في توفير المواد الغذائية الأساسية وشحنها وتسديد قيمتها وارتفاع تكاليفها.

ويأتي رفع الأسعار هذا للمرة الثالثة خلال أقل من عام، بعد أن تم رفع أسعارها في شهر أكتوبر 2020، وشهر مارس 2021، على الرغم من تصريحات سابقة لمسؤولي النظام بأن مادة الخبز خط أحمر ولا يمكن المساس بها.

وأسفرت تلك الإجراءات عن احتجاجات شعبية، كان أبرزها في مدينة جبلة التي شهدت (12 أغسطس) مظاهرات تخللها قطع للطرقات عن طريق إحراق الإطارات المطاطية في المدينة احتجاجاً على عدم توفر مادة الخبز في أفران المدينة، بعد البدء بتطبيق آلية “توطين الخبز” مع بداية شهر أغسطس الجاري في عدة محافظات منها مدينة اللاذقية.

وتفاجأ أهالي قرية “ديرين” في ريف جبلة، بعدم استطاعتهم الحصول على مخصصاتهم من الخبز من فرن القرية، إذ أن بطاقاتهم “الذكية” لم تعمل على الجهاز المخصص لها، ما أثار غضبهم نتيجة وجود كميات كبيرة من الخبز في الفرن، لكن من دون استطاعتهم الحصول عليها.

وفي اليوم ذاته (12 أغسطس)، أعلن الرئيس التنفيذي لمجموعة (MTN)، رالف موبيتا، أن مشغل الاتصالات الجنوب إفريقي سيخرج من سوريا، لأن: “العمل هناك أصبح غير محتمل”.

 وأسفر الجفاف الذي تشهده سوريا عن الإطاحة بشعار “عام القمح” الذي أطلقه النظام، على أمل توفير إنتاج كاف يقلل من تكلفة استيراده. وكان تقرير لوكالة “رويترز” قد حذر من أن تراجع مستوى هطول الأمطار جعل البلاد أمام مخاطرة كبيرة، تتضمن اضطرارها لاستيراد نحو مليون ونصف طن من القمح، ما يعني زيادة الضغط على اقتصاد النظام.

ولا يزال نحو 70 بالمائة من إنتاج القمح خارج سيطرة النظام، في مناطق “قسد”، والتي لا تتوقع بدورها أن تجني من القمح هذه السنة سوى نصف الكمية التي جنتها العام الماضي نظراً لشح الأمطار وانخفاض منسوب مياه نهر الفرات.

في هذه الأثناء؛ يعاني أهالي محافظة حمص من ارتفاع أسعار الخضار والفواكه نتيجة تهريبها إلى لبنان عبر وكلاء لميلشيا “حزب الله”، حيث تُعتبر محافظة حمص الطريق الرئيس لعبور البضائع عبر الحدود إلى لبنان بشكل غير شرعي، بتنسيق أمني بين شبكات الحزب التي تشرف على توزيع البضائع في لبنان، وعناصر من “الفرقة الرابعة” التي تعمل على تأمين عمليات تهريب الخضار والفواكه في سوريا.

كما عانى المزارعون في محافظة درعا من ارتفاع أسعار التبن، ما أدى إلى خسائر كبيرة لمربي المواشي، حيث ارتفع سعر كومة التبن إلى 45 ألف ليرة سورية (نحو 14 دولار أمريكي)، مقابل 5000 ليرة سورية (1,56 دولار) خلال موسم الحصاد السابق.

وكشفت دراسة مسحية أعدها “مركز السياسات وبحوث العمليات الاقتصادية” أن أكثر من نصف سكان العاصمة دمشق يعيشون تحت خط الفقر، وأن الغالبية منهم تعتمد على مصدرين أو ثلاثة مصادر للدخل حتى يتمكنوا من تأمين احتياجاتهم الرئيسة، بالتزامن مع تنامي اعتماد السكان على مساعدات الآخرين، حيث تمثل التحويلات من الأصدقاء والأقارب في الخارج مصدراً رئيساً للدخل.

ونتج عن ذلك التدهور انتشار ظاهرة الدين بالفائدة في سوريا، حيث يتم استغلال حاجة الناس لعرض مبالغ مالية صغيرة عليهم كديون، مقابل فائدة مرتفعة تصل إلى 6-10% شهرياً، مقابل ضمانات تصل إلى وضع إشارة رهن على منزل أو سيارة. بالإضافة إلى ارتفاع جرائم القتل والانتحار في مناطق سيطرة النظام خلال شهر يوليو الماضي، حيث أكد المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي، زاهر حجو، تسجيل 20 وفية بسبب جرائم القتل، و39 حالة وفاة نتيجة حوادث السير، و12 حالة انتحار.

تطورات عسكرية

قلق في تل أبيب من تحول الموقف الروسي

قُتل أربعة عناصر على الأقل من ميلشيا “حزب الله” اللبناني في غارات إسرائيلية (19 أغسطس) على منطقة “قارة” القريبة من الحدود اللبنانية، وذلك عقب يومين من هجوم جوي-مدفعي مزدوج (17 أغسطس) على أطراف بلدة “حضر” في القنيطرة بالجولان، وأعقب ذلك إلقاء طائرات إسرائيلية منشورات فوق مواقع النظام السوري، حذرت فيها من التعامل مع “حزب الله”.

وفي ظل ترقب الموقف الروسي إزاء القصف الأخير؛ تحدثت مصادر عبرية عن تحولٍ في موقف موسكو، التي يبدو أنها لم تعد تنوي غض النظر عن القصف الإسرائيلي المنتظم لمواقع النظام، حيث زود الجيش الروسي قوات النظام بمعدات عسكرية أكثر تطوراً حتى يكون لديه القدرة على صد الهجمات الإسرائيلية. 

وتخشى تل أبيب من توجه موسكو لوقف العمليات التي يشنها سلاح الجو الإسرائيلي بعد التواصل مع المسؤولين في إدارة بايدن، حيث تركت المفاوضات الروسية-الأمريكية انطباعات لدى موسكو بأن البيت الأبيض لا يوافق على حجم وكثافة العمليات الإسرائيلية في سوريا.

ويبدو أن بوتين يرى الفرصة مواتية لوقف تلك الهجمات من خلال الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي يقال إنها أبعد بكثير عن الكرملين من حكومة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو.

وكان اعتراض منظومات دفاعية روسية صواريخ أطلقتها مقاتلات (F-16) باتجاه الأراضي السورية في شهر يوليو قد أثار دهشة تل أبيب، حيث تمكنت منظومات (SA-17) و(SA-22) الروسية من اعتراض معظم  الصواريخ الإسرائيلية، في رسالة قيل إنها تهدف إلى تقليص العمليات الإسرائيلية في سوريا.

ونشر موقع “ألمونيتور” تقريراً (3 أغسطس) تناول إمكانية تراجع التنسيق الروسي-الإسرائيلي في عهد رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، في ظل حديث مواقع روسية عن إجراء تدريبات لجيش النظام للحماية من الغارات الجوية الإسرائيلية، وأن دمشق ستتلقى قريباً أنظمة دفاع جوي إضافية من موسكو، بهدف إغلاق المجال الجوي السوري أمام الغارات الإسرائيلية.

ورأى التقرير أن الكرملين على وشك إعادة النظر في توجهاته نحو تل أبيب، من أجل الضغط عليها لقبول قواعد جديدة للعبة الإقليمية، حيث ترى مصادر عسكرية في موسكو أن الحكومة الإسرائيلية الجديدة تفتقر إلى الخبرة اللازمة لبناء إستراتيجية اتصال فعالة مع الروس، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة أقل حماساً إزاء العمليات الإسرائيلية في سوريا. 

ويرغب الكرملين في تدشين مرحلة جديدة في سوريا عقب الانتخابات الرئاسية، تتمثل في دفع المستثمرين الروس وشركات النقل الأجنبية لبناء محطة جديدة في مطار دمشق، بالإضافة إلى الاستثمار في قطاعات الطاقة والموانئ والنقل البحري، ما يفرض عليها وقف العمليات الإسرائيلية عبر إنشاء شبكة دفاعات جوية، وغض الطرف عن نية إيران تزويد دمشق بصواريخ إيرانية من طراز ( (Khordad-3و(Bavar-373)، وتكثيف تدريب أطقم الدفاع الجوي للحد من الضربات الجوية الإسرائيلية بهدف انتزاع تعهدات من بينيت لتنسيق الإجراءات الإسرائيلية مع الجيش الروسي.

وكانت وزارة الدفاع الروسية قد تحدثت عن إسقاط “سبعة من ثمانية صواريخ موجهة” أطلقتها طائرات (F-16) الإسرائيلية يوم 19 يوليو، وتدمير “جميع الصواريخ” في الغارة الثانية (20 يوليو)، وأتبعتها ببيان نددت فيه بما أسمته “الهجمات المستمرة على السيادة السورية”.

وتحدث مصدر أمني إسرائيلي (24 يوليو) عن تلقي: “موسكو تأكيدات بأن واشنطن لا ترحب باستمرار الغارات الإسرائيلية”، ما يعكس تغيراً في وجهة نظر موسكو إزاء تلك الهجمات.

وأكدت صحيفة “هآرتس” أن: “تشويش الدفاعات الروسية في سوريا على هجوم إسرائيلي هناك، وانتقاد سلوك تل أبيب في المنطقة، الذي تمت مناقشته بين موسكو وواشنطن، فاجأت جهاز الأمن الإسرائيلي”، فيما علقت مصادر “الليكود” على الحدث بأن: “روسيا تعمل على تقييد حرية حركة الجيش الإسرائيلي في سماء سوريا، وقد حافظنا على حرية عمل في سوريا بفضل العلاقات الوثيقة بين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإذا صح ما نشر، فإن الحكومة الفاشلة فقدت ذخراً إستراتيجياً حيوياً آخر؛ استفادت منه إسرائيل في فترة حكومة نتنياهو”. 

وعلق  الحاخام الأكبر لموسكو (وهو أيضاً رئيس مؤتمر الحاخامات الأوروبيين، ولديه اتصالات قوية في تل أبيب)، بنشاس غولدشميت، على تلك التطورات بقوله: “إن التوصل إلى اتفاق سيكون تحدياً إلى أن يبني رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد علاقات شخصية مع بوتين”.

درعا تربك الحسابات الإقليمية والدولية

لا تزال المفاوضات متعثرة بين اللجنة الممثلة لأهالي درعا البلد، وبين الوفد الذي يضم ضباطاً روس وآخرين من قوات النظام، مع استمرار رفض خريطة الحل التي عرضتها موسكو مؤخراً بعد مرور أكثر من خمسين يوماً على الحصار.

وفيما يعمل الإيرانيون على إفساد فرص قيام تفاهمات غربية-روسية حول درعا، يعكف النظام على تفكيك اتفاق الجنوب الذي رعاه كل من الروس والأمريكيين والأردنيين، حيث يلتزم “الرعاة” الأمريكيون والأردنيون الصمت، ويبدون عدم الاكتراث للاتفاق الذي يحمل توقيعهما، ما حوّل المفاوضات بين النظام وأهالي درعا إلى تفاوض محلي، من دون بعد إقليمي أو دولي، لكن ذلك لم يخفف من بواعث القلق لدى الدول العربية والغربية من إمكانية زيادة الدور الإيراني في جنوب سوريا إذا انهار اتفاق الجنوب تحت ضربات “الفرقة الرابعة” وحلفائها.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وافقت (20 أغسطس) على منح لبنان استثناءً لاستجرار الكهرباء من الأردن عبر الأراضي السورية، على أن تتم العملية عبر استيراد الغاز المصري للأردن لتشغيل الخط وتزويد لبنان بالكهرباء والغاز، حيث تملك سوريا شبكة كهربائية واسعة مع الأردن، وهنالك رغبة عربية بتمكين النظام من استغلال حاجة لبنان للكهرباء بهدف فتح خطوط التعاون والتطبيع الاقتصادي مع دمشق.

ويطرح ذلك إشارة استفهام على الدور الأميركي لترتيب المنطقة، وفق رؤية جديدة تأخذ بعين الاعتبار ما كان يتم الحديث عنه حول تأهيل النظام السوري، حيث يسود الاعتقاد أن الصمت الأمريكي والأردني إزاء أحداث درعا ناتج عن محاولة النظام (بموافقة أمريكية-دولية) للتخلص من العقبات التي تقف أمام إطلاق الخطوة الجديدة، خاصة وأن الأطراف “المتمردة” في درعا وباقي الأراضي السورية تثير القلق حول مستقبل المشروع.

ويشارك “الفرقة الرابعة” في عملياتها ضد درعا البلد مجموعة من الميلشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها: “اللواء 313″ التابع للحرس الثوري الإيراني، و”كتائب الرضوان” التابعة لميلشيا “حزب الله”، ومتطوعين من ميلشيات؛ “لواء الـباقر”، و”قوات أسود العراق”، و”قوات الحرس القومي”، و”كتيبة الفوعة”، و”كتيبة الزهراء”، و”كتيبة العباس”، و”كتيبة شهيد المحراب”، و”حزب الله السوري”، إضافة لنحو خمسة عشر ميلشيا محلية من محافظتي حلب ودير الزور.

وتحدثت مصادر مطلعة عن دخول مجموعة “الحاج نبهان”، القيادي في ميلشيا “فوج الرسول الأعظم” محافظة درعا، بالإضافة إلى ميلشيا عراقية تابعة “للواء30” في صفوف “الحشد الشيعي” العراقي، والتي أرسلت رتلاً من نقاط تمركزها بمحافظة حلب للمشاركة في معارك درعا، وذلك بالتزامن مع نقل الحرس الثوري الإيراني شحنة كبيرة من الأسلحة والذخائر والعديد من الصواريخ من منطقة جنوب دمشق باتجاه محافظة درعا، وتضمنت الشحنة؛ أسلحة وذخائر، وشاحنة “زيل” كبيرة محملة بقرابة 120 صاروخاً، 30 منها قصير المدى، و40 متوسط المدى، و50 صاروخاً محليا من نوع “كاتيوشا”، بالإضافة لعدد من منصات الإطلاق الخاصة بهم، حيث تم نقلها من أحد المستودعات بمدينة “السيدة زينب” باتجاه “درعا البلد”، وبرفقتها عدد من السيارات رباعية الدفع مزودة بمضادات طيران ورشاشات ثقيلة وأكثر من 70 عنصراً من جنسيات عراقية وإيرانية ولبنانية.

ورأى محللون أن وقوف موسكو، طوال الأسابيع الماضية، موقف المتفرج إزاء زج الميلشيات الإيرانية في ريف درعا الشمالي كان يهدف إلى توجيه رسالة غير مباشرة لكل من تل أبيب وواشنطن بعدم تجاهلها في الترتيبات التي تتم بمنأى عنها. 

وتعمل موسكو على إدارة مفاوضات طويلة الأمد بين مختلف الأطراف، راضية بلعب دور الوسيط الذي يغذي الصراع ليعزز مكاسبه ويحافظ على نفوذه، وذلك من خلال التغاضي عن تمدد الحرس الثوري و”حزب الله” في المحافظات الجنوبية، وبذل التعهدات “الكاذبة” لعمّان وللدول العربية بوقف المدّ الإيراني مقابل تطبيع العلاقة مع دمشق.

وعلى الرغم من الحشود العسكرية وتصعيد الموقف الميداني؛ إلا أن سائر القوى المتصارعة لا تبدو راغبة في التورط بحرب مفتوحة، وقد أثبتت الأحداث أن موسكو لا ترغب في استخدام سلاح الطيران، وأن عمّان غير مستعدة لاستقبال موجة جديدة من النازحين، وأن تل أبيب لن ترضى بمعركة مفتوحة على تخومها، ولذلك فإن الأمور تتجه نحو التهدئة العسكرية والاستمرار في استنزاف أطراف الصراع.

بعد درعا… السويداء تغلي

نزحت عشرات العائلات من ريف درعا الشرقي إلى السهول والأراضي الزراعية في ريف السويداء، إثر العمليات العسكرية المستمرة لقوات النظام، والتي استهدفت منازل المدنيين في قرية “ناحتة”، ما دفع بنحو 300 مدني من سكان البلدة للنزوح باتجاه السهول والأراضي الزراعية والمزارع، الواقعة غرب قرية “صما الهنيدات” في ريف السويداء الغربي، خوفاً على حياتهم وحياة أطفالهم، خاصة وأن القذائف استهدفت القرية بشكل عشوائي.

وتخشى مصادر مطلعة من حدوث موجة نزوح لسكان درعا باتجاه محافظة السويداء، في حال تصاعدت العمليات العسكرية في محافظة درعا، وذلك بالتزامن مع استمرار التوتر الذي تشهده بلدة “شهبا” شمال السويداء، بعد اشتباكات أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص، واتُهم الأمن العسكري بالوقوف خلفها، 

ويسوق بعض العناصر في السويداء لمشروع لإقامة كيان انفصالي، فيما أعلن مالك أبو خير عن تأسيس “حزب اللواء السوري”، الذي قيل إنه يحظى بتمويل خارجي وبدعم من ميلشيا “قسد”، تحت شعارات: “محاربة العصابات”، و”إعادة الاعتبار للجبل”، و”إقامة حكومة إدارة ذاتية بالتعاون مع الأكراد”.

وفي 11 أغسطس؛ أخلى كل من ميلشيا “الدفاع الوطني” التابعة للنظام، وفصيل يتبع لحزب “اللواء السوري“، المؤسس حديثاً، مقارهما في بلدة “الرحى” بالسويداء، بناء على طلب من أهالي البلدة، وذلك بعد توتر كاد أن يتحول إلى اقتتال مسلح داخل المدينة، حيث سلم عناصر “الدفاع الوطني” أسلحتهم المتوسطة والثقيلة في البلدة لقيادتهم في مدينة السويداء، فيما أخلى فصيل “حزب اللواء” مقره في البلدة، وذلك في أعقاب اجتماع ضم وفداً من وجهاء المحافظة، مع قائد “الفيلق الأول” في قوات النظام، ورئيس اللجنة الأمنية والعسكرية في المنطقة الجنوبية، اللواء مفيد حسن، وبحضور قادة الفروع الأمنية في السويداء.

وأعلن أعضاء “اللجنة الأمنية” التابعة للنظام عن كف يد “الدفاع الوطني” في البلدة، مقابل تعهد الأهالي بمنع أية مظاهر لميلشيا “حزب اللواء”، وإبعاد قائدها من البلدة.

 وكانت قيادة “الدفاع الوطني” قد أصدرت بياناً هددت فيه باستهداف جميع تحركات “حزب اللواء” وجناحه العسكري، معتبرة أن “الحزب يتبع لأجندات خارجية من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار في المحافظة، ووصفتهم بالدواعش الجدد وعملاء إسرائيل والمخابرات الفرنسية”.

توجه لمزيد من التصعيد في مختلف المحافظات

تعيش مناطق “التسوية” التي أجراها النظام برعاية روسية في كل من الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي حالة عدم استقرار، نتيجة الأحداث الجارية في درعا، وإصرار النظام على فرض سلطته الأمنية، بدعم إيراني. 

وتشهد مناطق ريف حمص الشمالي (التي خضعت لاتفاق تسوية منتصف 2018) حالة من الترقب نتيجة استقدام النظام تعزيزات عسكرية إلى المواقع العسكرية في “الرستن” و”تلبيسة”، وسط رفع لجاهزية المفارز الأمنية المنتشرة في المنطقة، بالتزامن مع تهديدهم السكان المحليين بشن حملة اعتقالات واسعة، في حال عدم المساعدة في إلقاء القبض على المجموعات التي تنفذ عمليات ضد قوات النظام.

ويشهد ريف حمص الشمالي عمليات متفرقة ضد قوات النظام، تمثل آخرها في العثور على جثة عنصر بعد اختطافه من قبل مجموعة تسمي نفسها “سرايا 2011″، في محيط مدينة تلبيسة، وهو تنظيم ظهر للمرة الأولى في أكتوبر 2020، رداً على الملاحقات الأمنية لشباب ريف حمص، الذين خضعوا للتسوية بضمانة روسية. 

وبالإضافة إلى ميلشيا الدفاع الوطني؛ تم استقدام عناصر ميلشيا “لواء الرضا” الموالية لإيران من منطقة الرقة، بهدف الاستعانة بهم في مواجهة المقاومة المحلية بحمص.

وفي العاصمة دمشق؛ عمّم فرع الأمن العسكري قائمة بأسماء 15 شاباً من أبناء بلدة كناكر بريف دمشق الغربي، بتهمة المشاركة في عمليات تفجير للمنازل داخل البلدة، فيما يسود التوتر ضفتي نهر الفرات في محافظة دير الزور بعد أن شهدت المنطقة قصفاً متبادلاً بين القوات الأمريكية والميلشيات الإيرانية، ونفذت الأخيرة عمليات إعادة انتشار طارئة خوفاً من تجدد القصف الأمريكي على مواقعه.

وكانت القوات الأمريكية المتمركزة في حقل “العمر” قد قصفت عدداً من مواقع الميلشيات الإيرانية في “الميادين” و”محكان” و”القورية” و”العشارة” و”صبيخان” جنوب غربي الفرات في المنطقة التي يسيطر عليها النظام، ما أدى إلى مقتل نحو عشر عناصر وتدمير عدد من مستودعات الأسلحة ونقاط تمركز الميلشيات، وذلك رداً على قصف القاعدة الأمريكية بثلاث رشقات من صواريخ “غراد”، وهي المرة الأولى التي تشتبك فيها القوات الأمريكية مع الميلشيات الإيرانية في ريف دير الزور بالأسلحة النارية متوسطة وقصيرة المدى، ومن مسافة لا تتجاوز عشر كيلومترات.

ونتج عن تلك الاشتباكات استنفار الميلشيات الإيرانية في مختلف مناطق انتشارها بدير الزور وريفها، ونقل الجزء الأكبر من مجموعاتها المنتشرة خارج المدن والبلدات الى الأحياء السكنية داخل المدن الكبيرة خشية استهداف مواقعها مرة أخرى بعد أن تم رصد حركة مكثفة وغير مسبوقة لطائرات الاستطلاع الأمريكية في سماء المنطقة، فيما عززت قوات “قسد” تواجدها على طول خط الاشتباك النهري.

في هذه الأثناء؛ تعمل موسكو على بسط سيطرتها على مطار حلب الدولي من خلال تفعيل اتفاق النقل الجوي مع سوريا عبر استخدام المطار، وذلك في أعقاب قيام القوات الروسية بإرسال مقاتلات من طراز (MiG-31K)، القادرة على حمل صواريخ “كينجال فرط الصوتية” لقاعدة “حميميم”، وإجراء تدريبات مشتركة مع قوات النظام. 

وفي نهاية شهر يوليو الماضي؛ قُتل عدد من عناصر “الحرس الثوري” الإيراني وأصيب آخرون بجروح، جراء هجوم شنه مجهولون على محيط مطار “التيفور” العسكري شرق حمص، ما دفع بالقوات الروسية لإرسال رتل عسكري إلى بادية تدمر بريف حمص الشرقي في ظل تنامي الهجمات التي تتعرض لها مواقعها العسكرية وسط اتهامات لتنظيم “داعش” بالوقوف خلف الهجوم.

كما شهدت محافظة إدلب تصعيداً من طرف النظام الذي أرسل تعزيزات نحو ريف إدلب الجنوبي بحماية من الطيران المروحي الروسي، وتضمن أكثر من 30 عربة عسكرية مزودة برشاشات ثقيلة من عيار 23 ملم بالإضافة إلى 6 عربات “زيل” محملة بنحو 200 عنصر من قوات “الحرس الجمهوري” و”الدفاع الوطني”، وميلشيا “فاطميون” والتي انطلقت من مدينة تدمر باتجاه طريق “الرصافة” جنوب الرقة والمؤدي إلى طريق “إثريا” شرق حماة لإكمال المسير نحو ريف إدلب الجنوبي، فيما تواصل قوات النظام قصفها الصاروخي والمدفعي على قرى وبلدات ريفي إدلب وحلب، في تصعيد جديد طال بعض نقاط المراقبة التركية.

تفشي العمليات الانتقامية والفساد في مناطق سيطرة النظام 

شنت قوات النظام حملات اعتقال عشوائية طالت العشرات من أبناء درعا المقيمين في مدينة حلب، وذلك على وقع الهزائم التي تعرضت لها في درعا، حيث تم اعتقال كل من لديه “سجل مدني في درعا”، أو تحمل هويته قيوداً عائدة لنفوس درعا، في صفوف النازحين والعمال وطلاب الجامعات، وتم توجيه تهم ملفقة للمعتقلين تتضمن: “التحريض والتخطيط لأعمال تخريبية وإثارة الانقسامات”، كما تم الإيعاز إلى مخاتير عدة أحياء في المدينة بعدم تأجير أي منزل لأي شخص من خارج محافظة حلب، إلا بوجود ورقة رسمية صادرة عن أحد الأفرع الأمنية، إضافة لإرساله نسخة من عقد الإيجار لأي فرع أمني.

وفي 7 أغسطس؛ اندلعت اشتباكات عنيفة بين “الدفاع الوطني” وميلشيات كفريا والفوعة من جهة، وبين “حزب الله” و”فاطميون” من جهة أخرى في مدينة “الواحة” بريف حلب الشرقي، وذلك عقب وصول جثامين لعناصر من “حزب الله”، كانوا قد قُتلوا في المعارك مع ثوار درعا، وخلال استقبال الجثامين التي كانت في طريقها إلى مطار حلب الدولي، تم توجيه الاتهام للميلشيات المحلية بالتقاعس عن القتال خلال معارك درعا، واندلعت مشادات كلامية تطورت إلى مواجهات بالرشاشات الخفيفة والمتوسطة، ما أدى إلى سقوط قتيلين وسبعة جرحى من “الدفاع الوطني”، وسقوط قتيل وثلاثة جرحى من “حزب الله”.

وتأتي تلك الحادثة عقب مواجهات سابقة وقعت في نهاية شهر يوليو الماضي في بلدتي نبل والزهراء بين ميلشيات موالية لإيران عقب فتوى تحريضية أصدرها أحد مُفتي “حزب الله”، ما أدى إلى اندلاع قتال بين “لواء القدس” و”الدفاع الوطني” من جهة، وبين ميلشيات “فاطميون” و”زينبيون” وسائر الميلشيات الشيعية الأجنبية الأخرى في البلدة، وأسفرت عن سقوط 6 قتلى وأكثر من 10 جرحى.

في هذه الأثناء؛ يتفشى الغش في السلع الغذائية والصناعية بمناطق سيطرة النظام، حيث تحدثت مصادر إعلام موالية عن تفشي الغش من خلال بيع مواد منتهية الصلاحية والتلاعب بالموازين، وتفادي الفاسدين العقاب من خلال دفعهم رشاوى لدوريات التموين، والتي: “تتسلط فقط على من لا يدفع لها الرشاوى أو الأموال”.

وكشفت المصادر نفسها عن فضائح تحرش وفساد لأساتذة في جامعة الفرات شرق سوريا، تتضمن تسريب الأسئلة مقابل مبالغ مادية، مع بيع الأسئلة لإحدى الفتيات التي سربتها لغيرها من الطلبة، إضافة إلى تناقل أنباء عن فضيحة تحرش حصلت في إحدى الجامعات السورية بين مدرس وطالبة وانتشار مقطع فيديو يوثق ذلك.

وكشفت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في تقرير تحت عنوان “تهريب البنزين يزيد الفوضى في لبنان” (17 أغسطس) أن عمليات تهريب المنتجات البترولية من لبنان إلى مناطق سيطرة النظام السوري تتم عبر شاحنات تنقل المحروقات وتعود بحبوب “الكبتاغون”، مؤكدة أن: “المافيا الحزبية في لبنان  تقوم بتهريب الوقود إلى سوريا”، وأن “عشرات الشاحنات تعبر الحدود كل يوم على اعتبار أنها تنقل الحصى بشكل رسمي، لكن خزانات الوقود مخبأة في الأسفل وتمر إلى سوريا”.

وأوضحت “لوفيغارو” أن جذور المشكلة تكمن في آلية دعم المنتجات الأساسية، كالقمح والأدوية والبنزين والمشتقات البترولية، التي وضعها مصرف لبنان، ومع فقدان الليرة اللبنانية قيمتها مقابل الدولار في السوق الموازية، أصبح الاحتيال على المنتجات المدعومة في سوريا أكثر ربحاً.

وفي 17 أغسطس؛ أعلن الجيش الأردني أن المنطقة العسكرية الشرقية أحبطت محاولة تهريب كميات كبيرة من المواد المخدرة والسلاح، قادمة من الأراضي السورية إلى الأراضي الأردنية، حيث تم تطبيق قواعد الاشتباك، ما أدى إلى إصابة بعض المهربين وفرار الآخرين إلى داخل العمق السوري، وبعد تفتيش منطقة التهريب، تم العثور على كميات كبيرة من المواد المخدرة وسلاح كلاشنكوف وكمية من الذخيرة الحية.

وكانت السلطات الأردنية قد أعلنت في 6 أغسطس عن إفشال محاولة تسلل وتهريب كمية كبيرة من الحبوب المخدرة، عبر معبر جابر المقابل لمعبر نصيب الحدودي مع سوريا، وذلك عقب أيام من فتح معبر “نصيب-جابر” الحدودي بين سوريا والأردن.

النظام يتكبد خسائر على مختلف الجبهات

اغتال مجهولون (25 يوليو) القيادي في ميلشيا “حزب الله” اللبناني، زهير كنعان، في بلدة “المشرفة” بمنطقة القلمون الغربي، إثر استهدافه مع مرافقه بمسدسات مزودة بكاتم للصوت، ما دفع بعناصر الحزب لاستقدام تعزيزات عسكرية من بلدة “حجيرة” جنوب العاصمة دمشق إلى المنطقة تضمنت عشرات العناصر وعدداً من الآليات الثقيلة وسيارات تحمل ذخيرة ومعدات عسكرية.

وكانت مدينة “سراقب” شرق محافظة إدلب قد شهدت مقتل خمسة عناصر يتبعون “الفرقة 25 مهام خاصة” المدعومة من روسيا، وأصيبت آخرون في شهر يوليو الماضي، إثر استهدافهم بقذيفة هاون من قبل فوج المدفعية والصواريخ التابع لغرفة عمليات “الفتح المبين”، أثناء محاولتهم إنشاء نقاط متقدمة ضمن المنطقة الواقعة بين مدينة “سراقب” التي تُسيطر عليها قوات النظام، وبلدة “آفس” التي تُسيطر عليها المقاومة شرق محافظة إدلب.

وفي 21 يوليو؛ نعى موالون عدداً من عناصر النظام، بينهم ضابط برتبة عقيد، قُتلوا خلال هجمات عسكرية بمناطق مختلفة، وذلك في أعقاب مقتل مجموعة أخرى في اليوم السابق (20 يوليو) بغارات إسرائيلية على ريف حلب. ونعت صفحات موالية، مجموعة من عناصر (الكتيبة 125) مرتبات “الحرس الجمهوري” الذين قتلوا في منطقة “ميزنار” غرب حلب بالقرب من إدلب، كما تم تشييع عدد من قتلى النظام سقطوا في بادية تدمر بريف حمص الشرقي.

وزادت خسائر قوات النظام خلال الأسابيع الماضية بشكل لافت، بعد تنامي الهجمات والعمليات العسكرية ضد مواقعهم وأرتالهم، خاصة على امتداد البادية السورية وجبهات إدلب وحلب، إضافة لعمليات أخرى في محافظة درعا.

وفي 20 يوليو، قتل سبعة من عناصر وضباط النظام إثر عملية نفذها عناصر “الحزب الإسلامي التركستاني” على أحد محاور القتال بريف حلب الغربي، بالإضافة لقصف مدفعي وصاروخي للمقاومة السورية استهدف مقار وثكنات عسكرية لقوات النظام جنوبي إدلب، وغرب محافظة حماة.

وفي شهر أغسطس الجاري؛ لقي عدد من ضباط وعناصر النظام مصرعهم، في مناطق متفرقة، عُرف منهم ضابط متقاعد برتبة عميد، ينحدر من ريف القرداحة، وضابط برتبة نقيب يدعى “غدير ممدوح أحمد” من مرتبات الفرقة “18 دبابات”، بعد تعرضه لإصابة في منطقة “التنف”، وينحدر من قرية “كعبية عمار” بريف طرطوس.

فيما قتل العسكري “محمد حكمت دشر”، من قرية “سطامو” التابعة للقرداحة، في ريف إدلب،  وينحدر وفق إعلام النظام الموالي من قرية “سطامو” التابعة للقرداحة، والملازم محمد عيسى المنحدر من مدينة “طرطوس” إثر حادث سير، فيما قتل “ذو الفقار علي عمار” من مدينة “القدموس” دون تحديد مكان مقتله، والعسكري “محمد ساري النايف” من مرتبات سلاح الهندسة، و”راقي أحمد سليمان” من سهل الغاب بريف حماة.

ونفذ  عناصر “الحزب الإسلامي التركستاني” (6 أغسطس) عملية ثانية في قرية “حنتوتين” شمال مدينة “معرة النعمان”، ضد قوات النظام أسفرت عن مقتل تسعة، بينهم أربعة ضباط، عُرف منهم النقيب “ميلاد نمور” المنحدر من قرية “الفندارة” ضمن منطقة “مصياف” بريف حماة الغربي، والنقيب “مقداد عيسى” المنحدر من منطقة “جبلة” بريف اللاذقية الشرقي، بالإضافة لأكثر من خمسة جرحى جميعهم بحالة خطرة تم نقلهم إلى النقطة العسكرية الطبية الروسية ضمن مدينة “خان شيخون”.

وتزامنت تلك العملية مع تنفيذ غرفة عمليات “الفتح المبين” هجوم أسفر عن قتل عنصر من “الفرقة 25 مهام خاصة”، واستهدفت مدفعية “الجبهة الوطنية للتحرير” بالمدفعية الثقيلة والصواريخ أكثر من سبع مواقع عسكرية لقوات النظام في أرياف إدلب الجنوبية والشرقية، وريف حلب الجنوبي.

وفي 6 أغسطس؛ كشف تنظيم “داعش” عن أسر ضابط من صفوف النظام خلال كمين بمنطقة “السخنة” في بادية حمص الشرقية، ونشر بعض اعترافاته بعد مقتل عشرة عناصر من مجموعته في المنطقة. وأكد “لواء القدس الفلسطيني” أن التنظيم باغت دورية له في منطقة “خربيات” شرق حقول “توينان”، ما أسفر عن مقتل عدد من عناصره وأسر أربعة آخرين.

وتحدثت مصادر “الدفاع الوطني” عن انفجار لغم أرضي بحافلة مبيت أسفرت عن مقتل عنصرين وإصابة ثمانية آخرين من صفوف الميلشيا، وتشهد مناطق البادية السورية معارك عنيفة بين تنظيم “داعش” وقوات النظام التي فقدت في الآونة الأخيرة عشرات القتلى والجرحى.

وفي 13 أغسطس؛ أعلنت غرفة “الفتح المبين” مقتل وإصابة عدد من عناصر قوات النظام، إثر محاولة تسلل لقوات النظام في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي، وذلك بالتزامن مع مقتل جرح عدد من عناصر النظام، إثر انفجار ألغام يُعتقد بأنها من بقايا تنظيم “داعش” في بادية الرقة الجنوبية، ومحيط مدينة “منبج” بريف حلب الشرقي الجنوبي.

وفي 17 أغسطس؛ عثرت قوات النظام على جثة ضابط برتبة “ملازم أول” مرمي على قارعة الطريق بالقرب من بلدة “دير ماكر” بريف دمشق الغربي، من مرتبات فرع “الأمن العسكري”، والذي ينحدر من مدينة حمص، حيث عثر عليه على جانب الطريق المؤدي من البلدة باتجاه قرية “عين الصفصاف”، وكانت جثته مكبلة اليدين ومفصولة الرأس عن الجسد وعليها آثار تعذيب.

وفي 19 أغسطس؛ تكبدت قوات النظام والميلشيات الموالية له خسائر فادحة نتيجة تعرضها لعدد من العمليات في مناطق مختلفة، أبرزها؛ استهداف مقاتلي حوران سيارة عسكرية بعبوة ناسفة على طريق الشبرق بين بلدتي “نافعة” و”عين ذكر” غرب درعا، ما أدى إلى مقتل سبعة عناصر على الأقل، عُرف منهم ضابط برتبة ملازم أول يُدعى أحمد الشعار، وكلٌّ من: أحمد الخطيب، وصهيب العمر، وعمر منصور، إضافة لعدد من المصابين بحسب موقع “أخبار مصياف”.

كما فقدت قوات النظام والميلشيات الموالية له عشرات القتلى والجرحى بهجمات متفرقة شنّتها خلايا تنظيم “داعش” بمناطق البادية السورية، حيث تعرضت ميلشيا “النجباء” الشيعية العراقية لهجوم في محيط بلدة العامرية شرق حمص (18 أغسطس)، أسفر عن مقتل وإصابة عنصرين على الأقل، بالتزامن مع استهداف حاجز مشترك لميلشيا “حزب الله اللبناني” والفرقة “25 قوات خاصة” في بادية الرصافة، نتج عنه مقتل ثلاثة عناصر وإصابة آخرين. وفقد “حزب الله العراقي” قرب قرية أنباج على طريق “الرقة-سلمية” خمسة عناصر فيما أسر أربعة آخرون، وسقط بمنطقة البوكمال عدد من القتلى والجرحى من عناصر الميلشيات ذاتها. 

وشن التنظيم في شهر أغسطس عمليات أخرى ضد قوات النظام، أسفرت إحداها عن مقتل سبعة عناصر وإصابة تسعة آخرين وتدمير ثلاث آليات لميلشيا “فاطميون” على طريق تدمر-السخنة شرق حمص. كما تعرضت نقاط “الدفاع الوطني” في منطقتي “المدحول” و”المسرب” في بادية دير الزور لهجمات أسفرت عن مقتل وإصابة عدد غير معلوم  في صفوفها، فيما خسرت الشرطة العسكرية ثلاثة عشر عنصراً، فُقدوا في محيط بلدة معدان عتيق شرق الرقة.

وكانت “معركة الكرامة” في حوران قد أسفرت عن فقدان النظام السيطرة على نقاط عسكرية في ريفي درعا، الشرقي والغربي، وقطع طريق دمشق-عمّان الدولي، ومقتل 27 عنصراً، بينهم ضابطان، وأسر 83 عنصراً، والسيطرة على 33 حاجزاً، وأربع معسكرات، وإعطاب دبابة، واغتنام أخرى، ما اضطر النظام إلى إيفاد وزير دفاعه، العماد علي أيوب (2 أغسطس 2021) لاستعادة معنويات قواته المنهارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى