مقالات

إلى إخواني القبائل

عبد الرحمن قارف

كاتب جزائري
عرض مقالات الكاتب


الحمد لله و، الصلاة و السلام على رسول الله، و بعد:
ففي يوم 3 المحرم 1443 الموافق لـ 11 أغسطس 2021 نزل خبرٌ كالصاعقة على مسامع أهل الجزائر مفاده وقوع جريمة بشعة و فضيعة راح ضحيتها الشاب جمال بن إسماعيل رحمه الله، و وجه البشاعة و الفضاعة في ذلك أنَّ الشهيد جمال تم ضربه ضربا مُبرحا بادئ ذي بدء، ثم صُبَّ عليه البنزين قبل أن يُقتل حرقا بالنار أمام مرأى العشرات مِن طوي القلوب المريضة، و بعضهم قد التقط ‘السالفي’ مع الجثة و هي تحترق!!


على أنَّ هذا المقال المستعجل ليس وليد تلك الحادثة الأليمة، و إنما هو وليدُ سلسلة مِن الأحداث و الوقائع التي تتعلق مباشرةً بمسألة ‘الهوية’ و ‘الصراع الطائفي’ بين العنصر العربي و العنصر البربري القبائلي في الجزائر منذ سنين طويلة، و لذلك فهو موجَّه بشكل خاص لإخواني و أحبابي القبائل ممن أشاركُهُم و يُشاركونني العقيدةَ و الدينَ و الانتماء و الوطن، و إني -و الله- لا أشك قيد انملة في أنَّ مفتاح الوِحدة و الاتحاد بأيديكم إخواني القبائل، و إلا فإنَّ كيدَ و مكر الأعداء (فرنسا-الصـ هاينة-العلمانيون المنافقون-القوميون العنصريون القبائل) لا ينتهيان، و لن يهدأ لهم بالٌ حتى يروا الاقتتال الدامي بيننا قائما، و ليس بعد ذلك إلا الخراب و الفساد و ضياع الدين و الهوية… فمَن كان مِن بين إخواني القبائل مَن لازال يحمل في قلبه مثقال ذرة مِن اعتزازٍ بالقومية أو بغضٍ للعنصر العربي الذين جاء بالإسلام لبلادنا فها أنا ذا أهديه هذه السطور التي كتبتها بقلبي لا بقلمي، و ليس القلم إلا واسطة بين قلب الكاتب و الورقة… فأبدأ حديثي مِن زاوية تاريخية، ومَن لا يقرأ التاريخ فلن يفهم الواقع على حقيقته الكاملة.


لقد كانت الدولة البيزنطية النصرانية تُسيطر على مناطق شاسعةٍ مِن العالم قبل 1300عام قمري، ومنها منطقة الشمال الإفريقي التي هي موطن العنصر البربري منذ أكثر مِن 2000 سنة شمسية، فلما جاء العربُ حاملين رسالة الإسلام ليُبلغوها إلى البربر وجد البيزنطيون في ذلك خطرا داهما على وجودهم و مصالحهم و نفوذهم في الشمال الإفريقي، فسعوا جاهدين لتحريض جموع البربر بقيادة أكبر زعمائهم آنذاك و يُدعى (كسيلة بن لمزم) ضد العرب المسلمين، فخيضت بين الطرفين معركة تلمسان سنة 56هـ و كان يقود المسلمين يومئذ البطلُ أبو المهاجر دينار، و رغم انهزام البربر إلا أنَّهم دُهِشوا مِن حقيقة الإسلام و نُبله و عظمته بواسطة سلوكات و أفعال المجاهدين، فدخلوا في دين الله دونما إكراه، و على رأسهم كسيلة، فأضحى هذا الأخير منذ تلك اللحظة مجاهدا في صفوف الكتائب الإسلامية.
و لكن كسيلة بعد بضعة سنوات عاد إلى عداوته المعلنة ضد المسلمين عقب تولية عقبة بن نافع على إفريقية بدلا مِن أبي المهاجر دينار سنة 61هـ، و رغم أنَّ أحد الأسباب في ذلك يعود إلى معاملة عقبة الغليظة لكُسيلة، إلا أنَّ السبب الأكبر مِن ذلك هو تحريض البيزنطيين المستمر لكسيلة و البربر على قتال العرب المسلمين، فخيضت معركة تهوذة و قُتِل فيها عقبة و أبي المهاجر و كامل الجيش المسلم الذي لم يزد في تلك المعركة على 300 مجاهد، فيما كان مع كسيلة الآلاف مِن البربر إضافةً إلى جنود بيزنطيين كثيرين.


و رغم أنَّ الإسلام قد استقرَّ بشكل ثابت و متين بعد ذلك بسنوات، إلا أنني قد أوردتُ قصة الصراع بين المسلمين العرب الفاتحين مع البربر بقيادة كسيلة لرصد نقطة خطيرة ترتبط بموضوعنا؛ ألا و هي التحريض المستمر الذي كانت الدولة البيزنطية الصليبية تنتهجه ضد العرب الذين جاؤوا برسالة الإسلام و الرحمة، و هذا بطبيعة الحال ليس حبا في البربر، و إنما حفاظا على مصالحها و نفوذها في الشمال الإفريقي، و إحكاما لقبضتها على أراضي المنطقة بما تحويه من ثروات و خيرات و منافع… و كلُّ ذلك تكرر بصورة مشابهة طوال 132 سنة التي قضتها الدولة الفرنسية الصليبية في الجزائر، و هي التي كانت حريصة على إذكاء روح العنصرية و الاستعلاء بالقومية المقيتة بين البربر القبائل و العرب، لا لشيء سوى للحفظ على مصالحها و إحكام سيطرتها على البلاد و اغتصابها لأهلها، وكأنَّ التاريخ يتكرَّر، بل و اليوم تستمرُّ فرنسا الصليبية في محاولاتها للإيقاع بين العنصر البربري القبائلي و العنصر العربي طمعا في قيام حرب أهلية دامية لا تُبقي و لا تذر، و لكن هيهات هيهات! و من ظنَّ غير ذلك فهو جاهل غارقٌ في الجهل و اللاوعي.
و من زاوية أخرة فإني ألفت نظر أخي القبائلي المسلم الحر إلى مسألة مِن الخطورة بمكان؛ و هي ما يُسمى بـالراية الأمازيغية، فأقول: إنَّ هذه الراية سرطان في جسد الوحدة في بلاد الجزائر، و هي رمز لروح الاستعلاء القومي على باقي جموع الشعب الجزائري المسلم، و إلا فما الذي يعنيه -أخي القبائلي- أن ترفع رايةً ترمز لقوميتك لتتخذها بديلا عن الراية الوطنية التي ترمز لشعب واحد كامل دون تفرقة أو تمييز (مع تحفظي على قضية الراية الوطنية التي هي بأي حال مِن الأحوال شكل مِن أشكال التفرقة على مستوى أمة الإسلام بأكملها)؟.. فإذا لم تكن تعلم -أخي القبائلي المسلم الحر- حقيقة تلك الراية فأنا سأخبرُك بذلك عسى أن تتبنَّى الحقَّ و تنبذ الباطل بعدئذ.

فلقد خرج الفرنسيون مدحورين منكوصي الأعقاب مِن الجزائر بعد أن لقَّنهم شعبُها المسلم و مجاهدوها دروسا عظيمة في البطولة و البسالة و الأَنَفة، إلا أنَّ ذلك الخروج لم يكُن بتلك البساطة التي تجعلنا نقول أنَّ الاستقلال قد تمَّ بشكل كامل، كلا، بل إنَّنا إلى اليوم ما زلنا محتَلِّين مِن فرنسا ثقافيا و اقتصاديا على الأقل.. و لكن مِن أخطر ما تُعوِّل عليه شياطين فرنسا لضرب الجزائر في العمق غير مكتفية بما تحوزه مِن مصالح اقتصادية، و ما لديها مِن عملاء و خونة في البلاد؛ هو هذه الراية الهجينة التي كانت فرنسا هي الراعي السمي لها حين تم تصميمها لأول مرة في نهاية العقد السابع مِن القرن السالف، و لكن قبل أن يتم تصميمها وجب عليَّ أن أعرج إلى حدث تأسيس ما يُسمى ‘الأكاديمية البربرية’ سنة 1966م في باريس عاصمة فرنسا، أي بعد أربع سنوات فقط مِن الاستقلال، و هي جمعية وصفت نفسها بأنها ترعى القضية البربرية و تسعى للدفاع عنها و النهوض بها، و مؤسسها الرئيس هو القبائلي العنصري محند أعراب بسعود الذي لم يستطع إخفاء عنصريته و استعلائه بقوميته رغم نضاله في صفوف حب الشعب و غيره إبان فترة الاستخراب، بل و قد صرَّح بأن تأسيس الأكاديمية قد شاركه فيه السياسي الفرنسي الحاقد جاك بينيت، قائلا في كتابه تاريخ الأكاديمية البربرية : ”إذا كان ينبغي على البربر، أيها الإخوة، أن يتذكروني ذات يوم إلى حد الرغبة في تكريم اسمي، فإنني أحثهم على ربطه باسم جاك بينيت، لأنه بدون مساعدة هذا الصديق الكبير للبربر، فإن عملي في صالح هويتنا ما كان لينجح. لذلك سيكون من العدل أن نقول: محند أعراب-جاك بينت كما نقول: إركمان-شاتريان”.. أما مُصمِّم الراية الأمازيغية فالمشهور أنه القبائلي يوسف مدكور، و لكن الحقيقة التي لا يُراد لنا أن نعلمها هي أنَّ المصمم الحقيقي لها هو جاك بينيت نفسه!! مع العلم بأنَّ تلك الراية لا يختص بها بربر الجزائر فقط، و إنما يتبناها أكثرُ بربر الشمال الإفريقي، في المغرب وتونس و ليبيا، و قليل في موريتانيا، و لذلك فإنَّ ما يُسمى بـالراية الأمازيغية إنما هي أداة تقسيم و تفريق على أساس عِرقي صُنِعت بأيادي فرنسية حاقدة، و أما من يزعمون بأنها راية ثقافية محضة لا غير فهما فريقان: فريقٌ يزعم ذلك جهلاً بالحقيقة، و هذا الفريق يسهل معالجة جهله بتعليمه و توعيته، و فريقٌ يزعم ذلك نفاقا و تغطيةً للحقيقة، و هذا دواؤه صعبٌ للغاية.


و نأتي الآن للحديث عن مسألة أخرى لا تقل خطورةً عما سبق ذِكره في طريق سعي الأعداء لإحداث الفتن و الاضطرابات داخل الجزائر؛ و هي مسألة اللغة.. فاعلم -أخي القبائلي المسلم- على وجه اليقين أنَّ محاولات فرض اللهجة القبائلية لتكون لغةً ثانيةً بعد العربية لا يفق وراءها سوى الصليبيون الفرنسيون الحاقدون أنفسهم، و هي محاولات يسعون عبرها -بالدرجة الأولى- إلى الانتقاص مِن قيمة اللغة العربية و هيبتها و أولويتها في التعليم و الإدارة و غير ذلك، علاوةً على أنَّ تلك اللهجة لا ترقى لتكون لغةً حتى، فضلا عن أن تكون لغة رسمية ثانية في دولة كُبرى بحجم الجزائر.
و بعد أخي القبائلي المسلم الحر؛ إنّ ما قرأتَه مِن حقائق في هذا المقال المتواضع ليس بالجديد، و إنما هو مبثوث في الشبكة العنكبوتية و منتشر في المدونات و المواقع الشهيرة، و لكن الأهم أنَّ هذه الكلمات هي نداء لقلبك و عقلك معا، و استنهاض لروح الأخوة و الألفة بيننا كمسلمين موحِّدين نشترك في العقيدة و الدين و الهوية و التاريخ و الانتماء، فلا يغرَنَّك نُباح العلمانيين و المنافقين القبائل ممن يستعلون براية القومية على كل شيء غيرها، فو الله ما هم إلا أعداءٌ لك و لنا و لديننا، و لا تغرنَّك دعواهم المريبة لجعل لهجتك البسيطة لغةً ثانيةً تُنافس اللغة العربية الـمُعجزة التي اصطفاها ربُّك و جعلها لسانا للقرآن و لنبيه الخاتم، فاحرِص على عربيتك لتفقه دينك الذي أنعم الله عليك به و على أجدادك منذ زمن عقبة بن نافع و موسى بن نصير رحمهما الله، و لا تغُرنَّك الراية الأمازيغية التي لا يُراد منها -و الله- سوى التفريق بين أهل بلدك على أساس قومي قذِر، و لتتبنَّى رايةً واحدةً فقط هي راية ”لا إله إلا الله محمد رسول الله” فلا قومية في الإسلام مطلقا… و إني أختم رسالتي لك بهذه الكلمات الرائعات للعلامة الـمصلح البشير الإبراهيمي رحمه الله، حيث قال:
( من قال إن البربر دخلوا في الإسلام طوعًا فقد لزمه القول بأنهم قبلوا العربية عفوًا، لأنهما شيئان متلازمان حقيقة وواقعًا، لا يمكن الفصل بينهما، ومحاولة الفصل بينهما كمحاولة الفصل بين الفرقدين. ومن شهد أن البربرية ما زالت قائمة الذات في بعض الجهات، فقد شهد للعربية بحسن الجوار، وشهد للإسلام بالعدل والإحسان، إذ لو كان الإسلام دين جبرية وتسلط لمَحا البربرية في بعض قرن فإن تسامح ففي قرن.


إذا رضي البربري لنفسه الإسلام طوعًا بلا إكراه، ورضي للسانه العربية عفوًا بلا استكراه، فأضيعُ شيء ما تقول العواذل، واللغة البربرية إذا تنازلت عن موضعها من ألسنة ذويها للعربية لأنها لسان العلم وآلة المصلحة، فإن كل ما يزعمه المبطلون بعد ذلك فضول.
إن العربي الفاتح لهذا الوطن جاء بالإسلام ومعه العدل، وجاء بالعربية ومعها العلم، فالعدل هو الذي أخضع البربر للعرب، ولكنه خضوع الأخوة، لا خضوع القوة، وتسليم الاحترام، لا تسليم الاجترام. والعلم هو الذي طوّع البربرية للعربية، ولكنه تطويع البهرج للجيدة، لا طاعة الأمَة للسيدة.
لتلك الروحانية في الإسلام، ولذلك الجمال في اللغة العربية، أصبح الإسلام في عهد قريب صبغة الوطن التي لا تنصُل ولا تحول. وأصبحت العربية عقيلةً حرّة، ليس لها بهذا الوطن ضرّة).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى