مقالات

مصير هونغ كونغ يدعو اليابان للتعاون مع تايوان

منتدى استراتيجي ثلاثي ضم اليابان وأمريكا وتايوان

كتابة: ياي تشين  (Yi Chen) خبير في شؤون منطقة هونغ كونغ

حاول رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي (Shinzo Abe) وبتألق ماهر تجنب اللجوء إلى تايوان التي من شأنها زعزعة علاقات بلاده مع الصين. ولكن بعد رحيل شينزو وقدوم يوشيهيد سوغا (Yoshihide Suga) – من نفس الحزب-، انضمت مجموعة من أصوات الساسة اليابانيين تطالب بدعم أكبر لما يسمى رسمياً “جمهورية الصين” والمعروفة باسم تايوان. وهي جزيرة اتخذت لنفسها الحكم الذاتي بعد الحرب العالمية الثانية وتُحكم ديمقراطياً منذ ذلك الحين.

مخاوف اليابان من أذرع أخطبوط الصين

اجتمع عمالقة صانعي القرار في 29 حزيران / يوليو لكلٍ من أمريكا واليابان وتايوان في قاعاتٍ مغلقة للتباحث عبر الفيديو وعقد مؤتمر بينهما لمناقشة المخاوف المشتركة سميت، “منتدى استراتيجي”. كانت قاعة اليابانيين مغلقة مغطاة بألواحٍ خشبية ظهرت بعض المقاطع منها على وكالة الأنباء (TBS)، وظهر بها شينزو آبي –الذي يحتفظ بقيادة فصيل رئيسي من الحزب الحاكم، وترجمت كلماته يذكر بأن بلاده لا يمكنها السماح لتايوان بالسيطرة على ما يحدث في هونغ كونغ، (ربما المقصود بمفردها).

يُنظر إلى تبني آبي بأنه الداعم الأقوى تجاه تايوان ويأتي التغير الجذري في الحكومة اليابانية رداً على حملة الرئيس الصيني شيجين بينغ (Xi Jinping) القمعية على هونغ كونغ وزيادة النشاط العسكري في مضيق تايوان. واجه نائب رئيس الوزراء الياباني والحليف القديم تارو آسو (Taro Aso) مؤخراً توبيخاً غريباً من نظرائه الصينين، إذ ذكر تارو أن على بلاده اليابان العمل مع الولايات المتحدة لحماية أمن تايوان في حالة حدوث أزمة مشابهة لما حصل في هونغ كونغ. 

لماذا تدافع اليابان عن تايوان؟

تعتمد اليابان بشكل كبير على خطوط الإمداد التي تمر عبر جزيرة تايوان والتي تقع بالقرب من 110 كيلومتر ضمن حدود الصين، وما تعتبر اليابان تهديداً وجودياً.

وذكر مسؤولون دفاعيون وساسة يابانيون إلى أن تجاهل الصين للاحتجاجات الدولية ضد مساعيها لإسكات المعارضة المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ قد أجج المخاوف في طوكيو من أنها ستكون مستعدة لاتخاذ إجراءات مماثلة تجاه تايوان، وهذا احتمال وارد. ويؤكد نائب وزير الدفاع الياباني السابق والذي يشغل حالياً منصب نائب الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم، أن السبب هو “موقف الصين” المتشدد في السنوات الأخيرة، إذ أنه توقع أن يكون لدى الصين نوايا حسنة، وعليه لم تقم اليابان باتخاذ أي إجراءات استفزازية وقتها.

التحرك الأمريكي وتحور العلاقات التي رسمت مع بكين في السبعينات

جاء تغير الإدارة الأمريكية إلى تسهيل محاولة الرئيس الأمريكي بايدن تشكيل تحالف أكثر تماسكاً لوقف التقدم الصينين. وأعاد بايدن ورئيس وزراء اليابان يوشيهيدي التأكيد على “أهمية السلام والاستقرار في مضيق تايوان” خلال زيارة سوجا إلى البيت الأبيض في أبريل الماضي. والتي تعتبر أول إشارة لتايوان في مثل هذا البيان المشترك منذ مغادرة البلدين لتايبيه. 

حاولت مجموعة الدول السبع إصدار بيان مشترك حول هونغ كونغ في نهاية العام 2020، وركزت فيه اليابان بشكل ملحوظ على تايوان، وأشار
الكتاب الأبيض” السنوي لوزارة الدفاع إلى الحاجة إلى الشعور بالأزمة بشأن صراع محتمل حول تايوان بين الصين والولايات المتحدة، وفي غضونها، قال وزير الدفاع الياباني (شقيق شينزو آبي) في مقال مع (Businesshala News) أن اليابان تعتبر أمنها مرتبطاً بشكل مباشر مع أمن تايوان.

ولم يفوت السناتور الأمريكي بيل هاغرتي (حزب الجمهوريين) والذي حضر الاجتماع مع وزير دفاع اليابان آبي الأسبوع الماضي، بالتشديد. وقال بيل أن الذي شغل منصب سفير اليابان في الفترة من 2017 إلى 2019 كان من المشجع مرة أخرى أن تتخذ اليابان وجهة نظر أكثر صراحة بشأن تهديد الصين لجزيرة تايوان.

ولم يمر هذا التغيير بدون معارضة من الصين، إذ لا تزال الصين تلوم اليابان في تاريخها الإمبريالي – والذي سبقه احتلال اليابان لتايوان دام نصف قرن – مما جعل متحدث الخارجية الصينية يصف الاجتماع “بالسلبي وعديم الدقة شكلاً ومضموناً”، كما حذر من أن الاتفاق بشأن تايوان هو “الأساس السياسي” لركائز العلاقات بين الصين من جهة واليابان والولايات المتحدة.

ما هو الأمن القومي؟

رغم كل المماحكات، يتعمد كلاً من الصين وأمريكا ترك مساحة مناسبة للتفاوض، وخلال ما أثارته حكومة اليابان بإشعال غضب الصين أثناء تعليقاته على الدفاع عن تايوان، وما يغضب الصين هو أن قرار اليابان بالدفاع عن تايوان أُخذ بالإجماع من داخل القوى اليمينية فيها.

وحتى الآن مازال يوشيهيد سوغا يترك مسافة لكيلا تثير تلك الأزمة قطيعة نهائية مع الصين (يبقي شعرة معاوية على سبيل التشبيه لا المقارنة)، بينما أعطت طوكيو أوليات للمبادرة الأكثر رمزية تجاه تايوان، مثل السماح لوفد بقيادة رئيس الوزراء السابق يوشيرو موري بحضور جنازة الرئيس التايواني لي تنغ هوي العام الماضي (أحد مؤسسي الانفصال)، كما تم شحن ملايين جرعات التطعيم لتايوان خلال أزمة الوباء.

كانت رئيسة تايوان السيدة تساي إنغ ون (Tsai Ing-wen) قد دونت في صفحتها على الفيسبوك بمناسبة بدء دورة الألعاب الألومبية في طوكيو أن “بلادها واليابان جارتان قريبتان وقد أظهرتا دعماً لبعضهما في الأوقات الحرجة”.

المتحدة طمأنة بكين بأن ميولهما تجاه تايوان لا يمثل خروجاً عن سياسة مبدأ “الصين الواحدة” –وهو مبدأ تعاهدت الصين مع معظم الدول للإقرار به والعمل عليه في خطوة الانفتاح الصيني على العالم-، ويقول المحللون أن التصعيد الأخير هو تحدي أمني كبير لم تواجهه اليابان منذ الحرب العالمية الثانية التي انتهت بسحب اليابان قواتها من كافة البلاد التي احتلتها قُبيل الخسارة. كما هو من غير الواضح ما هو الدور الذي ستلعبه اليابان (عسكرياً)، التي يحد دستورها السلمي من أنشطة جيشها، مع تايوان في حالة الطوارئ. ربما ستكون الأولوية لإجلاء قرابة 15 ألف مدني ياباني، وربما تضخ أمريكا مساعداتها العسكرية لليابان، إذ بدأ مسؤولون عسكريون أمريكان ويابانيون التخطيط لصراع محتمل مع الصين على تايوان في عام 2020، كما ذكرت صحيفة (فاينانشل تايمز) في 1 حزيران/ يونيو، أن مناورات حربية سرية للغاية وتدريبات مشتركة في بحار قرابة الشواطئ الصينية.

يجزم المحللون أن الصين بنت جيشاً، وبلا شك مع أخذ تايوان في الاعتبار، وأنه بمجرد الانتهاء من مستوى معين من التحضير، فإن الأمر يتعلق بمتى يتم تنفيذه، ونحن الآن عند هذه المرحلة المفصلية. 

الرصاصة رقم واحد

مسؤولو اليابان وأمريكا العسكريون في مراحل متقدمة من التخطيط لاحتمالية الصراع مع الصين على جزيرة تايوان، وكان النشاط ظاهراً على أوجه بعد المناورات الحربية التي جرت بكل سرية مرفقة بتدريبات مشتركة ضمت جيش تايوان في المناورات توسعت رقعتها منطقة جنوبي بحر الصين الشرقي.

ومن الناحية الصينية فقد أنشأت بدورها جيشاً اختصت مستوياته بالتركيز على استعادت تايوان عسكرياً، ويحوم السؤال الجوهري على من سيبدأ إطلاق الرصاصة رقم واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى