منوعات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة 57

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


الجزء الثالث: الدولة العباسية
2- أبو جعفر المنصور

ولد في ذي الحجة سنة 95 هـ
وبويع في ذي الحجة سنة 136 هـ، بعد أخيه أبو العباس السفاح
وتوفي في ذي الحجة أيضاً سنة 158 هـ عن 63 سنة
فكانت خلافته 22 سنة إلا 24 يوماً وقيل إلا 8أيام
ولي بعده ابنه محمد المهدي
اسمه ونسبه
أبو جعفر المنصور 137 – 158 هـ/753 – 774 م
هو عبد الله بن محمد الامام بن عليّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. (العقد الفريد 5/ 370)
وأمّه أم ولد بربرية اسمها سلاّمة. (العقد الفريد 5/ 370، المحبر صـ 34)
مولده:
وكان مولده بالشّراة لسبع خلون من ذي الحجة سنة خمس وتسعين (95هـ) (العقد الفريد 5/ 370)
أولاده:
تزوج المنصور أروى بنت منصور الحميرية، وولدت له: محمداً وهو المهدي، وجعفراً وكانت شرطت عليه ألا يتزوج ولا يتسرّى إلا عن أمرها، وكان قد ابتاع جاريته أم علي وجعلها قيّما في داره على أم موسى وأولادها، فحظيت عند أم موسى وسألته التسرّي بها لما رأت من فضلها، فواقعها فأولدها علياً، وتوفي قبل استكمال سنة؛ ثم تزوج فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد الله، فولدت له سليمان وعيسى ويعقوب، ورُزق من أمهات الأولاد: صالحاً والعالية وجعفراً والقاسم والعباس وعبد العزيز. (العقد الفريد 5/ 370)
صفاته وسماته:
كان فحل بني العباس شجاعة وحزمًا ودهاءً، ويعتبر المؤسس الحقيقي للدولة العباسية، انتقل مع أبو العباس إلى الكوفة وعمل معه على تأسيس الدولة، وتوطيد أركانها، وكان الساعد الأشد والعضد الأقوى له، ثم كان واليًا على الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان قبل خلافته. (موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر صـ181)
وقيل في صفته وسيرته أنه كان أسمر طوالاً نحيف الجسم ، خفيف العارضين وكان من أحسن الناس خُلُقا ًما لم يخرج إلى الناس، وأشدّهم احتمالاً لما يكون من عبث الصبيان، فإذا لبس ثيابه وخرج هابه الأكابر فضلاً عن الأصاغر. ولم يُرَ في داره لهو ولا شيء من اللعب والعبث. (تاريخ مختصر الدول 1/ 123، العقد الفريد 5/ 370)
قال حماد التركي: كنت واقفاً على رأس المنصور فسمع جلبة فقال: انظر ما هذا. فذهبت فإذا خادم له قد جلس وحوله الجواري وهو يضرب لهن بالطنبور، وهنّ يضحكن، فأخبرته فقال: وأي شيء الطنبور؟ فوصفته له، فقال: ما يدريك أنت ما الطنبور، قلت: رأيته بخراسان، فقام ومشى إليهنّ. فلما رأينه تفرّقن. فأمر بالخادم فضرب رأسه بالطنبور حتى تكسّر الطنبور، وأخرجه فباعه، ولما أفضى إليه الأمر أمر بتغيير الزي وتطويل القلانس. فجعلوا يحتالون لها بالقصب من داخل. وأمر بعدّ دور أهل الكوفة وقسمة خمسة دراهم على كل دار. فلما عرف عددهم جباهم أربعين درهماً أربعين درهماً. (تاريخ مختصر الدول 1/ 123)
وكان يخضب بالسواد. (العقد الفريد 5/ 370)
ونقش خاتمه: «الله ثقة عبد الله وبه يؤمن» . (العقد الفريد 5/ 370)
بيعته وخلافته:
استخلف أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، بعد أخيه العباس بعهدٍ منه، فبويع في اليوم الذي توفي فيه أخوه عبد الله بن محمد بن علي بن العباس، لثلاث عشرة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة. ولُقِّبَ بالمنصور (العقد الفريد 5/ 370، موجز التاريخ الإسلامي صـ181)
ووزر له ابن عطية الباهلي، ثم أبو أيوب المورياني، ثم الربيع مولاه؛ وكان حاجبه عيسى بن روضة مولاه، ثم أبو الحصيب مولاه؛ وكان قاضيه عبد الله بن محمد بن صفوان، ثم شريك بن عبد الله، والحسن بن عمار، والحجاج بن أرطأة. (العقد الفريد 5/ 370)
الفتوحات:
سيّر المنصور في سنة أربعين ومائة عبد الوهاب ابن أخيه ابراهيم بن محمد الامام في سبعين ألف مقاتل الى ملطية. فنزلوا عليها وعمروا ما كان خرّبه الروم منها. ففرغوا من العمارة في ستة أشهر. وأسكنها المنصور أربعة آلاف من الجند، وأكثر فيها من السلاح والذخائر، وبنى حصن قلوذية. (تاريخ مختصر الدول 1/ 121)
العاصمة وبناء بغداد:
أحب أبو جعفر أن يبنى لنفسه وجنوده مدينه ليتخذها دار المملكة، فسار بنفسه يرتاد الأماكن حتى انتهى إلى بغداد، وهي إذ ذاك قريه يقوم بها سوق في كل شهر، فأعجبه المكان، وقال له أهل الحذق: إنّا نرى يا أمير المؤمنين أن يكون على الصراة وبين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر فإذا قطعته لم يصل إليك، وأنت متوسط للبصرة والكوفة وواسط والموصل والسواد. ودجلة والفرات والصراة خنادق مدينتك، وتجيئك الميرة فيها من البر والبحر. فازداد المنصور حرصاً على النزول في ذلك الموضع، فخط لنفسه وحشمه ومواليه وولده وأهل بيته المدينة، وسماها مدينه السلام، وبنى قصره وسطها إلى المسجد الأعظم.
وابتدأ في بناء مدينة بغداد سنة خمس وأربعين ومائة (145هـ) وسبب ذلك أنه كان قد ابتنى الهاشمية بنواحي الكوفة. فلما ثارت الراوندية به فيها كره سكناها لذلك، وكره جوار أهل الكوفة أيضاً، فإنه كان لا يأمن أهلها على نفسه، وكانوا قد أفسدوا جنده. (تاريخ مختصر الدول 1/ 122، الأخبار الطوال صـ 384)
ولما عزم على بناء بغداد أمر بنقض المدائن وإيوان كسرى. فنقضه ونقله إلى بغداد. فنقضت ناحية من القصر الأبيض وحمل نقضه. فنظر وكان مقدار ما يلزمهم له أكثر من ثمن الجديد فأعرض عن الهدم، وجعل المدينة مدورة لئلّا يكون بعض الناس أقرب الى السلطان من بعض، وعمل لها سورين الداخل أعلى من الخارج. وبنى قصره في وسطها والمسجد الجامع بجانب القصر وقبلته غيرمستقيمة يحتاج المصلّي ان ينحرف الى باب البصرة، وكانت الأسواق في مدينته فجاءه رسول لملك الروم، فأمر الربيع فطاف به في المدينة. فقال: كيف رأيت. قال: رأيت بناء حسنا إلا أني رأيت أعدائك معك وهم السوقة. فلما عاد الرسول عنه أمر بإخراجهم إلى ناحية الكرخ، وأمر أن يجعل في كل ربع من مدينته بقّال يبيع البقل والخل فحسب. (تاريخ مختصر الدول 1/ 122)
أهم الأحداث:
قابل المنصور ثورات خطيرة، من شأنها أن تهز العروش، وتزعزع النفوس،
ولكنه كان ثابت الجأش، واستطاع بحنكته وسياسته ومهارته أن ينتصر فيها جميعًا، وكانت أهم هذه الأحداث:-
1 – ثورة عمه عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس:
ففي أول سنة سبع وثلاثين ومائة بلغ عبد الله بن علي موت ابن أخيه السفاح، فزعم أن السفاح عهد إليه بالخلافة من بعده، وأقام شهوداً بذلك، وادعى أنه أحق بالخلافة، لأنه قتل مروان بن محمد، وثبَّت دعائم الدولة، فبايعه جيشه، كما بايعه أهل الشام والجزيرة، فسار بجيشه إلى حران فتحصن بها، فسير إليه المنصور أبي مسلم الخراساني، فالتقى الجمعان بنصيبين في جمادي الآخرة، فقاتله خمسة شهور، واشتد القتال بينهم، ثم انهزم جيش عبد الله، وهرب عبد الله وفرَّ إلى البصرة وبها أخوه، ثم قبض عليه المنصور سنة 137 هـ/753 م وسجنه حتى مات. (موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر صـ 182، مرآة الجنان وعبرة اليقظان 1/ 223)
وقد حاز أبو مسلم خزائنه، وكانت خزائن عظيمة، لأنه كان قد استولى على جميع أموال بني أمية، فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يدك، فصعب ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور، وسار نحو خراسان فأرسل إليه المنصور يستعظمه ويمنيه، وما زال به حتى ظفر به فقتل في شعبان (مرآة الجنان وعبرة اليقظان 1/ 223، الأخبار الطوال صـ378)
2 – قتل أبي مسلم الخراساني:
وأبو مسلم الخراساني: هو أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم صاحب دعوة بني العباس ومنشىء دولتهم، كان قويًا، داهيةً، أصله فارسي، خرج من خراسان وهو شاب فما زال يتحيل بإعانة وجوه شيعة بني العباس ونقبائهم حتى وثب على مرو فملكها، وحاصل الأمر أنه خرج من خراسان بعد أن حكم عليها وضبطها، فقاد جيشاً هائلاً، ومهد لبني العباس بعد أن قتل خلقاً لا يحصون محاربةً وصبراً، حتى قيل كان حجاج زمانه. (مرآة الجنان وعبرة اليقظان 1/ 223)
وذكروا أن أباه رأى في المنام أنه جلس للبول فخرج من إحليله نار، وارتفعت في السماء وسدت الآفاق وأضاءت الأرض ووقعت بناحية المشرق، فقص رؤياه على عيسى بن معقل فقال: إن في بطن جاريتك غلاماً يكون له شأن أو كما قال، ثم فارقه ومات، فوضعت الجارية أبا مسلم، ونشأ عند عيسى فلما ترعرع اختلف مع ولده إلى المكتب، فخرج أديباً لبيباً يشار إليه في صغره. (مرآة الجنان 1/ 223)
ولما حج أبو مسلم أمر منادياً في طريق مكة: برئت الذمة من رجل أوقد ناراً في عسكر الأمير. فلم يزل يغديهم ويعشيهم حتى بلغ مكة، وأوقف في المسعى خمس مائة وصيف على رقابهم المناديل، يسقون الأشربة من سعى من الحاج بين الصفا والمروة، ولما وصل الحرم نزل وخلع نعليه ومشى حافياً تعظيماً للحرم. (مرآة الجنان وعبرة اليقظان 1/ 224)
وكان السيد الوحيد المطاع في خراسان، وكان المنصور يخاف أن يتمرد على الدولة، فاستقدمه بعد أن كلفه بالقضاء على عمه عبد الله، فقدم بعد إلحاح شديد وتهديد، فقتله المنصور سنة 137 هـ/753 م (تاريخ مختصر الدول 1/ 121، العقد الفريد 5/ 370)
وكانا قد حجّا معاً في أيام السفاح. وكان أبو مسلم يكسو الأعراب ويصلح الآبار والطرق. وكان الذكر له. فحقد أبو جعفر ذلك عليه. ولما صدر الناس عن الموسم تقدم أبو مسلم في الطريق على أبي جعفر فأتاه خبر وفاة السفاح فكتب إلى أبي جعفر يعزيه عن أخيه ولم يهنئه بالخلافة، ولم يقم حتى يلحقه ولم يرجع إليه. فخافه أبو جعفر المنصور وأجمع الرأي وعمل المكايد وهجر النوم إلى أن اقتنصه. (تاريخ مختصر الدول 1/ 121، العقد الفريد 5/ 370، الأخبار الطوال صـ 380)
وأرسل المنصور إلى أبي مسلم يستدعيه فلما قدم أمر المنصور الحاجب إذا دخل ابو مسلم ان يأخذ عنه سيفه وأمر الناس بِتَلَـقِّـيه وإكرامه غاية الكرامة.
فدخل على المنصور وقبل يده. فأقبل المنصور عليه يعاتبه ويذكر عثراته. فجعل أبو مسلم يعتذر إليه ويقبّل الأرض بين يديه.
فقال المنصور: قتلني الله ان لم أقتلك. فخرج الحرس يضربونه بسيوفهم وهو يصرخ ويستأمن ويقول: استبقني لعدوّك يا أمير المؤمنين. فقال له المنصور: وأيّ عدوّ لي أعدى منك. (الأخبار الطوال صـ 381، تاريخ مختصر الدول 1/ 121)
وامر أبو جعفر فهيئت له ألف صُرَّه، في كل صُرَّه ثلاثة آلاف درهم، وأحس أصحاب أبى مسلم بالأمر، فصاحوا، وسلّوا السيوف، فأمر أبو جعفر بتلك الصُّرَر، فقذفت إليهم مع رأس أبى مسلم. وصعد عيسى بن على إلى أعلى القصر، وقال: يا أهل خراسان، إنما كان أبو مسلم عبداً من عبيد أمير المؤمنين، وجد عليه، فقتله، فليفرخ روعكم، فان أمير المؤمنين بالغ آمالكم. فترجل القوم وتناولوا تلك الصرر، كل واحد صره، وتُرِكَ الرأس مقذوفا. (الأخبار الطوال صـ 382)
3 – ثورة محمد وإبراهيم:
وهم أبناء عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي، ففي سنة 144هـ أخذ المنصور من أولاد الحسين بن علي بن ابي طالب اثني عشر إنسانا ورحّلهم من المدينة الى الكوفة، وحبسهم في بيت ضيّق، لا يمكّن أحد من مقعده يبول بعضهم على بعض ويتغوط ولا يدخل عليهم روح الهواء ولا تخرج عنهم رائحة القذارة حتى ماتوا عن آخرهم. (تاريخ مختصر الدول 1/ 122)
فخرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن ابي طالب الملقب بالنفس الزكيه سنة 145 هـ/762 م، بالمدينة المنورة، فتبعته، وادعى الخلافة، وقتل أميرها رباح بن عثمان، وجمع الجموع وتسمى بالمهدي. فسير إليه المنصور جيشًا على رأسه عيسى بن موسى فحاربه وهزمه وقتل محمد هذا في شهر رمضان، وجاء برأسه إلى المنصور وبسلبه. (موجز التاريخ الإسلامي صـ 182، المحبر صـ 34، الأخبار الطوال صـ 385، الإنباء في تاريخ الخلفاء صـ 64)
وبعد قتله خرج أخوه إبراهيم بن عبد الله بالكوفة (الإنباء في تاريخ الخلفاء صـ 64) وقيل ثار إبراهيم في البصرة، فأطاعته، وخرج في ثلاثين ألفاً، فأخضع معظم العراق وفارس والأهواز. وقاوم المنصور مقاومة عنيفة، فنفذ إليه المنصور عيسى بن موسى، فلقيه بقرية تعرف بباخمرى وكسره وأسره وقتله وجاء برأسه إلى المنصور. وكان قتله في عشر من ذي الحجة بباخَمري في عام 145 هـ/762 م. وكان هؤلاء العلويون يطالبون بالخلافة ويؤكدون أنهم أحق بها من العباسيين، لكنهما قتلا ولم ينجحا. (موجز التاريخ الإسلامي صـ 182، تاريخ مختصر الدول 1/ 122، المحبر صـ 35، الإنباء في تاريخ الخلفاء صـ 64)
4 – الخوارج:
نشط الخوارج أيام المنصور، وبالذات في بلاد المغرب، حيث أقام الخوارج الصفرية دولة لهم في سجلماسة بالغرب سنة 140 هـ/757 م، ونشط المنصور في جهادهم. (موجز التاريخ الإسلامي صـ 182)
5- الراونديّة:
وفي سنة أربعين ومائة (140هـ) خرج الراونديّة على المنصور بمدينة الهاشمية وهم قوم من أهل خراسان يقولون بتناسخ الأرواح ويزعمون أن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم هو المنصور(الأخبار الطوال صـ 384)
وجعلوا يطوفون بقصره ويقولون: هذا قصر ربنا. فأنكر ذلك المنصور وخرج إليهم ماشياً إذ لم يكن في القصر دابة. ونودي في أهل السوق فاجتمعوا وحملوا عليهم وقاتلوهم فقُـتِلَت الراوندية جميعاً وهم يومئذ ستمائة رجل. (تاريخ مختصر الدول 1/ 122)
وقيل أن أبا جعفر سار سنه اثنتين واربعين ومائه (142هـ) نحو البصره حتى وافاها، فبلغه أن الراونديه تداعوا، وخرجوا يطلبون بثار أبى مسلم، وخلعوا الطاعة، فوجه إليهم خازم بن خزيمة، فقتلهم، وبددهم في الارض، ثم عقد لمعن بن زائده من البصره على اليمن، وأقام عامه ذلك بالبصرة. (الأخبار الطوال صـ 384)
والراونديه: فئه تنسب إلى أحمد بن يحيى بن إسحق الراوندي من أهل خراسان المتوفى سنه 303 هـ وقد كان معتزليا، ثم صار شيعيا، ثم تغير إلى الزيغ والإلحاد، وله مؤلفات تمثل ذلك الاضطراب الذى تقلب فيه. (انظر تاريخ الإلحاد في الاسلام للدكتور عبد الرحمن بدوى).
كُلُّكم صاحب صيد إلا عمرو بن عبيد :
وزعموا أن عمرو بن عبيد دخل إليه، فلما رآه أبو جعفر صافحه، وأجلسه إلى جانبه، فتكلم عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك من الله ببعضها، واعلم أن الله لا يرضى منك إلا بما ترضاه منه، فإنك لا ترضى من الله إلا بأن يعدل عليك، وإن الله لا يرضى منك إلا بالعدل في رعيتك، يا أمير المؤمنين، إن من وراء بابك نيراناً تأجح من الجور، وما يعمل مَن وراء بابك بكتاب الله ولا بسنه رسول الله، يا أمير المؤمنين: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ، إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ، حتى أتى على آخر السورة ، ثم قال: ولمن عمل والله بمثل عملهم.
قالوا: فبكى أبو جعفر.
فقال ابن مجالد: مه يا عمرو، قد شققت على أمير المؤمنين منذ اليوم.
قال عمرو: من هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: هذا اخوك ابن مجالد.
قال عمرو: يا أمير المؤمنين ما أحد أعدى لك من ابن مجالد، أَيَطْوي عنك النصيحه، ويمنعك من ينصحك؟ وإنك لمبعوث وموقوف ومسئول عن مثاقيل الذر من الخير والشر. فرمى أبو جعفر بخاتمه إليه، وقال: قد وليتك ما وراء بابي، فادع أصحابك، فولهم، قال: إن اصحابى لن يأتوك حتى يروك قد عملت بالعدل، كما قلت بالعدل. ثم انصرف. (الأخبار الطوال صـ 384)
قال راقمه: وعمرو بن عبيد على زهده وورعه، ونصحه للأمراء، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر دون خوف؛ إلا أنه كان صاحب بدعة، فقد كان معتزليا.
ولي العهد:
وفي سنة سبع وأربعين ومائة (147هـ) طلب المنصور من عيسى بن موسى أن يخلع نفسه عن العهد ويقدم عليه المهدي بن المنصور ويكون ولىّ العهد بعد المهدي فلم يفعل فبذل له عن ذلك ثمانين ألف دينار، ومائة تخت من الديباج الخسروانى، وإمارة الكوفة ففعل . وكان المنصور قد شغّب عليه الجند فخاف على نفسه منهم فبادر إلى الخلع. (الإنباء في تاريخ الخلفاء صـ 64)
وصية المنصور لولده:
وفي سنة ثماني وخمسين ومائة سار المنصور من بغداد ليحجّ فنزل قصر عبدويه فانقضّ في مقامه هنالك كوكب بعد إضاءة الفجر، وبقي أثره بيّناً إلى طلوع الشمس. فأحضر المهدي ابنه وكان قد صحبه ليودّعه فوصله بالمال والسلطان. وقال له: أوصيك بأهل بيتك أن تظهر كرامتهم، فإنّ عزّك عزّهم، وذكرهم لك، وما أظنّك تفعل. وانظر مواليك، وأحسن إليهم، واستكثر منهم، فإنهم مادتك لشدّة إن نزلت بك، وما أظنك تفعل. وانظر هذه المدينة وإياك أن تبني المدينة الشرقية فإنك لا تتم بناءها، وأظنك ستفعل. وإياك أن تدخل النساء في أمرك، وأظنك ستفعل. هذه وصيتي إليك والله خليفتي عليك. ثم ودّعه وبكى كل منهما إلى صاحبه. (تاريخ مختصر الدول 1/ 123)
وفاته:
وفي سنه ثمان وخمسين ومائه حج أبو جعفر، فسار إلى الكوفة، وكلما سار منزلاً اشتد وجعه الذي مات به، فلما وصل إلى بئر ميمون، نزل الأبطح على بئر ميمون بمكة ، فمرض بها، وتوفى بها مع السحر غداة السبت لستّ خلون من ذي الحجة سنة ثماني وخمسين ومائة. (الأخبار الطوال صـ 385، تاريخ مختصر الدول 1/ 123، المحبر صـ 36)
وقيل توفي بمكة قبل التّروية بيوم، لسبع خلون من ذي الحجة وهو محرم (العقد الفريد 5/ 370)
ثم حمل الى مكة وحفروا له مائة قبر ليعمّوا على الناس، ودفن في غيرها مكشوف الرأس لإحرامه وكان عمره ثلثاً وستين سنة، وكانت مدة خلافته اثنتين وعشرين سنة. (تاريخ مختصر الدول 1/ 123) وقيل دفن بالحجون. (العقد الفريد 5/ 370)
وكانت خلافته إثنتين وعشرين سنة، إلا أربعة وعشرين يوما. وقيل مات وهو ابن ثمان وستين سنة. (المحبر صـ 36)
وقيل كانت مدة خلافته اثنتين وعشرين سنة إلا ثمانية أيام، وتوفى وله ثلاث وستون سنه، ودفن باعلى مكة. (العقد الفريد 5/ 370، الأخبار الطوال صـ 385)
وصلى عليه عيسى بن موسى بن محمد. (المحبر صـ 36، الأخبار الطوال صـ 385) وقيل: صلى عليه إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس (العقد الفريد 5/ 370)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى