دين ودنيا

علّمتني عاشوراء

د. أكرم كساب

كاتب ومفكر إسلامي
عرض مقالات الكاتب


تمر أحداث عاشوراء، يصوم من يصوم وهذا بكرم الله وفضله، ويحرم ثواب هذا اليوم من تكاسل عن صومه، لكن الذي يعنيني هنا أن يوم عاشور فيه ما فيه من الدروس والعبر، وقد علمتني عاشوراء الكثير والكثير، ومن أهم ما نقف أمامه متعلمين ما يأتي:

  1. علمتني عاشوراء: أن الطغاة الكبار مهما جاءتهم البينات، أو توالت عليهم النكبات لا يخضعون للحق، ففرعون جاءته تسع آيات بينات ثم فلق الله البحر { فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }.[الشعراء: 63]، ومع هذا غامر بقومه فهلك وأهلكهم، وهكذا كل طاغية فاسد….
  2. علمتني عاشوراء: أن {الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ }[آل عمران: 19]، ومهما طال الزمان بين الأنبياء فالإسلام يجمعهم، وعند البخاري:” الْأَنْبِيَاء إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ”.
  3. علمتني عاشوراء: أن التمايز بين أهل الحق والباطل أصل أصيل، قد يغض الطرف عنه تأليفا للقلوب ما كان بعيدا عن الأصول، لكن إن تمسك أهل الباطل بباطلهم وجب على أهل الحق التمايز، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم:” لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ”، وكان هذا تمايزا بعد أن تمادوا عنادهم.
  4. علمتني عاشوراء: أن العسكر -عادة- لا عقل لهم ولا فكر ولا روية، فهم ينفذون من غير فكر، ويطيعون من غير فهم، وقد كان نتيجة الطاعة العمياء:{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ } [الذاريات: 40]، وقد وصفهم الله بقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ } [القص: 8]، لذا فلا براءة لجندي أحمق يطيع سيده إرضاء له على حساب حقوق الآخرين..
  5. علمتني عاشوراء: أن الشعوب المستعبدة لا تنقاد بسهولة لقائد يخلصها من عبوديتها حتى وإن كان القائد نبيا؛ بل ديدنهم التمحك والتباطؤ والتثبيط، وانظر إلى ما قالوا لنبي الله موسى الذي جاء يخلصهم من الذل والاستعباد: {لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ } [البقرة: 61]، وقالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [المائدة: 24]، ولما نجاهم الله من فرعون يوم عاشوراء كان المقابل: {يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف: 138]، فانتظروا كثيرا من العنت من الشعوب المستعبدة ولا تتعجلوا…
  6. علمتني عاشوراء: أن أول ما ينبغي عمله مع الشعوب المستعبدة هو تحريرها من الاستبداد، وهذا ما قام به يوشع بن نون حيث أكمل ما قام به نبيه موسى عليه السلام، فلما تحرر بنو إسرائيل من عبوديتهم سخر الله لهم السنن الكونية وأوقف لهم الشمس عن المغيب، وفي الصحيحين: أن يوشع بن نون: غَزَا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاَةَ العَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ”.
  7. علمتني عاشوراء: أن الأمة لإسلامية جامعة للخير تأخذه من أي كان، إذ الحكمة ضالة المؤمن، ولهذا صام النبي كما صامت قريش، وصام كما صامت بنو إسرائيل وقال:” نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَأَمَرَ بِصَوْمِهِ”.
  8. علمتني عاشوراء: أن هلاك الفراعين الطغاة لا يتعظ منه إخوانهم من الفراعين الجدد، ففرعون هلك وأبقى الله بدنه وقال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَة} [يونس: 92]، لكن لم يعتبر الطغاة من بعده، وكم من طاغية هلك غريقا أو مقتولا أو مسموما أو مذبوحا، ولا حياة لمن تنادي…
  9. علمتني عاشوراء: أن الفرح بنجاة الصالحين قربة يتقرب بها العبد إلى الله تعالى، ولهذا لم يتردد النبي صلى الله عليه وسلم أن يعبر عن فرحه بنجاة أخيه موسى عليهما السلام، لذا حين قال له بنو إسرائيل:” قَالُوا: هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَصَامَهُ مُوسَى” فكان جوابه صلى الله عليه وسلم:”فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ”، فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
  10. علمتني عاشوراء: أن العجب ليس في قول موسى عليه السلام: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِين} [الشعراء: 62] وفقط، ولكن العجب كذلك في يقينه وثقته، وما أروعه عليه السلام حين صدّر جملته بقوله (كلا) فما أروعها من (كلا) وما أجملها من (كلا).
  11. علمتني عاشوراء: أن هلاك الطغاة حتمي إن وجدت الفئة المؤمنة الآخذة بالأسباب؛ وشاء الله ذلك، وحينئذ يكون للفئة المؤمنة إما هلاك يشفي به الله صدور قوم مؤمنين؛ :{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ } [الذاريات: 40]، وإما شهادة يعلي الله بها المؤمنين في عليين…
  12. علمتني عاشوراء: أن المسلم يسعى إلى كل عبادته تقربه إلى الله تعالى ما لم تكن بدعة، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم بني إسرائيل: «مَا هَذَا؟»، فلما أخبروه (فَصَامَهُ، وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) متفق عليه.
  13. علمتني عاشوراء: أن الأيام ليست وعاء للأحداث وفقط، لكنها دول {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]، لذا فإن التذكير بيوم عاشوراء مشروع والله يقول: {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } [إبراهيم: 5]…
  14. علمتني عاشوراء: أن حكم مصر يزرع في قلوب الطغاة الغرور، ولقد كان هذا -من وجهة نظر فرعون- سببا لادعاء الربوبية، قال تعالى على لسان فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ } [الزخرف: 51]، وما أروعه هارون الرشيد حين قرأ ذلك فقال: ادعى الربوبية بملك مصر، والله لأولينها أخس خدمي، فولاها الخصيب وكان على وضوئه. (وفيات الأعيان (1/ 188)).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى