مقالات

لله دركم يا أبطال درعا!! ماذا فعلتم!!؟؟ ثوار درعا، طالبان سورية 1

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب



المقدمة:
في الوقت الذي شعر فيه النظام المجرم أنه قد استعاد عافيته، وحان وقت تصفية الحساب مع درعا، والانتقام من ثوار درعا، وهدم الجامع العمري الذي انطلقت منه الشرارة الأولى للثورة العربية الكبرى في سورية، وسيقوم بتنفيذ تهديده الذي أرسله عبر قائد شرطته في درعا الضابط العربي السني الشيخ ابن الشيخ حفيد الشيخ العميد ابن البو كمال ابن دندل؛ بأن النظام سيفعل ذلك إن لم تُنفذ شروطه كاملة، بتسليم السلاح، والمصالحات وتهجير الخطرين، وإقامة الحواجز والنقاط الأمنية، أي إعادة السيطرة بالكامل، ولن يرضى بأنصاف الحلول، ولا يقبل التفاوض عليها..
وفي الوقت الذي حشد فيه النظام خيرة قواته، وأشرس جنوده؛ الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، والفرقة 15 التي يقودها ابن عمه من آل الأسد أيضا، واستعد للمعركة الفاصلة التي سينهي بها هذا الصداع المزمن الذي يأتيه من جهة درعا، ويفرغ لترتيب وضعه السياسي الجديد الذي يجب أن يطمئن فيه على انتصاره في معركته ضد الشعب السوري الثائر، وعلى استقرار نظامه، ويعمل على توريث الحكم لابنه حافظ من بعده، كما ورثّه له أبوه من قبل..
فجاءت انتفاضة درعا غير المتوقعة قوتها، صفعة مدوية، وصدمة للنظام وحلفائه، لتخلط الأوراق من جديد، وترجع الأمور إلى نقطة الصفر، وتعيد للثورة ألقها ووهجها وحيويتها وسيرتها الأولى، وبدايتها الحميدة، وتضع النظام وحلفاءه في مأزق خطير؛ لن يخرجوا منه سالمين هذه المرة.
الأوضاع قبل ثورة درعا الثانية:
الوضع السياسي للنظام؛ داخليا وخارجيا:
داخلياً:
النظام وحلفاؤه استطاعوا أن يمرروا على الشعب السوري لعبة الانتخابات، حيث جرت بهدوء وسلاسة لم تكن متوقعة، وزادت هذه المرة عن سابقاتها أن الانتخاب جرت بالدم ورافقها الطبل والزمر والدبك والردح والنخ والأفراح والولائم ومشاركة المرأة بحماس وهز خصر، ورفع أرجل لم تعهده سورية من قبل، على الرغم من الوعود الكاذبة من أمريكا والمجتمع العربي والإقليمي والدولي المتواطئ مع بشار الأسد، بأن الانتخابات لن تجري، وأنهم لن يعترفوا بها، ولكن العكس هو الذي حصل.
خارجياً:
جاءت تصريحات الملك الأردني في واشنطن بعد لقائه مع بايدن محملا برسالة من الكيان الصهيوني ودول محور الشر الخليجية تدعوه لإعادة تأهيل النظام وعودته إلى المجتمع الدولي من خلال الجامعة العربية والأمم المتحدة، وإنهاء ما يسمى بالثورة السورية والربيع العربي، لاسيما أن الربيع العربي ضُرب في رأسه ضربة قاضية في تونس، مهده ومنطلقه وملهمته، واستطاع قيس سعيد بحنكته الخيانية، وترتيباته العربية والإقليمية والدولية، وبلاغته اللغوية من استغلال الوضع الاقتصادي المتدهور، المرتب على الطريقة المصرية السيساوية، والأخطاء والخطايا التي ارتكبها الإخوان في تونس كما ارتكبوها في مصر وسورية؛ أن يقوم بانقلابه المشؤوم متكامل الأطراف، لينهي بذلك عقدا كاملا من الربيع العربي الذي صدع الغرب والشرق، وقض مضاجعهم، وكاد أن يحقق أهدافه التي ما كان للحكام العرب الصهاينة ولا للكيان الصهيوني ولا للشرق والغرب أن يتحملها، ولذلك عملوا جاهدين على القضاء عليه قضاء كاملا تاما من خلال عملائهم في المنطقة، واستخدام كل الطرق والأساليب والحيل والحروب للقضاء عليه.
جاءت تصريحات الملك الأردني واضحة جلية بأن النظام عائد إلى الجامعة العربية والمجتمع الدولي بقوة، ولم يعد هناك ما يمنع لاسيما أنه يتمتع بالاعتراف الدولي، وأن الثورة قد انتهت ولم يبق منها إلا بعض الجيوب التي ستصفى قريبا وينتهي الأمر، فكانت هذه التصريحات بمثابة الإشارة لبدء الهجوم على درعا الذي استعد له النظام جيدا.
عسكرياً:
أعاد النظام هيكلة جنوده وقطعاته وقواته، واطمأن إلى وضع الشمال المرتهن الأسير، وإلى قادة فصائله العسكرية العملاء المرتزقة الجبناء الخونة، وتأكد أن جبهة النصرة ومن تحالف معها بدأت تنفذ الشروط المطلوبة منها دوليا عبر تركيا لإعادة تأهيلها وتسويقها كجيب جولاني عميل في الشمال السوري، فبدأت تعمل على تصفية المجاهدين الحقيقيين استجابة لطلبات الروس والصينيين عبر ممثليهم وولاة أمرهم الذين يفاوضون في سوتشي وأستانا، بعد أن صفّت الثوار الحقيقيين من الجيش الحر، وقضت على كتائبه المستقلة الشريفة النظيفة بالتعاون مع داعش التي انتهت مهمتها, وما زالت هي تقوم بمهمتها التي لم تنته بعد؛ بالتحكم بالشمال السوري، ولجم الثوار والشعب، وحماية وتأمين النظام والروس هناك، وهي تطمع وتطمح من وراء ذلك أن تجعل من إدلب ولاية لها بزعامة الجولاني وعصابته المجرمة، وتحصل على الاعتراف الإقليمي والدولي إن لم يكن بشكل رسمي فبشكل شبه رسمي، ريثما تموت الثورة، ويستعيد النظام قوته وعافيته.
اقتصادياً:
حصلت للنظام في الآونة الأخيرة انفراجة اقتصادية كبيرة من خلال توفر المشتقات النفطية عبر قسد وإيران ودول محور الشر العربية، وكذلك في توفر مادة الخبز والطحين من روسيا، ولكن الانفراجة الكبرى كانت في إعادة العلاقات الاقتصادية مع الأردن ومع دول الخليج العربي من خلال فتح معبر نصيب، والبدء بمرور الشاحنات والتبادل التجاري ونقل البضائع السورية إليها، وهذا يشكل متنفسا كبيرا للنظام، وكسرا لعزلته الاقتصادية والسياسية أيضا، والبدء بممارستها عمليا وفعليا على أرض الواقع.
التحضير للمعركة:
شعر النظام المجرم أن الوقت قد حان، والظروف كلها جاءت مواتية لشن حملته العسكرية على درعا للقضاء على ثورتها وثوارها، واستئصال شأفتها، والانتقام منها واستباحتها وتعفيشها وإذلالها وتأديبها، فحشد لذلك خيرة جنودة، ونخبة قواته التي بدأت بالانتشار وتضييق الحصار على درعا البلد، ورفع سقف الشروط المطلوبة التي كان وافق عليها المفاوضون عن الثوار، بتسليم قطع السلاح المطلوبة، وإجراء المصالحات للأشخاص الذين لم يصالحوا بعد، وتهجير الثوار الذين يرفضون المصالحة إلى الشمال الأسير المرتهن المؤمن، تركيا وجولانيا وفصائليا.
وعلى الرغم من استعداد المفاوضين للذهاب إلى أبعد مدى في تقديم التنازلات التي تبقي على الحد الأدنى من الكرامة الثورية، إلا أن النظام كان قد اتخذ قرار الحرب، وبدأت مجريات المعركة من خلال القصف المدفعي في الهاون والراجمات وغيرها.
الشيء الوحيد الذي كان يفتقده النظام سلاح الطيران والغطاء الجوي الروسي الذي غاب عن سماء العركة، والذي اتقد النظام أنه غير محتاج إليه لاسيما أنه يقوم بمهامه القتالية في ذبح أهلنا في الشمال الأسير؛ في جبل الزاوية وريف إدلب.
مجريات المعركة:
بدأ النظام هجومه على درعا البلد بعد أن مهد لذلك بقصف مدفعي ورمي كثيف من كافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، وتقدم إليها واثقا ظانا أنه سيدخلها ظافرا دون قتال، وربما يستقبله أهلها بالورود والأهازيج التي كان سمعها في أماكن أخرى في انتخاباته المزورة؛ فالثوار كانوا قد سلموا سلاحهم الثقيل والمتوسط في المفاوضات التي جرت سابقا، واستسلموا وسلموا أنفسهم في المصالحات التي تمت بواسطة الخائن المحاميد، وصهره أحمد العودة، وقادة الثوار وشجعانهم الذين رفضوا الاستسلام وهُجّروا إلى الشمال، وعاشوا في أقفاص الأسر الجولاني الفصائلي التركي.. فالمنطقة خالية، والأجواء مهيأة، والفرصة مواتية، وحان وقت تصفية الحساب.
الرد المزلزل:
فوجئ النظام بما لم يكن في الحسبان؛ برد صاعق غير متوقع، وثورة عارمة متجددة، ورجال خرجوا عليه من تحت الأرض، وأحاطوا به من كل جانب؛ من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن أسفل منه؛ رجال لا يهابون الموت، ولا يحسبون له حسابا، ويطلبونه مندفعين متماسكين منظمين مدربين شجعانا، ومعهم وخلفهم نساء أخوات الرجال، وأمهات أنجبن وأرضعن وربين خيرة الأبطال، وشجعنهم على القتال، وشيوخ وأطفال يسابقون ويزاحمون الثوار، في الساحات وفي الخنادق وفي الأناشيد والزغاريد والقتال.. وإذا بدرعا كلها تنتفض وتثور وتحارب، ويقع النظام وجنوده في شر أعمالهم وسوء منقلبهم، والفخ الذي لن يخرجوا منه إلا خانعين مستسلمين أذلاء.. والحمد لله على نصره.
يتبع في الجزء الثاني نتائج المعركة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى