مقالات

حوار في نزاهة قناة الجزيرة !

الدكتور عزت السيد أحمد

كاتب ومفكر سوري
عرض مقالات الكاتب

قلت وأكرر: قناة الجزيرة القطرية أفضل وأصدق قناة في العالم وليس العالم العربي فقط.

قال: وهل هي قناة مستقلة أصلاً؟! إنَّهَا ليست مستقلة.

قلت: إنَّهَا مستقلة!!! عن من وماذا مستقلة؟ وهل يوجد منبر إعلامي في الدنيا والتاريخ مستقل؟! حَتَّىٰ لو لم تدرها أيُّ مخابرات ولا أيُّ سلطة فهي مرتهنة بمن ينفق عليها وتدار بقناعاته.

قال: ها أنت إذن تدينها، وتقول بأنَّهَا غير مستقلة.

قلت: عدم استقلال الوسيلة الإعلامية ليس تهمة. المشكلة فيمن يوجهها وما يهدف إليه.

قال: ولٰكنَّهَا لا تنقل كلَّ شيء؟

قلت: وأي قناة تستطيع أن تنقل كلَّ شيء؟!

قال: ألا يمكن أبداً القول إنَّهَا تكذب ولا تقول الحقيقة؟!

قلت: أمَّا أَنَّهَا تكذب فإنَّهَا لا تكذب وقد تقع فيه من غير قصد، وما كذبت مرَّة إلا واعتذرت. وأمَّا أَنَّهَا تقول الحقيقة أو لا تقولها فهي كونها لا تقول كلَّ شيء فإنَّ كثيراً من الحقائق لا تقولها ولا تنقلها… وقد تخطئ في ذٰلك وقد تصيب، لها تحدياتها أولوياتها وعقباتها التي تخضع لها مرغمة. المشكلة أنك تحاسبها علىٰ ما في قلبك لا علىٰ ما يهدِّدها ويترصد لها ويتربص بها. المشكلة أنَّ كلَّ واحد يريد أن تدور الأفلاك بما ينسجم مع تصوراته ولا يريد أن يتفهم قوانين دوران الأفلاك. الأشول الذي يتفهم أَنَّهُ هو عكس المنطق هو منطقي ومتزن، ولٰكنَّ الأشول الذي يتعجب من أنَّ كلَّ الناس تسير بالمقلوب هو المشكلة. أكثر الناس شولان بهذا المعنى الأخير.

قال: ولماذا تقدس قناة الجزيرة إلىٰ هٰذا الحد؟

قلت: أنا لا أقدسها ولا أقدس غيرها، وأعرف من عيوبها ما لا يعرفه أحد. ولٰكنَّهَا بعجرها وبجرها أفضل قناة إخبارية في العالم وأكثر قنوات العالم بالمطلق مصداقيَّة وتعددية واحترام مختلف الآراء.

قال: عجيب أمرك! تقول ذٰلك كله وتزعم أنك لا تقدسها؟!

قلت: هٰذا ليس تقديساً ولا تعصيماً هٰذا توصيف لواقع. مشكلة أكثر النَّاس أَنَّهَا لا تتابع ولا تعرف ما يدور… ويندار عقلها من كلمتين عابرتين أو من تقصير من طرف لا يعرفون خفاياه ولا محيطاته ولا أطرافه…

قال: إذن دعني أسألك مباشرة: أليست الثَّورة الأحوازيَّة عادلة ومناصرتها واجبٌ علىٰ كل العرب؟! فلماذا لا تغطيها قناة الجزيرة؟!

قلت: قبل أن أبين لك رأيي وموقفي أريد أن أسألك: أتظن أن القنوات التي تغطي الثورة الأحوازية تناصر الأحوازيين في ثورتهم؟! يجب أن تعلم أن أشد القنوات الآن تغطية للثورة الأحوازية تدار من مخابرات دول أشد عداء للثورة الأحوازية من السلطة الإيرانية ذاتها. وهي ذاتها التي غطت الثورة السورية بامتياز وحماسة منقطعة النظير وتبين أَنَّهَا هي التي دمرت الثورة السورية وقادتها إلىٰ الهلاك. أما لماذا لا تغطيها الجزيرة فأنا مستغرب من ذٰلك ومندهش ومعترض ومحتج عليها في هٰذا التقصير. ولأني لا أعرف شيئاً عن كواليس الجزيرة فليس لدي أي تسويغ أو تعليل لهٰذا التقصير. ولا أعرف أسبابهم. قد يكون لهم أسبابهم المقنعة داخليًّا لهم، ولٰكن مهما يكن من أمر الجمهور لا يمكن أن يعذر هٰذا التقصير.

قال: أظن إذا جادلتك للصبح لن أصل معك إلىٰ نتيجة!! أنت مصر علىٰ تقديس الجزيرة.

قلت: لله الأمر من قبل ومن بعد. ألا ترى معي أنك بكلامك الأخير هٰذا تعترف بأن هدفك هو الإدانة وليس الحوار المفتوح من أجل الوصول إلىٰ الحقيقة؟!

في أحيان كثيرة تكون لدينا قناعة، نؤمن لا شعوريًّا بأَنَّهَا الصَّواب اليقين، ونتابع حواراتنا علىٰ أساس عدم تغيير هٰذه القناعة، وما هي في حقيقة الأمر إلا ظن، و«إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغْنِى مِنَ ٱلْحَقِّ شَيْـًٔا». من يريد الحق لا يشبث برأيه أو ظنه إلا إذا كان علىٰ حقٍّ متبيِّن منه. والحق البين لا يتناقض مع المنطق بحال من الأحوال. فانظر في منطقك هو منطق سليم أم هو منطق أعوج؟

علىٰ أيِّ حال أنا لم أقل إن قناة الجزيرة معصومة، ولم أقل إنَّهَا خالية من العيوب أو الأخطاء أو التقصير. هٰذا ما لم أقله ولا أقوله. وإنَّمَا أقول إنَّهَا علىٰ درجة عالية من النزاهة والمصداقية والحيادية وهٰذا ما تفتقر إليها كل محطات التلفزة العربية وربَّمَا من دون استثناء، وتفتقر إليها أكبر وأشهر محطات التلفزة في العالم ودعك بعدها من الصغيرات منها. وعلىٰ الرَّغمِ من بعض العبثية التي بدأت تتسلل إلىٰ بعض مفاصلها منذ بضع سنوات إلا أَنَّهَا لها رسالة محترمة تستحق التقدير.

اقتنع أو لا تقتنع هٰذا شأنك. وليس للحديث بقية…

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. احترم الدراسة واتفق معة ما جاء بها وخلاصاتها والحقائق والادلة التي استند اليها ولغة المنطق العلمي .
    شكرا للحوار العلمي المنطقي المتضمن بالدراسة .

  2. كلام جميل ومنطقي
    نعم، نعتب عليها بما تقصر وتخطئ
    ولكن الحق يقال إنها كما قلت بعجرها وبجرها أشرف وأصدق قناة عربية
    ومع ذلك أتفق معك أيضاً بأنها في البداية والنهاية مدارة بموقف مالكها شأنها شأن أي منبر إعلامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى