مقالات

درعا .. البداية.. والنهاية!

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

     كانت ومازالت أرض درعا وسهل حوران وما حولها مقبرة للغزاة، ومنطلقا لنصر جديد، وولادة أمة جديدة، وفاتحةً لبداية عصر جديد.. ونهضة جديدة..

      فيها كانت معركة اليرموك التي قضت على دولة الروم، وآذنت بولادة أمة العرب في أرض الشام، وتشكلت أول دولة للإسلام في دمشق.

     فيها كانت معركة حطين التي أنهت حلم الصليبيين بالقضاء على الإسلام، وحررت الأقصى، وقضت على أخطر تهديد للإسلام والمسلمين تعرضوا فيه للإبادة على يد أباطرة وأساقفة الصليب في أوروبا مجتمعة.

     فيها كانت عين جالوت التي وقفت بوجه الريح الصفراء القادمة من الشرق، حيث المغول والتتار، وما فعل جنكيز خان وهولاكو ببغداد والمدن والقرى والأرياف التي مروا بها..  

    ومنها انطلقت دعوة إبراهيم؛ رسالة التوحيد، باتجاه فلسطين ومصر، ثم مكة ورفع قواعد الإسلام، وإقامة شعائر الحج، والتأسيس للدين الجديد، والتمهيد لولادة محمد، ونزول الوحي القرآني، وانبثاق النور الإلهي الذي عم العالم كله.

     كانت درعا حاضنة حافظ الأسد، والركائز التي بنى عليها نظامه، والمحافظة التي قدمت أطفالها – أغلى ما تملك – ذبائح له عند زيارته لها، بعد أن رأت أن الخراف قليلة بحق الزائر العظيم، ثم ما لبث أطفال درعا أنفسهم أن كانوا المعول الذي هدم وردم هذا الصرح العظيم الذي بناه حافظ أسد من جماجم السوريين، وأسقطوا أو كادوا يسقطون نظام بشار، ويزيلون دولة العلويين إلى الأبد، وسيكون ذلك إن شاء الله.

    منها انطلقت الثورة العربية السورية العظيمة، وفيها ترعرع الربيع العربي، ونمت عراسه وأينع ثمره بفضل الدماء السورية التي استمرت تنزف على مدى عشر سنوات ونيف ومازالت تروي شجرة الحرية التي كانت بذرتها في قلب درعا.

     الآن نحن نمر بأخطر مرحلة من مراحل ثورتنا، وربيعنا العربي، والحد الفاصل بين زمنين ومرحلتين ودولتين وحقبتين زمنيتين متباينتين في تاريخ أمة العرب؛ إما أن تنتصر الأمة، وينتصر الربيع العربي، وتحيا أمة العرب بعد موات وسبات دام قرونا طويلة، وتعود إلى الواجهة تهدي البشرية، وتنشر نور الإسلام، وتنقذ العالم مما هو فيه، من انحراف وشذوذ وضلال..

     وإما أن تغيب عنها الشمس، وتعود مرة أخرى إلى الجاهلية الأولى، وما قبلها، على يد هولاكو العصر بشار الأسد ومن معه من مجرمي العالم، وقتلة الحياة؛ فتغرق في دياجير الظلام والجهل والتخلف والفوضى والعبودية قرونا طويلة لا يعلم إلا الله منتهاها..

     هذا الوضع الذي تعيشه درعا اليوم لن يستمر طويلا على هذه الحال، فالعدو الذي جرب حظه العاثر، وحاول التقدم إلى درعا لإخضاعها والانتقام منها مما فعلت فيه في الأولى والأخيرة، وتعرض لانتكاسة جديدة وهزيمة جديدة، لن يستسلم، وعاد إلى أسياده وداعميه ومنقذيه والمدافعين عنه الذين يحملون كل أحقاد العالم على كل ما هو عربي ومسلم، وأذرعهم ميليشيات الغدر والخيانة والجريمة المنظمة، والحقد الأسود، والتعطش للدماء التي تربوا على نزيفها وجريانها وغرقوا فيها..

     هم يحشدون اليوم كل قواهم، ويستعدون للمعركة الفاصلة، وأهل درعا الذين خدعهم وغرر بهم الخونة بالمصالحات، وسلموا سلاحهم الثقيل والمتوسط، وهجّروا رجالهم إلى الشمال الذي كان محررا، ولم يبق منهم إلى القليل، وبيدهم إلا السلاح الخفيف على قلته وقلة ذخيرته وعتاده، ومع ذلك كسروا جيش بشار، وردوه على عقبيه خاسرا خائبا مذعورا، فما بالك لو بقي سلاحهم ورجالهم معه!!.

      المشكلة لم تنته هنا، ولن تنتهي بعد، فترك درعا تنتصر مشكلة كبيرة لنظام بشار العلوي الطائفي البهرزي، وللنظام الرسمي العربي ممثلا بنظام الملك الأردني المقامر المخامر الضلّيل الذي بات يحرّض ويحشّد ويحاصر درعا، ويعلن وقوفه مع بشار جهارا نهارا، بعد أن كان يعمل بالخفاء سرا، ويتحرك في جميع الاتجاهات ليل نهار؛ عربيا ودوليا وإسرائيليا وأمريكيا وروسيا يحشد الدعم لبشار، ويحذر من انهياره وانتصار درعا..

      هو يعلم أكثر من غيره بأفعال رجال درعا وسورية إن انتصروا على بشار وجنوده وهزموه وأسقطوه، وأن مملكته وملكه سيزول لامحالة، وأحجار الدومنة ستتساقط بالتداعي، وسينهار الجدار الصلب الذي بنوه على مدى نصف قرن لحماية الكيان الصهيوني (إسرائيل) التي أنشأها أجداده مع الإنكليز وعبد العزيز، وبقية الحكام العرب الآخرين الذين صارت الخيانة دما يجري في عروقهم، والعمالة مهنة يعيشون منها، ووسيلة يقتاتون عليها، والتآمر والغدر والخديعة والقتل والجريمة طريقة يبقون على عروشهم بواسطتها.

    العدو يحشد جيشه وميليشياته، وأعوانه يتحركون في كل الاتجاهات، وفصائل الشمال وجيوشه وجبهاته التي تستطيع أن تحسم المعركة وتنهي نظام الأسد المنهار بأسرع ما يمكن، وتصل دمشق بلمح البصر، وتنقذ درعا مما يحضر لها، والشعب السوري مما يعاني وذاق من ويلات ومصائب على يد هذا النظام المجرم، ومن معه من المجرمين..

      هذه الفصائل بمعظمها وبمعظم قادتها إلا من رحم ربي باعت دينها وشرفها وأخلاقها ووطنيتها وعروبتها وإسلامها بعرض من الدنيا قليل، ورهنت قرارها وبندقيتها عند الداعم والممول والراعي الذي تعهد للروس وللأمريكان وللنظام ولإيران ولكل العابثين بالدم السوري ببقائها نائمة غائبة عن الساحة؛ مكبلة ممنوعة التحرك باتجاه النظام إلا نحو بعضها بعضا، وقتال بعضها بعضا على الغنائم والبيوت، والحواجز والضرائب، وتجارة المخدرات وتجارة البشر، والاستعداد للذهاب إلى أي بقعة في العالم للقتال مع من يريد وضد من يشاء؛ مقابل المال.. ولا نستغرب أمرا إذا علمنا يوما أنهم يقبضون المال من النظام نفسه مباشرة، وهم يقبضونه الآن ممن يدفع لهم ليحافظوا على النظام نفسه بطريقة غير مباشرة.

      صاروا تجار حروب، ومافيا قتل وجريمة منظمة، وبلاك ووتر العرب، وحماة الصليب والهلال والناقوس والدف والطبل والمزمار والرقص والدعارة والفوضى والتجارة والبنوك والأرصدة وغسيل الأموال وغسيل الضمائر والأخلاق والقيم والتاريخ المشرف والأصالة والبطولة والتضحية والفداء والثورة، وباعوها كلها بسوق النخاسة والنجاسة والفساد والمال السحت الحرام بلا حياء ولا خجل ولا خوف من الله ولا من البشر..

      تحولوا يقاتلون مع أعداء الثورة ضد الثورة، ومع النظام ضد الشعب الثائر؛ لقاء المال والجاه والسلطة، ووظفوا السياسيين وشيوخ العشائر والوزراء والأمراء والقادة لخدمتهم وتبجيلهم وتقليدهم الأنواط والأوسمة، ومسح جباههم وخلفياتهم..

      صارت لهم أذرع عسكرية وسياسية وإعلامية تدافع عنهم، وتتهم كل من يتعرض لهم بالخيانة، وتحاكمه بالعمالة، وترميه بالكفر، وتجرمه بالزندقة، فأخذوا يسجنون الثوار ويقتلونهم ويرهبونهم ويطاردونهم داخل المحرر وخارجه، ويحمون حدود النظام ويمنعون من يقاتله أو يفكر بقتاله.

    ما هو الحل:

نحن أمام خيارين لا ثالث لهما:

  •  إما أن تنتصر درعا وينتهي هذا النظام ونخلص منه ومن إجرامه إلى الأبد.
  • أو أن تهزم درعا وتنتهي الثورة وتنتهي الأمة وينتصر بشار وجنوده ويتوجه بعدها إلى الشمال الذي كان محررا؛ يستعيده ويهرب أمراء الحرب بما كسبوا من أموال، وأرصدة ويتركوا كل شيء وراءهم طعما سائغا للمجرمين والقتلة والسفاحين والسفاكين؛ يبيدون البشر، ويحرقون الحجر والشجر، ويعدمون الحياة.
  • إذن يجب أن تنتصر درعا.. ولا خيار آخر.. كيف؟؟ هذه هي الطريقة التي يجب أن يبحث عنها ويعمل عليها كل حر شريف يغار على وطنه وأمته ودينه وعرضه وكرامته وعروبته وإسلامه.
  • وأحسب أن الأمة بخير، والساعين إلى الطريقة المثلى كثر، ورجال الأمة مازالوا أحياء، ولن يترك الله بيضة العروبة والإسلام تستباح، وستفاجئنا الأيام القادمة بما هو خير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى