مقالات

التعليم حق وليس مكرمة من أحد

د. صابر جيدوري

أكاديمي وباحث سوري.
عرض مقالات الكاتب



تعرضت منذ بداية الثورة وحتى الآن إلى الكثير من الأسئلة مثل: لماذا تقف ضد النظام؟ ألم يعلمك ويوظفك؟ ألم تنال من خيراته الشيء الكثير؟ لماذا وقفت هذا الموقف وتركت جامعة دمشق التي كنت تعمل فيها؟ وغير ذلك من أسئلة تصب في هذا الاتجاه. في الحقيقة لم تفاجئني مثل هذه الأسئلة أو غيرها، لأن الثقافة التي روجها النظام في سورية برمجت عقل بعض المثقفين وغير المثقفين على أن أي شيء يقدمه النظام للمواطن هو عطاء يجب أن يشكروه عليه، فإذا جاءت زيادة على الراتب فهي عطاء ومكرمة من النظام، وإذا أجرى المواطن عملية جراحية عليه أن يشكر النظام الذي وفر له المشفى، وإذا تم توظيفه فالفضل يعود للنظام، وقيسوا على ذلك من عطاءات روجت لها وعززتها سياسات النظام في المجتمع السوري.
لا شك أن هذه الثقافة قاصرة ومشوهة، ومن يسأل مثل هذه الأسئلة الغبية التي ذكرتها جاهل ومتخلف، ولا يعرف أبسط حقوقه التي يجب أن يحصل عليها بوصفه مواطناً في دولة، حسب ما تقره الشرائع السماوية والإعلانات والمواثيق الدولية، وليس حسب ما تقره السلطة الحاكمة في أي بلد، لأن التعليم حق من حقوق المواطن وليس مكرمة من هذا النظام أو ذاك، ولا يمكن عدّ التعليم امتيازا يمنح للإنسان بل هو واجب على الدولة، إذ عملت الكثير من الدول وبجهود طويلة على إقرار هذا الحق من ضمن حقوق الإنسان الكثيرة، وما يميز هذا الحق أهميته في الحاضر والمستقبل، لأنه أساس بناء المجتمع الذي يتطور ويتقدم بالعلم، وكذلك تأثيره في القضاء على الجهل والتخلف، وهو أحد مقومات التنمية البشرية.
أما عن الخير الذي أصابني فهو ليس من خير النظام، وربما أكون من القلائل الذين لم يتمتعوا بأية ميزة من الميزات التي كان النظام يوزعها على أتباعه، وما أصابني من خير، إذا كان قد أصابني فعلاً، فهو بفضل من الله أولاً، ثم بفضل سنوات الاغتراب التي تجاوز عددها ثلث عمري.
الغريب في الأمر أن من يسألون مثل هذه الأسئلة ما زالت عقولهم لم تستوعب أن للإنسان حقوقاً أقلها الحق في التعليم، وحق العيش في بيئة آمنة، وحرية غير منقوصة، وكرامة كاملة وسكن مناسب وغيرها من حقوق، وأنه إذا ما انتهكت هذه الحقوق فمن حق الإنسان أن يثور على من انتهكها، وإن ثورته لا تُنقص من وطنيته شيئاً، وإنما يكون أكثر وطنية من إنسان سكت عن الظلم ودافع عن الطغيان.
من هنا أسأل: متى تفهم بعض النخب أنّ التعليم حقّ من حقوق الإنسان الأساسيّة، منصوص عليه في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان (1948)، وفي عدد آخر من الصكوك الدوليّة الأساسيّة المعنية بحقوق الإنسان، وعندما أقول التعليم حق لا أقصد أي تعليم، لا أقصد تعليم من دون تدفئة، أو تعليم من دون تكنولوجيا تعليم، أو تعليم يعاني من كثافة التلاميذ داخل الفصول، أو تعليم لا تتضمن مناهجه محتوى معرفي يُمكن التلاميذ من اكتساب مهارات صالحة لسوق العمل، وغير ذلك من مشكلات تعاني منها معظم أنظمة التعليم في الوطن العربي. ما أقصده هم تعليم يؤمّن الشروط اللازمة لتحقيق التعلم الجيّد والمستدام. تعليم يُساعد التلاميذ إلى الوصول إلى أفضل المعارف والمهارات التي تُمكنهم من المشاركة في التنمية الشاملة، وهذا يفرض على الدولة أن تتحمل مسؤولية الامتثال لتعهّداتها القانونيّة والسياسيّة لتأمين التعليم الجيّد للجميع، ولتطبيق سياسات واستراتيجيّات تعليمية بفعّاليّة كبيرة.
مع ملحوظة أن الحق في التعليم يجب أن يقوم على مجموعة من المبادئ الأساسيّة مثل: عدم التمييز، وهذا يعني يجب أن يكون التعليم متاحاً للجميع، بغضّ النظر عن العرق، والجنس، وأيّة فروقات اقتصاديّة أو اجتماعيّة. وكذلك تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة، وحصول الجميع على التعليم، وهي مبادئ ينصّ عليها دستور اليونسكو، وتدعم الحقّ في التعليم.
حقيقة لا أفهم كيف يتعاطى مثقف مع مسألة التعليم على أنها عطاء من عطاءات القيادة السياسية، وأن من يوفد للدراسة على حساب الدولة يجب أن يقضي حياته حامداً وشاكراً للدولة التي أوفدته، مع أن من مصلحة أية دولة في العالم أن يتعلم أبنائها تعليماً جيداً لكي يشاركوا في عملية التنمية والبناء في مجتمعهم، لذلك كثيراً ما أحزن واشعر بخيبة أمل كبيرة عندما أقرأ كيف ارتبطت ثورة 1789 في فرنسا بشعار “حرية، مساواة، إخاء”، وكيف انعكس هذا الشعار على المشاريع التربوية والبرامج التعليمية من أجل تعزيز الحق في التعليم، أنظروا إلى التاريخ متى حدث هذا في فرنسا، ثم يأتي مثقف من الدرجة الخامسة في القرن الحادي والعشرون ليقول: النظام علمك ووظفك!!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى