مختارات

تعطيش الأحواز!

ربيع الحافظ

فارس أم إيران؟

حينما تقاضي شركة ضيعت حقوقك ثم غيرت أسمها التجاري فإنك تقاضيها تحت أسمها الأصلي الذي توجد تحته أضابيرها السابقة وليس تحت أسمها الجديد وإلا سيقال لك: ما تدعيه لا وجود له. إيران أسم جديد أطلق على فارس في عام 1934 لا يضم أضابير صراعها التاريخي مع جوارها المسلم والعربي وعليه فإن أسم فارس يضع النقاط فوق حروف تبدو مبهمة للكثير بخصوص سلوك دولة إيران مع المسلمين والعرب.

الأحواز رئة إيران

ليس من الصواب القول إن الأحواز بالنسبة لإيران ككاليفورنيا لأمريكا حيث تشكل خمس ميزانيتها. ثروات الأحواز تناهز 90% من مداخيل إيران وبدونها تصبح عاجزة عن تأمين قوتها وتغدو دولة فقيرة على قائمة إعانات الأمم المتحدة لكنها اليوم من كبار عمالقة نادي الدول المصدرة للغار والنفط ولها القدرة على إنشاء الطرق والجسور والجامعات وشبكات السكك والمطارات.

نبذةعن الأحواز (الدولة العربية المحتلة)

الأحواز إقليم سهلي يمثل امتداداً طبيعيا لسهول وادي الرافدين غني بالأنهار والأراضي الزراعية والنفط والغاز ويتاخم للهضبة الإيرانية القاحلة والفقيرة بالموارد الطبيعية. يبلغ عدد سكان الأحواز ثمانية ملايين نسمة ومساحته 370 ألف كم مربع تمتد من شمال الخليج العربي وعلى طول ساحله الشرقي حتى مضيق هرمز ما يجعل الخليج العربي بحيرة عربية. احتلت فارس الأحواز في عام 1925 بدعم من بريطانيا وقام أهلها بعدة ثورات في 1928، 1930، 1943، 1945، 1946. أشعلت فارس حرب وجود ثقافي واقتصادي مع الأحواز ابتدأت بتغيير اسمه إلى خوزستان وغيرت أسماء المدن إلى فارسية وحظرت تعليم اللغة العربية والتحدث بها وحظرت الفولكلور واللباس العربيين ودفعت سكانه إلى الهجرة إلى مناطق أخرى من إيران واستقدمت مستوطنين فرساً في مستوطنات لا يدخلها العرب.

أنموذجان متناظران

معركة الأحواز وصلت اليوم مرحلة تحويل أنهارها العذبة إلى الداخل الإيراني القاحل فجفت أحواضها أو تحولت إلى برك آسنة، في المقابل تقوم بتحويل المياه المالحة إليها فتقتل فيها الحياة. الأنموذج الاستيطاني الفارسي في الأحواز مطابق بتفاصيله للأنموذج الصهيوني الذي غير الأسماء وصادر الأراضي وبنى المستوطنات وحول الأنهار في فلسطين، الفارق هو أن إسرائيل تقول للفلسطينيين: نحن يهود وأنتم مسلمون (وهذا صراع مفهوم) والفرس يقولون للأحوازيين نحن مسلمون مثلكم.

أكثر من تمييز عنصري

العربي الأحوازي (الشيعي) يجد نفسه في وضع مشابه لاوضاع السود في جنوب إفريقيا فترة حكم التمييز العنصري، عندما تصمت المرجعيات الشيعية الفارسية على مظالمه مثلما صمتت الكنيسة البيضاء على امتهان آدمية السود المسيحيين. المشكلة الاجتماعية في فارس أعمق من مجرد قضية تمييز عنصري وهي دينية عنصرية معا إذ لا ينفع عربياً تشيعه ولا سنياً فارسيته (يوجد في إيران بضعة ملايين من أهل السنة الفرس).

الأحواز أكثر غنى من أغنى دولة في الخليج ويفترض أن يشاهد إنسانها وهو يسكن أفخم “الفلل” ويتعلم في أرقى الجامعات العالمية ويقود أرفه السيارات ويحمل أثمن جواز سفر ويقضي فصل الصيف في منتجعات جبال الألب وتستجدي بورصات العالم رؤوس أموال رجال أعماله، لكن واقع الأحواز هو: فقر وأمية ومرض وبطالة وهجرة ويعبر عنه قول الشاعر:

كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء على ظهورها محمول

أساسيات تلتقي عليها البشرية

الاختلاف في (القومية والمعتقد) بين فارس وبين محيطها المسلم والعربي أمر طبيعي على الخريطة السياسية للعالم ولا يمثل بالضرورة سبباً للمشاكل فلكل أمة معتقدها، ففارس وبعد تسعة قرون على الفتح الإسلامي (900 هــ – 1500م) عادت واختارت المعتقد الذي هي عليه اليوم وهذا شأنها، المفارقة هي أن أمم الأرض تلتقي على أساسيات تديم الحياة البشرية وقد أدخل الإسلام هذه الأساسيات في منظومة المعاملات (الدين المعاملة) كنظام ضامن للحياة البشرية في المطلق، قال ﷺ (الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ والنار).

مروق من الفطرةالبشرية

هذه الأساسات تلتقي مع مفهوم العلاقات الدولية في الإسلام ومع حيويته كنظام حضاري يمكن أن يبلغ أي بقعة على وجه الأرض وأن تعيش تحت خيمته شعوب الأرض {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} هذا التعارف يلزمه مقدرة على التعايش موازية له وإلا لانتفت الغاية من تحقيقه بالأصل لأن نزاعات المعاملة ستفسده، وفشل فارس في التعايش مع الشعوب المسلمة أصله هو فشلها في مبدأ التعارف وهذا الأخير سببه وازعها القومي في مقابل الوازع الأممي القرآني عند الشعوب الإسلامية أو وازع النفع المتبادل عند أمم الارض وهنا مكمن مروق القومية التي تتحرك بها فارس من الفطرة البشرية وأن التخريب هو جزء لا يتجزأ عن عملية تمددهم (الأحواز، العراق، سوريا، لبنان، اليمن) خارج موطنهم.

تفكيك الجوار ضرورةاستراتيجية

مشكلة فارس مع محيطها تسري عليها قاعدة “حينما تسيطر على بلد تختلف معه في العرق والدين والثقافة فعليك ان تجري تغييراً في بنيته الاجتماعية والاقتصادية لتتمكن من التحكم به” وهذا ما فعلته في الاحواز، وتعطيل الحياة المدنية والثقافية وتفكيك المدن في العراق وحرق البساتين ونشر المخدرات هو تغيير لبنية اجتماعية ترفض إيران بمعتقدها وثقافتها ونظامها الاجتماعي.

المصدر: صفحة الكاتب على فيس بوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى