مقالات

الغرب وأكذوبة التحضر !

محمد عماد صابر

برلماني مصري سابق
عرض مقالات الكاتب

طالما أبهرتنا منظومة القيم الغربية نظرا لأجواء التراجع والانحطاط التي نعانيها في بلدان العرب ، بالفعل هي منظومات قيم مبهرة نجحت مؤسسات البناء والتكوين الغربي في غرسها وترسيخها في وجدان وسلوك المواطن الغربي بنفس القدر من الإخفاق والفشل الذي عاشته مؤسسات البناء والتكوين العربي والإسلامي بعدم غرس وترسيخ منظومات القيم الإنسانية والحضارية العربية والإسلامية والذي عاشتها أجيال قبل الإسلام وبعده ، منظومات القيم العربية والإسلامية ذات خلفيات أخلاقية ودينية لكن وبكل أسف هناك مساحات وفراغات شاسعة بين منظومات القيم والإجراءات المرتبطة بها ، وعلى الطرف الآخر القيم الغربية محلية عنصرية مصلحية وليست إنسانية حضارية ،
،، الديمقراطية مثلا ،، قيمة خاصة بالغرب دون سواه ، تستخدم هناك لحفظ الحقوق و هنا لابتزاز الأنظمة وحرمان الشعوب من الحقوق بل وزيادة الشقاق والعقوق ،

،، أيضا الحق في الحياة ،، يقف الغرب على قدم واحدة لإنقاذ حياة قطة أو كلب أو ربما فأر كما حدث في ألمانيا لكنهم وبكل ضمير مرتاح شركاء في قتل عشرات آلاف في البلدان الأخرى “راجع تصريحات ترامب بأن أمريكا تسببت في قتل 250 ألف إنسانا في العقود الأخيرة ، فضلا عن رعايتها وشراكاتها وصمتها عن إجرام الأنظمة المستبدة في قتل الشعوب ونهب ثرواتها “
ومن الملفت أن بعض الأنظمة المستبدة القاتلة لشعوبها وفرق الموالاة التابعة تمارس بعض سلوكيات الغرب في الرفق بالحيوان في نفس الوقت التي تسفك فيه دماء الإنسان ولا ترى له أية حقوق ومنها الحق في الحياة مجرد الحياة

نعم نجح الغرب وبمستوى لم نصل إليه في بناء دول متماسكة ومؤسسات مستقلة ومواطن يرتكز على منظومات من القيم وشبكات من السلوك والممارسات وخرائط من القدرات و المهارات لكنها تخصه هو دون سواه ،

الغرب ومشروعه الاستعماري لم يحترم ولم يعتبر إرادة الشعوب في إختيار من يحكم ومن يدير وهذه أساسيات الديمقراطية ، لم يقبل بنهج الإخوان المسلمين السلمي الوسطي ولم يقبل بنهج حركة النهضة الليبرالي ولم يقبل بنهج اوردوغان العلماني ، الغرب لن يقبل إلا بأنظمة الاستبداد والفساد التي نحت الإسلام جانبا ولا تستدعيه إلا لتحقيق مصالحها وتقنين استبدادها وفسادها ،

الغرب لن ولم يتخلى عن موقفه المعادي تجاه الإسلام السني بصفة خاصة لأنه إسلام الحياة في الدين والسياسة والاقتصاد والمجتمع إسلام الإنسانية وليس العنصرية ،

بالتأكيد ، لا رهان على الغرب ولا قيمه المزيفة العنصرية ، ولا رهان على الشرق في بلاد العرب والإسلام ، ولا رهان على أنظمة مستبدة ونخبة تابعة مستعدة لتقنين وسرعة كل ألوان الفساد القيمي المالي والوطني طالما هناك مصالح ، ولا رهان على معارضة أصبحت جزء من الاستبداد والفساد في سلوكها الداخلي وفي علاقاتها بالسلطة ،

ويبقى الرهان على تيار وطني ينشأ ويتكون وفق منظومات القيم الإنسانية الحضارية الممتدة في التاريخ والرصيد العربي والإسلامي لهذه المنطقة بمفهوم يتوافق عليه غالبية المجتمع ، تيار وطني يؤمن بالقيم الإنسانية الحضارية التي تتوافق مع دينه وهويته وثقافته ، ويقوم بحمايتها وحراستها ليقوم مقام مؤسسات الدولة بديلا مؤقتا للمؤسسات الرخوة المنحازة تارة لمصالحها وتارة لشخص الحاكم ، لأن غياب المؤسسات الآمنة والضامنة لإنفاذ القانون وحماية حقوق الشعب وإرادته يخرجنا من مربع الدول إلى فراغ أشباه الدول ، لذا تكمن أهمية التيار الوطني المنشود في إقامة دولة المؤسسات وبناء وتكوين إنسان التغيير المنشود .

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حين يقوم المرء بقراءة الكتب و المراجع الغربية ، يجد تخبطاً و خلطاً عند المفكرين فيما يتعلق بالثقافة و الحضارة و المدنية و التقدم المادي و الرقي و لذلك لن تجد أن مفكراً واحداً لديهم قد أعطى تعريفاً جامعاً مانعاً مقنعاً للحضارة مع أن مخابرات فرعون توصلت لتعريف مقبول للحضارة و هو طريقة الحياة (Way of Life) حين ذكرت الآية الكريمة 63 من سورة طه ما بثته المخابرات عن النبيين موسى و هارون عليهما السلام (قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ) .
    الطريقة في الحياة يصوغها مبدأ تنبثق عنه أنظمة و قوانين …الخ . و لقد كان في الغرب مفكرون رائعون قالوا بأن الدين من عند الله هو أساس كل تنظيم حياة البشر “لولا الدين لما كانت أخلاق و لولا الأخلاق ما كانت هنالك قوانين ” . بغياب الدين تسقط الأخلاق و تتهدم القوانين ، و تتحول الدنيا إلى غابة يفترس فيها القوي الضعيف من دون رحمة أو شفقة و من دون ضوابط تكبح أو تردع هذا الافتراس ، أي الإنسان الذي كان محل إكرام من الله بقوله تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) ، سيتحول إلى حيوان مثل حيوانات الغابة سواء كان قوياَ أو ضعيفاً.
    في ظل عقيدة فصل الدين عن الحياة و العلمانية أو اللائكية ، برزت لدى الغرب ظواهر ضلال أسماها سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه “وساوس الشيطان” حين أقسم “والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد” أي أنه كان يريد إنقاذهم من الضلال بذلك القائد البطل رضي الله عنه.
    أوروبا ، التي خرجت من رحمها أمريكا و غيرها، تمثلت فيها الوساوس بالذات المنفوخة للفرد ( inflated ego) و بالذات المنفوخة للقوم (أي العنصرية) و هي القارة التي ولدت فيها النازية و الفاشية و الشيوعية و العبثية و العدمية و الوجودية و وهم رسالة الرجل الأبيض و الحق في استعمار بلدان الغير.
    انطبق على أمريكا بيت الشعر القائل “وإني وإن كنْتُ الأخيرَ زمانُهُ ** لآتٍ بما لم تَسْتَطِعْهُ الأوائلُ” حيث أنها فاقت الأوربيين في الاستعلاء و الغطرسة و محاولة السيطرة على كل شيء بما في ذلك عقول البشر . هي عدوة الشعوب و الداعمة لكل مستبد و الحاقدة بشكل جنوني على العرب و المسلمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى