مقالات

انتصار طالبان …. الدروس والعبر

نعيم مصطفى

مدير التحرير
عرض مقالات الكاتب



ها هي الولايات المتحدة تجر ذيول الخيبة والهزيمة بعد احتلال دام عشرين عاماً لأفغانستان، وهاهو المجتمع الدولي يعود ليجتر أسطوانته المشروخة بحرصه على حقوق الإنسان، وحقوق المرأة في أفغانستان، أو أي دولة تعلن، أو يخرج منها رائحة الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية، أما إجرام من يلبسون لباس العلمانية والليبرالية فهو مباح، فبشار الأسد العلماني (الذي لا تفارقه ربطة العنق) الطائفي الذي قتل وعذب وهجر ملايين السوريين ، وصور قيصر لا يجهلها أحد، مازال يحكم سوريا ولم يُرم بشوكة، بل إن كثيراً من المتشدقين بحقوق الإنسان يؤيدونه ويقولون إنه صمام الأمان في سوريا، والسيسي قتل الآلاف من العزل المسالمين في رابعة والنهضة، ولم ينبس ببنت شفة الرافعون ليل نهار عقيرتهم من أجل حقوق الإنسان وحقوق المرأة، عندما تقتل أمريكا مليون إنسان في العراق وعشرات الآلاف من الأفغان، وعندما تقتل روسية مئات الآلاف من السوريين، لا أحد من المجتمع الدولي يتحدث عن حقوق الإنسان، ولكن عندما تزمع أي دولة إسلامية بتطبيق الدستور الإسلامي الذي يحفظ العدالة وينشر الأمن والأمان والرفاهية لكل إنسان يكون هذا الفعل إرهابياً ، أما تلك الجرائم التي أشرنا إليها فإنها مكافحة للإرهاب ودفاع عن النفس، أي منطق أخرق هذا الذي يتحدثون به.
توجهت جميع الأنظار هذه الأيام إلى أفغانستان إثر إعلان حركة طالبان الوصول إلى العاصمة كابول ودحر الأمريكان وعملائهم منها، ومواصلة تطهير معظم أراضي البلاد من رجس المستعمر، وقد تحقق هذا النصر عبر المثابرة والصبر والكفاح والإرادة والإيمان الثابت على مدار عشرين عاماً، لم تفتر هممهم ، ولم يدخل اليأس إلى قلوبهم، ولم تلن لهم قناة ،وإنما التصميم والجد والاجتهاد كان دأبهم، وقد أتت تلك السياسة أكلها وحققوا ما صبوا إليه أخيراً.
من هم طالبان؟
حركة إسلامية مسلحة حكمت أجزاءً كبيرة من أفغانستان (1996-2001)، ودارت بها الأيام بين الكر والفر والنصر والهزيمة، قاومت الغزو الأميركي للبلاد، وانتقلت من حكم البلاد إلى حرب العصابات، وكبدت التحالف الغربي هزائم مريرة.
نشأت الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية المعروفة باسم طالبان (جمع كلمة طالب في لغة البشتو) على يد الملا محمد عمر في ولاية قندهار جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان عام 1994.
طالبان حركة إسلامية سنية تعتنق المذهب الحنفي، وينتمي معظم أفرادها إلى قومية البشتو.
أعلنت عبر الناطق الرسمي باسمها الملا عبد المنان نيازي -في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 1994- أنها تسعى لاستعادة الأمن والاستقرار وجمع الأسلحة من جميع الأطراف، وإزالة مراكز جمع الإتاوات من الطرق العامة التي سلبت الناس أموالهم وانتهكت أعراضهم.
وبعد أن سيطرت على عدد من الولايات، طورت أهدافها لتصبح “إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة” في مقدمة الأهداف، حسب تصريح للملا محمد عمر في كلمة أمام العلماء في قندهار يوم 4 أبريل/نيسان 1996.

ومن بين أهداف الحركة: أن يكون الإسلام دين الشعب والحكومة جميعا، وتكون الشريعة الإسلامية مصدر القانون، و”حفظ أهل الذمة والمستأمنين وصيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ورعاية حقوقهم المنصوص عليها في الشريعة الإسلامية، وتحسين العلاقات السياسية مع جميع الدول الإسلامية وفق القواعد الشرعية”، وتعيين “هيئات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أنحاء الدولة”.
بدأت أول خلية لحركة طالبان نشاطها في يوليو/تموز 1994 في منطقة “سنج سار” بمدينة قندهار، وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني 1994 سقطت المدينة المذكورة كاملة بيد طالبان. وقد انتشرت الحركة بسرعة في أغلب ولايات وأقاليم أفغانستان. وفي 27 سبتمبر/أيلول 1996 سقطت العاصمة كابل في يد الحركة بعد انسحاب القوات الحكومية إلى الشمال.
وفي 25 مايو/أيار 1997 اعترفت باكستان بحكومة طالبان ثم تلتها السعودية والإمارات العربية المتحدة. وقد استطاعت الحركة في عام 2000 بسط نفوذها على قرابة 90% من الأراضي الأفغانية.
ويعد يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001 يوما فاصلا في تاريخ الحركة، بعد التفجيرات التي وقعت في الولايات المتحدة واتهمت القاعدة بارتكابها، حيث اعتبرت إدارة جورج بوش الابن أفغانستان وحركة طالبان هدفا لها.
وفي 22 سبتمبر/أيلول 2001 ونتيجة ضغوط دولية، سحبت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة طالبان، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة طالبان.

وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، غزت الولايات المتحدة مدعومة من دول أخرى أفغانستان، فيما قامت قوات تحالف الشمال (الجبهة الإسلامية القومية لتحرير أفغانستان) بخوض معارك برية أدت إلى إسقاط حكم طالبان.

ومن يومها دخلت الحركة في حرب مع القوات الأميركية وحلفائها المحليين، من خلال عمليات انتحارية -خاصة في كابل- واختطافات وعمليات قتالية عديدة عانت منها القوات الأجنبية وخاصة عامي 2008 و2009، حيث سيطرت طالبان على عدد من المناطق الأفغانية، وأعلنت القوات الأجنبية مصرع حوالي 3000 من جنودها منذ احتلال أفغانستان.

بعد 2010 بدأت القوات الأجنبية تغير قناعتها في حربها على حركة طالبان، وتميل بعض قياداتها إلى أن الحل العسكري لن يحسم المعركة في أفغانستان، ولابد من حل سياسي. وفي أوائل عام 2012، عُقدت آمال كبيرة على إجراء محادثات سلام لكن الحركة علقت في مارس/آذار من العام نفسه مفاوضات السلام التمهيدية مع الولايات المتحدة.

لكن المحاولات لم تنقطع حيث سمحت دولة قطر بأن تفتح الحركة في 18 يونيو/حزيران 2013 بالدوحة مكتب اتصال، وأكدت أن فتح المكتب جاء تمهيدا لإيجاد حل للنزاع في أفغانستان، وقال مصدر مسؤول في الخارجية القطرية: إن “المكتب.. هو المكتب السياسي لطالبان أفغانستان في الدوحة، وليس المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية”. واعتبرت واشنطن المكتب المذكور “خطوة أولى مهمة” نحو تسوية سياسية في أفغانستان.

توصلت واشنطن وحركة طالبان في نهاية مايو/أيار 2014 -بوساطة قطرية- إلى صفقة جرى بموجبها إفراج الحركة عن جندي أميركي (كان أسيرا لديها لخمس سنوات) مقابل إطلاق خمسة من قادتها كانوا معتقلين في سجن غوانتنامو.

وفي أواخر ديسمبر/كانون الأول 2014، وصفت الحركة انتهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي “الناتو” في أفغانستان بـ”الهزيمة” بعد بقائها في أفغانستان 13 عاما، واتهمت الناتو بجر البلاد إلى ما وصفته بـ”حمام دم”.

بعد الإعلان عن وفاة الملا عمر، انتخب مجلس شورى طالبان بـ”الإجماع” في 29 يوليو/تموز 2015، الملا أختر منصور زعيما جديدا لها.
بعد عرض هذه السيرة المقتضبة عن تاريخ حركة طالبان لا بد من الوقوف عند الدروس والعبر التي يمكن الاستفادة منها من خلال عودة طالبان إلى الحكم بعد عشرين عاماً من الكفاح والنضال.
أولا – يجب على الأحزاب السياسية الإسلامية التي حاولت تصدر المشهد عقب الربيع العربي أن لا تنخدع بشعوبها على أنها أصبحت ناضجة للديمقراطية والاختيار عبر الصناديق، ويجب عليها ألا تأمن مكر الغرب الذي يتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، فقد وقع الإخوان المسلمون في مصر والنهضة في تونس وغيرهما…في الفخ الذي نصب لهم، بدخولهم بالانتخابات وتصدرهم المشهد السياسي إلى حين اكتملت اللعبة بدأ الانتقام منهم، والطامة الكبرى التي وقعوا فيها أنه لم يكن لهم ذراع عسكري يدافع عن شرعيتهم ، وراحوا يتغنون بشعارات مستوردة من دول عريقة في ممارسة الديمقراطية (سلميتنا أقوى من الرصاص…نناضل من أجل حقوقنا بصدور عارية…)
الجيش السوري الأسدي، والجيش المصري السيساوي حوَّلا السلمية والصدور العارية إلى حمامات من الدماء.
إذا في عالمنا العربي النجاح السياسي مقترن بالذراع العسكري، وما نجاح طالبان وحماس إلا نتيجة لامتلاكهم القوة أولا ثم الشعبية الجماهيرية العريضة ثانياً.
ثانيا- يجب على الشعوب العربية الثائرة من أجل تحقيق العدالة والحرية وإزالة الطغاة والديكتاتوريين والعملاء أن يصبروا ولا ييأسوا ولا يفت لهم عضد مهما طال الزمن، لأن طالبان بعد عشرين عاما من الصبر والمثابرة حققت أهدافها وطهرت بلادها من أقوى دولة في العالم وهي الولايات المتحدة.
ثالثاً- يحسب لطالبان بأن أعضاءها لم يختلفوا، ولم يقتتلوا، ولم يتراشقوا الاتهامات ، ولم تغرهم الأموال والمناصب ،ولم يخونوا ولم يلعب بهم الخارج، وإنما كانوا ثابتين كالجبال الراسيات، ولم يتحولوا عن هدفهم الذي سعوا إليه منذ تطلعهم إلى حكم البلاد، وهو طرد المستعمر وعملائه، وتطبيق المبادئ التي يؤمنون بها.
رابعا- على الروس والإيرانيين أن يتعظوا من أمريكا التي هي أقوى منهم بمئات المرات، ويخرجوا من سوريا وفي وجوههم مزعة من الماء، وإلا سيكون مصيرهم أسوأ مما يتصورن وأن غضب الشعب السوري سوف يهتك حجاب الشمس، وسيجعلهم نادمين خاسئين مندحرين ذليلين صاغرين، مهما طال الزمن.
وأخيراً اختلفنا أو اتفقنا مع منهج طالبان، فإنها استطاعت أن تقف على أرض صلبة بعد أن انتزعتها من خصومها، وينبغي أن تكون قدوة ونبراساً ليس في نهجها لإدارة الدولة (فهذا الأمر يختلف عليه المسلمون وغيرهم بين مؤيد وبين معارض يرى أن منهجها متشدد) وإنما في وفائها وإخلاصها للأهداف التي سعت من أجلها. فاعتبروا أيها السوريون وأيها المصريون وأيها التونسيون…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى