منوعات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة 55

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


الجزء الثالث: الدولة العباسية
مقــدمـــــة
علي بن عبد الله ابن عباس:
كان عليٌّ سيداً شريفاً عابداً زاهداً، وكان يصلي في كل يوم ألف ركعة، وضُرِب مرتين، كلتاهما ضربه الوليد بن عبد الملك، فإحداهما في تزوّجه لبابة بنت عبد الله بن جعفر؛ وكانت عند عبد الملك بن مروان، فعض تفاحة ورمى بها إليها، وكان أبخر؛ فدعت بسكين، فقال: ما تصنعين به؟ قالت: أميط عنها الأذى! فطلقها، فتزوجها عليّ بن عبد الله بن عباس، فضربه الوليد وقال: إنما تتزوج أمهات أولاد الخلفاء لتضع منهم- لأن مروان بن الحكم إنما تزوج أم خالد بن يزيد ليضع منه- فقال علي بن عبد الله بن عباس: إنما أرادت الخروج من هذه البلدة، وأنا ابن عمها، فتزوجتها لأكون لها مَحرَماً.
وأما ضربه إياه في المرة الثانية، فإن محمد بن يزيد قال: حدثني من رآه مضروباً يطاف به على بعير ووجهه مما يلي ذنب البعير، وصائح يصيح عليه: هذا علي بن عبدالله الكذاب! قال: فأتيته فقلت: ما هذا الذي نسبوك فيه إلى الكذب؟ قال: بلغهم أني أقول: هذا الأمر سيكون في ولدي، ووالله ليكونن فيهم حتى يملكهم عبيدهم، الصغار العيون، العراض الوجوه، الذين كأن وجوههم المجانّ المطرقة.
ويحكى أن علي بن عبد الله بن عباس دخل على هشام بن عبد الملك ومعه ابناه: أبو العباس، وأبو جعفر؛ فشكا إليه ديناً لزمه، فقال له: كم دينك؟ قال: ثلاثون ألفاً. فأمر له بقضائه، فشكر له عليه، وقال له وصلت رحماً، وأنا أريد أن تستوصي بابنيّ هذين خيراً. قال: نعم. فلما تولى، قال هشام لأصحابه: إن هذا الشيخ قد هتر وأسنّ وخولط، فصار يقول إن هذا الأمر سينقل إلى ولده. فسمعه علي بن عبد الله بن العباس، فقال: والله ليكونن ذلك، وليملكنّ ابناي هذان ما تملكه. (البداية والنهاية ط إحياء التراث9/ 352،البدء والتاريخ 6/ 58، مرآة الجنان وعبرة اليقظان 1/ 193، العقد الفريد 5/ 361)
زواج علي بن عبد الله بن عباس:
قال جعفر بن عيسى بن جعفر الهاشمي: حضر علي بن عبد الله مجلس عبد الملك بن مروان، وكان مُكرماً له، وقد أهديت له من خراسان جارية، وفص خاتم، وسيف، فقال: يا أبا محمد، إن حاضر الهدية شريك فيها، فاختر من الثلاثة واحداً. فاختار الجارية، وكانت تسمى سعدى، وهي من سبي الصغد (كورة قصبتها سمرقند) من رهط عجيف بن عنبسة، فأولدها سليمان بن علي، وصالح بن علي.
وذكر جعفر بن عيسى أنه لما أولدها سليمان اجتنبت فراشه، فمرض سليمان من جدري خرج عليه، فانصرف عليٌّ من مصلّاه، فإذا بها على فراشه! فقال: مرحبا بك يا أم سليمان: فوقع عليها فأولدها صالحاً، فاجتنبت فراشه، فسألها عن ذلك، فقالت: خفت أن يموت سليمان في مرضه، فينقطع النسب بيني وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ فالآن إذ ولدت صالحاً فبالحري إن ذهب أحدهما بقي الآخر، وليس مثلي وطيئة الرجال.
وصية علي لابنيه سليمان وصالح:
وكان علي بن عبد الله بن عباس يقول: أكره أن أوصى إلى محمد ولدي- وكان سيد ولده وكبيرهم- فأشينه بالوصية. فأوصى إلى سليمان، فلما دفن عليّ جاء محمد إلى سعدى ليلاً، فقال: أخرجي لي وصية أبي، قالت: إن أباك أجلّ من أن تخرج وصيته ليلاً، ولكن تأتي غدوة إن شاء الله. فلما أصبح، غدا عليه سليمان بالوصية، فقال: يا أبي ويا أخي، هذه وصية أبيك. فقال: جزاك الله من ابنٍ وأخٍ خيراً، ما كنت لأثرّب على أبي موته، كما لم أثرّب عليه في حياته. (العقد الفريد 5/ 361، الكامل في اللغة والأدب 2/ 163، التذكرة الحمدونية 2/ 60)
وقد ذكرنا ما كان بين عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس ومروان بن محمد ( آخر خلفاء الدولة الأموية ) من قتال، الذي انتهى بمقتل مروان بن محمد وانتهاء الدولة الأموية.
فكان عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس هو أول خلفاء الدولة العباسية، والذي لُقِّبَ بالسفاح لكثرة ما قتل.
ففي سنة اثنتين وثلثين ومائة (132هـ) خرج أبو العباس عبد الله بن محمد الإمام بن عليّ بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب ليلة الجمعة لاثنتي عشرة خلت من ربيع الاول وقيل في ربيع الآخر من دار أبي مسلمة بالكوفة بعد مسيره من الحميمة، وكان سبب مسيره من الحميمة – وكان مقامه بها- أن إِبراهيم الإمام لما أمسكه مروان، نعى نفسه إِلى أهل بيته، وأمرهم بالمسير إلى أهل الكوفة، مع أخيه أبي العباس السفاح، وبالسمع له والطاعة، وأوصى إِبراهيم الإمام بالخلافة إِلى أخيه السفاح، وسار أبو العباس السفاح بأهل بيته، منهم أخوه أبو جعفر المنصور، وغيره، إِلى الكوفة، فقدم إليها في صفر، واستخفى إِلى شهر ربيع الأول، فظهر وسلم عليه الناس بالخلافة، وعزوه في أخيه إبراهيم الإمام، ودخل دار الإمارة بالكوفة، صبيحة يوم الجمعة، ثاني عشر ربيع الأول من سنة اثنتين وثلاثين ومائة (132هـ) (المختصر في أخبار البشر 1/ 210).
ويقال أنه صلى المغرب في مسجد بني أيوب ودخل منزله. فلما أصبح غدا عليه القواد في التعبية والهيئة وقد أعدوا له السواد والمركب والسيف، فخرج أبو العباس فيمن معه إلى القصر الذي للإمارة. ثم خرج إلى المقصورة وصعد المنبر وبايعه الناس، ثم وجه عمه عبد الله إلى مروان بن محمد وهو نازل بالزاب. فواقع عبد الله مروان فهزمه. فمرّ مروان على وجهه، ومضى فعَبَرَ جسر الفرات فوق حران، وجمع جمعاً عظيماً بنهر فطرس من أرض فلسطين، وعبر أيضاً عبد الله الفرات، وحاصر دمشق حتى افتتحها، وقتل من بها من بني أمية، وهدم سورها حجراً حجراً ونبش عن قبور بني أميّة، وأحرق عظامهم بالنار. ثم ارتحل نحو مروان فهزمه، واستباح عسكره، وهرب مروان إلى أرض مصر فاتّبعه جيش عبد الله واستدلّوا عليه، وهو في كنيسة في بوصير، فطعنه رجل فصرعه، واحتز آخر رأسه، وبعث به إلى أبي العباس السفّاح. وكان قتله لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة اثنتين وثلثين ومائة (132هـ) (تاريخ مختصر الدول 1/ 120)
بعض ما ورد من الأخبار في العباسيين:
قال ابن كثير: روى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: تفرَّد بِهِ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ رُوِيَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ ولعلَّه أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ: تَظْهَرُ رَايَاتٌ سُودٌ لِبَنِي العبَّاس حَتَّى يَنْزِلُوا بالشَّام، وَيَقْتُلُ اللَّهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ كُلَّ جبَّار وَكُلَّ عَدُوٍّ لَهُمْ. (دلائل النبوة للبيهقي 6/ 516، الفتن لنعيم بن حماد 1/ 209)
وَروى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بسنده: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَخْرُجُ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنَ الزَّمان، وَظُهُورٍ الْفِتَنِ، رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ السَّفاح، فيكون إعطاؤه المال حثواً . (مسند أحمد ط الرسالة 18/ 279)
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ: وَقَالَ فِيهِ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقَالُ لَهُ السَّفاح، فَذَكَرَهُ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ عَلَى شَرْطِ أَهْلِ السُّنن وَلَمْ يُخْرِجُوهُ (دلائل النبوة للبيهقي 6/ 514)
فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ فِي خُرُوجِ الرَّايات السُّود مِنْ خُرَاسَانَ وَفِي وِلَايَةِ السَّفاح وَهُوَ أَبُو العبَّاس عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المطَّلب، وَقَدْ وَقَعَتْ وِلَايَتُهُ فِي حُدُودِ سَنَةِ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ، ثمَّ ظَهَرَ بِأَعْوَانِهِ وَمَعَهُمُ الرَّايات السُّود، وَشِعَارُهُمُ السَّواد، كَمَا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَفَوْقَهُ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ، ثمَّ بَعَثَ عمَّه عَبْدَ اللَّهِ لِقِتَالِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَكَسَرَهُمْ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (البداية والنهاية ط إحياء التراث 6/ 277).
اتـفــــاق عجــــــــيـب:
ومن غريب ما اتفق في خلفاء الدولة العباسية ، وهو أن كل سادس منهم مخلوع أو مقتول، ولم ينتقض ذلك إلا في المستنصر بالله وإنما قتل ابنه المستعصم بالله بأيدى التتر وهو سابع، ولنذكر ذلك لغرابته فنقول: أول خلفاء بنى العباس السفاح، ثم المنصور أخوه، ثم ابنه المهدى، ثم ابنه الهادى، ثم أخوه الرشيد، ثم ابنه الأمين وهو سادس فخلع مرتين وقتل. ثم ولى أخوه المأمون، ثم أخوه المعتصم، ثم إبنه الواثق، ثم أخوه المتوكل، ثم إبنه المنتصر، ثم ابن عمه المستعين وهو سادس فخلع وقتل. ثم ولى ابن عمه المعتز، ثم ابن عمه المهتدى، ثم ابن عمه المعتمد، ثم ابن أخيه المعتضد، ثم إبنه المكتفى، ثم أخوه المقتدر وهو سادس فخلع مرتين وقتل. ثم ولى أخوه القاهر ثم ابن أخيه الراضى، ثم أخوه المتقى، ثم ابن عمه المستكفى، ثم ابن عمه المطيع، ثم ابنه الطائع وهو سادس فخلع. ثم ولى ابن عمه القادر، ثم ابنه القائم، ثم ابن ابنه المقتدى، ثم إبنه المستظهر، ثم ابنه المسترشد، ثم ابنه الراشد وهو سادس فخلع وقتل.
ثم ولى عمه المقتفى، ثم ابنه المستنجد، ثم إبنه المستضيىء، ثم إبنه الناصر، ثم ابنه الظاهر، ثم ابنه المستنصر وهو سادس لكن لم يشتهر أنه خلع ولا قتل فانخرمت القاعدة فيه وحده. لكنى سمعت من جماعة منهم الوجيه بن سويد – رحمه الله – وكان خبيرا بأمور الدول خصوصا بدولة الخليفة، أن المستنصر بالله فُصِدَ بمبضع مسموم فمات فإن كان الأمر كذلك، كان الأمر جارياً على ما ذكرنا من هذا الأتفاق العجيب (مفرج الكروب في أخبار بني أيوب 4/ 162)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى