مقالات

اتهامات أربكت ثورة!

المحامي عبد الناصر حوشان

عرض مقالات الكاتب


إن تصنيف الثورة السورية وتقسيمها إلى ثنائيات متضادّة، واطلاق التهم جُزافاً وإثارة الشبهات، كان له الأثر السيئ والمُدمّر عليها حيث نتج عن هذا إغراق الثوار والحاضنة الثورية في متاهة الرفض وإنكار التهمة ونقل عبء الاثبات من عاتق المدّعين إلى قوى الثورة، والدوران في فلك المغالطات الامر الذي أدى إلى تضليل الرأي العام، واثارة الخلافات، وخلق النزاعات، والدفع نحو الصراعات البينية.
لقد اتبعت الولايات المتحدة الامريكية في صراعها مع الشيوعية هذه السياسة ، حيث كان السيناتور جوزيف مكارثي في أوائل الخمسينيات من القرن المنصرم في سلسلة من جلسات الاستماع التليفزيونية يوجَّه مكارثي تهمة الشيوعية إلى عددٍ كبير من الأشخاص الأبرياء ولم تكن تلك الاتهامات قائمةً على أساسٍ ولا مستندةً إلى دليل وإن كانت بالغةَ الضرر شديدة الإيذاء، وكان مكارثي يظهر في تلك الجلسات حاملًا حقيبةً منتفخةً بالملفات الخاصة بالمتهمين، غير أنه في معظم الحالات لم يكن يقدم بينةً حقيقية، وكان الشخص يُتَّهم على أساس أنه ليس في ملفات مكارثي ما يدحض ميولَه الشيوعية! عن إحدى تلك الحالات يقول مكارثي في اجتماع مجلس الشيوخ عام ١٩٥٠: «ليس لديَّ معلوماتٌ وفيرةٌ في هذا الشأن عدا ما ورد في التقرير العام للوكالة من أنه لا يوجد في الملفات ما يثبت أنه غير متصلٍ بجهاتٍ شيوعية “.
لقد استخدم أعداء الثورة هذه السياسة في الحرب عليها واعتمدوا على مصطلح ” الإرهاب ” كمدخل للقضاء عليها وتصفية أي حراك ثوري حقيقي يؤثر على مصالحهم في سورية والمنطقة، فكانت نتائج هذه السياسة ظهور ثنائيات ” إسلامي – علماني ” و ” إسلامي متطرف – إسلامي معتدل ” و ” فصائل جهادية – فصائل معارضة ” و ” يميني – يساري ” و ” مقاتلين – مرتزقة “.
كل هذه الاتهامات القيت في ساحة الثورة بدون دليل سوى ما صنعه أعداء الثورة في محاولة منهم في تضليل الرأي العام، وتفكيك البنية الثورية من خلال نشر الخوف في أوساط الثورة والانشغال بإثبات براءة الذمة من هذه الاتهامات، ودرء هذه الشبهات، مما اشغل الثوار عن الهدف الرئيسي المتمثِّل في اسقاط النظام المجرم وإطالة أمد الصراع الذي أثر سلبًا على عزيمة ومعنويات الحاضنة الثورية، الذي ساهم فيه كثرة الشائعات والاتهامات واطلاق الاحكام بدون حجة او دليل.
إن التصدّي لهذه السياسات من واجب كل الأحرار والثوار السوريين لأننا في النهاية كلنا في دائرة الاستهداف، إن التسامي على الخلافات والانصاف عند الخصومات، وبناء جسور الثقة كفيلة بالعبور بنا إلى بر الأمان.
من الحكمة ألا نحوِّل خلافاتنا إلى خصومات ولا خصوماتنا إلى عداوات، ويفرض علينا اجتماعنا رغم اختلافنا، ووقوفنا مع بعضنا رغم خصومتنا في وجه العدو الأوحد مما سيُغيّر معادلة الصراع من خلال توفير عوامل القوة الذاتية التي يمكن من خلالها استعادة القرار الثوري الحر وهو النقطة الحاسمة في صراعنا مع النظام وحلفائه.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. روى أحمد والطبراني والبيهقي – و كلهم بسند صحيح – عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الجماعة رحمة، والفُرقة عذاب)) .
    من الممكن فهم الجماعة في الحالة – موضوع المقال – أنها التي تجتمع على إسقاط عصابة متحكمة مفروضة على الناس فرضاً جبرياً من جهة استعمارية لأجل إيجاد حكم رشيد يتنفس فيه الشعب عبير “الحرية و الكرامة و العدالة” هذا الشعار الذي اتفقت عليه غالبية الشعب عند انطلاق ثورة سوريا المباركة .
    كان من الطبيعي أن تظهر عدة جماعات و كان طبيعياً أن تكون هنالك اختلافات و اجتهادات و الكلام منحصر في البدايات حين كان الإخلاص للأمة هو سيد الموقف . ما غاب عن الأذهان هو أن هنالك نوعان من الاختلاف : اختلاف التنوع (و هو محمود ) و اختلاف التضاد (وهو مذموم ).
    كمثال على اختلاف التنوع هو ما حصل بين أئمة المذاهب رضي الله عنهم جميعاً (أبو حنيفة ، الشافعي ، ابن حنبل ، و مالك) فهؤلاء كانوا لا يتهمون بعضهم البعض و لا يثيرون شبهات فيما بينهم بل كانوا يحبون و يحترمون بعضهم و الذي كان بينهم تعدد الفهم للمسألة و تحقيق المناط و استنباط الحكم الشرعي عليها . يروى أن الإمام أحمد رحمه الله قال لولد الشافعي رحمهما الله” : أبوك من الستة الذين أدعو لهم كل ليلة وقت السَحر” .
    من بعد عصر الصحابة و التابعين ، افتقدت الأمة معرفة مفهوم الجماعة أو الجماعات بالشكل الصحيح . ببساطة ، لا يمكن اعتبارها جماعة تلك التي يغني كل منتمي إليها على ليلاه فالأصل أن يتفقوا على ما يريدون و يلتزموا بصرامة بالإستراتيجية و بالتكتيك .
    تعدد الجماعات ، بما يزيد عن اللزوم ، مرفوض بالعقل و بالمنطق فمثلاً موجود في تونس 122 حزب بعد الثورة جرى بسهولة إصابتها بالشلل في الآونة الأخيرة . لو كان عدد الأحزاب 5 مثلاً لكان التلاعب بتونس أصعب مهما كانت درجة المكر السياسي .
    حين تحركت أمريكا ، بعد الحرب العالمية الثانية ، لوراثة الاستعمارين الفرنسي و البريطاني عن طريق الانقلابات كان ((أول)) بلد صنعت فيه انقلاباً هو سوريا عام 1949 و على يد ” صبي أمريكي ، و هذا وصف مايلز كوبلاند له” حسني الزعيم . سوريا ، هي ليست ذلك البلد الذي زعم أوباما كاذباً أنه يتبع تجاهه سياسة النأي بالنفس. و لأن حبل الكذب قصير ، فقد كان جوابه – بعد فترة – لسؤال صحفي عن سبب الشيب الذي غزا شعره “شيبتني سوريا” و هو جواب يعني متابعته التفاصيل و تفاصيل التفاصيل . تفريق كلمة الثوار ، وجود اختلاف التضاد ، شراء الذمم بالبترودولارات ، غرفتا الموم و الموك ، المليشيات المرسلة بالأمر ، الوكيل الروسي المأجور ، المخابرات الدولية و الإقليمية … كل ذلك كان من ضمن الحرب على ثورة شعب سوريا ، لكن الله كبير و ما في أكبر منه . اعتذر عن الإطالة .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى