مقالات

الذئب الإيراني في درعا

د. صابر جيدوري

أكاديمي وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب


كتبت منذ سنوات مقالاً بعنوان “التشيع الإيراني من المنهج الخفي إلى المنهج الجلي”، وضحت فيه أن حركة التشيع في سوريا ليست جديدة، وما نراه الآن في شوارع دمشق من مظاهر شيعية كالمظاهرات التي تحمل صور الخميني وحسن نصر الله، وما تقوم به عناصر شيعية من لطميات وأهازيج تنضح عفناً وتخلفاً وطائفية، ليست وليدة اللحظة أو من افرازت الأزمة السورية الراهنة، وإنما لها ارهاصات في المجتمع السوري منذ أن تسلق حافظ الأسد إلى سدة الحكم في سوريا.
والمستقرئ لواقع المجتمع السوري يلاحظ بسهولة الانتشار غير المسبوق للحوازات التعليمية والمؤسسات الدينية (الحسينيات) على الجغرافيا السورية، ومع ذلك فإن المشكلة لها أبعاد أخطر من ذلك بكثير، فما يحصل في سوريا هو مقدمة لا بد منها للنفاذ إلى دول أخرى والسيطرة عليها، وعلى مقدراتها، فقد بات جميعنا يعرف أن أربع عواصم عربية أصبحت بيد الذئب الإيراني، وما زال هذا الذئب يفكر بالتهام المزيد، في الوقت الذي ما زالت الحكومات العربية تقف منه موقف المتأسف، داعية إلى وقف القتال مرة، ودعوته إلى احترام دول الجوار وعدم المساس بأمنها مرة أخرى، مكتفية بتنديد هنا وآخر هناك.
اليوم أصبح الذئب الإيراني في درعا على حدود الدولة التي حذر ملكها أكثر من مرة من “هلال شيعي” هدفه ابتلاع المنطقة العربية، ومع ذلك ما زالت هذه الدولة وغيرها من الدول العربية صامتة عما يجري في محافظة درعا من ممارسات إجرامية سوف يمتد تأثيرها إلى الدول العربية عاجلا أم آجلاً، وما زالت جامعة الدول العربية الكسيحة لم تنظر إلى هذا الخطر الإيراني على محمل الجد.
ولكن في مقابل موقف العرب الرسمي المتخاذل ما زال أحرار درعا مسلحون بقوة الحق والإيمان يقفون في مواجهة ايران وميليشياتها رغم هذا التخاذل والصمت المريب، ورغم قلة التسليح والدعم، ورغم ما يحيكه العالم من مؤامرات عليها بوصفها رمز الثورة السورية، والمشكلة أنه لم يُدرك العرب الرسمي حتى اللحظة أننا في منعطف حاسم من وجودنا وبقائنا، وأن الذئب الإيراني يزداد توحشًا وسُعارًا، ليحقق أمنيات أجداده في السيطرة على كل ما هو خارج جمهورية العمائم، طامعًا بإمبراطورية تضم إليها معظم دول الشرق الأوسط.
كذلك لم يُدركوا بعد أن الثورة السورية هي خط الدفاع الأول الذي يمنع عنهم حتى اللحظة التهام الذئب الإيراني لبعض بلدانهم. يجب أن يعلم الجميع أن ما أظهرته ايران في السنوات العشر الماضية من حقد وكره للعرب، وازدراء حقوقهم ودينهم، لن يتوقف إلا إذا عاد العرب إلى رشدهم، وتنبهوا للمخاطر التي تُحدق بهم جميعًا، ومن يعتقد منهم أن معارك ايران في درعا سوف تتوقف عند حدود درعا مع الأردن فهو مخطئ، فالاستراتيجية الايرانية لن يتوقف تنفيذها إلا بالسيطرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة، فإن اقتنعتم بذلك ابحثوا عما يُنجيكم من هذا الذئب اللعين الذي يجتاح المنطقة، وإن لم تقتنعوا فاقرأوا ما قاله الشاعر الدكتور محمود المقداد:
أعزتي العرب
قهوتكم.. هذا المساء
ممزوجة بكل ما يسُركم
بالموت والدماء
تفرجوا يا إخوتي
وراقبوا الأحداث في التلفاز
ترشّفوا قهوتكم.. في غاية الهدوء
وراقبوا القصف المثير
على بيوت الإخوة – الأعداء
ببسمةٍ.. أو ضحكة غراء
تقبلوا مناظر القتل المريع
بنكتةٍ صفراء!!
اختم مقالي بكلمة أخيرة لكل العرب: نحن في مركب واحد إن هلك سنهلك جميعًا، وإن نجا سننجوا جميعًا، أصحوا من نومكم فجحافل مجوس العصر لن تتوقف عند درعا، إلا إذا كان لكم موقفًا قويًا موحدًا.. لا تنشغلوا بمكافحة الإرهاب، فأنتم لستم من صنعه، ولا أنتم من أنتج وسائله، ولا أنتم من يوجه أساطيله وطائراته لقتل البشر.. ايران هي الإرهاب والإرهاب هو ايران.. أصحوا من نومكم فالتشيع والكبتاغون الذي تنشره ايران في دولكم لم يعدّ خافياً على أحد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أرجو الله أن يخرج كل أبناء أمتنا من دائرة من ينطبق عليه قول الله تعالى (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير). حين لا يكون هنالك سماع ، و حين يكون عناد على الصمم فلن يكون بالنتيجة عقل يربط الأمور بعضها و بانعدام العقل “بطريقة اختيارية” لأناس ليسو بله أو مجانين فعندئذ تكون الطامة الكبرى و هي خسران الدنيا و دخول جهنم المستعرة.
    توجد في إيران عدة قوميات من أخطرها القومية الفارسية التي كانت لها إمبراطورية و كان الفرس ينظرون إلى العرب و غيرهم في الجوار نظرة استعلائية فوقية متغطرسة . لم يهدم الروم فارس و إنما كانت الحرب سجال بينهما ، و من هدم الإمبراطورية الفارسية كانوا المسلمون العرب محلَ ازدراء الفرس و تعلمون أن كسرى – من دون الملوك الذين أرسل النبي صلى الله عليه و سلَم لهم رسائل – قام بتمزيق الرسالة و هذا هو التكبر “بطر الحق و غمط الناس” و لذلك دعا عليه النبي الكريم (مزقَ الله ملكه) و أعطانا بشارة (إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده).
    بمجرد انهيار إمبراطورية المجوس عبيد النيران ، قامت فلولها بالتحرك و كانت البداية اغتيال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ثم بعد ذلك – و مع تظاهر بالإسلام المتشدد – أوجدوا الفتن و كان أخطرها اختراع العشق الزائد لآل البيت و اتهام غالبية المسلمين بكراهية آل البيت الكرام .
    قاموا بمعاداة الدولة الأموية و خانوا الدولة العباسية و وقفوا مع كل عدو حاقد غازي لبلاد المسلمين إلى أن تحقق لهم صناعة غلام أذري “إسماعيل الصفوي” في بداية القرن الخامس عشر الذي فرض التشيع بالقوة على أهل إيران و تحالف مع أقوى دولة أوروبية حينئذ و هي البرتغال .
    ثم إن من أعقبه من حكام كان ينظرون أين القوة الدولية في العالم ليتبعوها ، فاختاروا بريطانيا و مكثوا موالين لها قروناً و معلوم أن هذه الدولة هي من منحتهم “الأحواز العربية ” عام 1925 و هي حالياً نادمة على ذلك. هذه المنطقة الثرية جعلت القوى الكبرى تطمع في نزع السيطرة على إيران من أيدي الانجليز وبرزت 3 دول عملت على ذلك : روسيا ، فرنسا ، أمريكا .
    الدولة التي نجحت كانت أمريكا ، و بالفعل سيطرت على إيران في انقلاب عام 1979 من خلال الهندي “آية الله الخميني” الذي كان يقيم في شقة في فرنسا – كشف الأمريكان قبل أيام أنها كانت ملكاً لمخابراتهم – و بمساعدة الجنرال الأمريكي “روبرت هايزر” و بتعاون ضباط سلاح الجو الإيراني الموالين لأمريكا .
    بمجرد قدومه لطهران ، أعلن الخميني أمرين في غاية الأهمية : ولاية الفقيه “و إن شئت السفيه ” و كان في هذا تحويل للتشيع من مذهب إسلامي إلى دين جديد يختلف في الجوهر عن دين الإسلام ، و تصدير الثورة ” و في الحقيقة تصدير للخراب بما يتفق مع قاعدة الفوضى الخلاقة و إنشاء شرق أوسط جديد يختلف عن ترتيب سايكس – بيكو ” و لقد رصد كهنوت الفرس لذلك 16 مليار دولار سنوياً (أخي القارئ اضرب هذا الرقم ب 42 سنة لتعلم عظمة القرآن الكريم في حديثه عن من ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله).
    لم يكن انتشار نفوذ الفرس في العراق و سوريا و لبنان و اليمن بمنأى عن دورهم الوظيفي و سيواصلون الانتشار إلى غير تلك البلدان مطيحين بأنظمة و عائلات حاكمة و هذه الأخيرة مشكلتها أنها قصيرة النظر و سهلة الانخداع بتطمينات الغرب في حمايتها علماً بأن سياسة الغرب لا توجد فيها عواطف و هي ميكافيلية حتى النخاع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى