مقالات

نظام الأسد يعيش خارج حدود الزمن

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب



حُكي أن أحد المحاربين في اليابان إبّان الحرب اليابانية الروسية، كان مطلوباً منه أن يرابط على إحدى الجزر، ولا يبرح مكان تواجده إلا بأوامر من أحد الجنرالات الأعلى رتبة، وانتهت الحرب ومر على انتهاءها عدد من السنوات، وهو في جزيرته المعزولة ينتظر الأوامر بإلقاء السلاح.
وكان أن نزلت على الجزيرة فرقة استكشاف ووجدوه كما هو يقوم بواجباته العسكرية، والتدريبات كل صباح، ويردد الشعار، وعند رؤيتهم رفع بوجههم السلاح فكلموه أن الحرب انتهت، فرفض الانصياع لهم حتى يأخذ أوامره من الضابط المسؤول عنه، وبين أنه في خدمة الامبراطور، فبحثوا عن الضابط المتقاعد ووصلوا إليه وجلبوه بشق الأنفس فأمره بإلقاء السلاح ففعل.
وروى الثقات أن بعض القرى والعزب في صعيد مصر المهملة، في عهد الرئيس (مبارك) زارتهم بعض الرحلات فوجدوا أنهم لا زالوا يعتقدون أن الملك فاروق هو من يحكم مصر إلى ذلك اليوم!! هذا تماماً ما يسمى الانفصال عن الزمن.
أتفهَّم حال الجندي الياباني والمواطن الصعيدي؛ لأنهما في منأىً تام عن الحضارة والتواصل بها وقد يعذر أمثالهم، لكن كيف لرئيس عصابة وقواد قطيع من الجيوش البعثية وطائفة ممتدة أمامهم كل وسائل التواصل والحضارة وفي عصر الفضائيات والإعلام، أن يعيشوا خارج حدود الزمن؟!
هذا تماماً ما كانت تعيشه جنرالات حافظ الأسد أرباب (خلية الأزمة) قبل نفوقهم على يد الكفيل. وهو تماماً ما يعيشه بشار الأسد وباقي العلويين وأذنابهم (حالة من الإنكار) والانفصال عن الواقع. انفصال تام عن الزمان والمكان واعتقاد أنهم مازالوا يعيشون في زمن شريط الكاسيت وأيام الثمانينيات، والدول المغلقة والصحف الورقية، وأنهم يملكون كل شيء في سوريا.
يحاول المستهبلون في الأرض أن يقنعوا أنفسهم أنهم أصحاب قرار، ولا يريدون أن يقتنعوا أن الحكم العلوي قد انتهى إلى مزابل التاريخ، وأن الطائفة قد تبددت، وأن المركزية قد ولَّت إلى غير رجعة، وأن البلد مستعمرة، منهوبة، مدمرة، مسحوقة، وأن ما نراه الآن احتلال أمريكي روسي بتسخير مرتزقة إيران وذيولها مكتمل الأركان. أمَّا بشار الأسد فهو ورقة التوت التي يتستر بها هؤلاء، وقتله أو نفوقه يعني فقدان كلب الحراسة.
والشذاذ الذين شاركوا في مهزلة الانتخابات السورية والإعلام العربي ومثقفو الجرائد الصفراء يعتقدون أنه ثمة حكومة لسوريا، وثمة رئيس، وثمة دولة، وثمة بلد، وثمة مؤسسات، لا شك أن (الغباء جندي من جنود الله).
يظن الشيعة أن لهم من الأمر شيء وأنهم أكثر من أداة قتل، كما يظن العلويون الأسديون ذلك، كما يظن جنودهم وشيوخهم وأعوانهم، ويتغافل الجميع عن حقيقة لا يتحاد فيها اثنان، وهي أنهم ليسوا سوى دروع بشرية في معارك استنزاف وعصا يضربون بها، ثم يحرقونها في أقرب موقد، أو يلقونها عند أول مزبلة. لا يقرأ أحدهم التاريخ ولا يريد أن يتعلم من الماضي ويكابر، ويكذب ثم يكذب حتى يصدق نفسه.
أيها الغُفَّل:
هل تعرفون المناذرة؟ تمتع النعمان بن المنذر بحماية كسرى ردهاً من الزمن، ونال عنده من الحظة والمكانة مالم ينله غيره، ولم تشفع له مكانته وسابقيته في الخدمة عندما نشب الخلاف أن يقتله وينكب أهله.
أيها الغُفَّل:
هل سمعتم بأبي رغال؟ وابن العلقمي؟ ونصر الدين الطوسي؟ وصالح اسماعيل الأيوبي؟ ومير جعفر الهندي؟ والمأمون بن أحمد المنصور؟ وملوك الطوائف عملاء الكنيسة؟ أنَّى لهؤلاء مكانة غير الخزي في الدنيا والآخرة، والعار الأبدي، حيث لا يذكر أحد الخيانة إلا ويذكرهم مدى الحياة.
هؤلاء الذين سلَّموا البلاد للروس كما سلموا غيرها للأمريكان، كما خانوا قضايا الأمة جمعاء، هم اليوم يعيشون على أمل أن تعود إليهم الأمور كما كانت، وأن ينعموا بالأمن والسلام والرفاهة بعد انتهاء الحرب.
الروس يتعمدون إهانة بشار الأسد ما وسعهم ذلك، فمرة يصورونه بلقاء مشترك مع وزير الدفاع وهو مخالف لكل البرتوكولات والاعراف الدولية، ومرة يطلب منه أن يقف بالخلف كالحذاء، أثناء القاء بوتين المجرم خطابه في قاعدة حميميم، وتارات يقولون لولانا لسقط الأسد منذ سنوات، حتى الشبيحة الموالون صاروا يعتبرون بشار مسخرة كاملة الأوصاف.
ماذا يملك بشار من أمره لو أراد الكفيل الأمريكي أو الاسرائيلي أو الروسي أو الايراني أن يأمره بالتنحي؟ هل يمكن لمرافقته وحمايته أن تكون من الجيش السوري؟ كلنا يعلم أن المرافقة والحماية إيرانية بالكامل، ولا يستطيع أي سوري لقاءه إلا بإذن من الولي الفقيه.
يا (بهرزي): الصمود الأسطوري للجيش العربي السوري الذي تتحدث عنه موجود فقط في مخيلتك، وأنصحك أن تخفف مشاهدة كرندايزر والشجعان الثلاثة والدونكيشوت.
عزيزي البهرزي: جيشك الذي تتغنَّى به تم سحقه كالذباب، فقط من العلوية تم سحق أكثر من مائة ألف باعترافاتكم. لم يبق لطائفتكم شباب، بقي فقط ثلة تنبح وتصيح.
يا بهرزي: أنت تعلم أننا نعلم أنه لولا القوى الدولية، وتقييد الإمدادات للمعارضة والعبث بها، وشراء الولاءات واملاءات الداعم لتمَّ سحقكم وسحق الإيرانيين والروس معاً، ولكن القوى الكبرى لا تريد ذلك.
يوم كادت دمشق أن تسقط تدخل الروس والأمريكان وسبعين دولة لإنقاذك. أنت عبارة عن كلب حراسة يحمي إسرائيل ومصالح الغرب. والمعارضة لم تقدم بديلاً منطقياً لأنها في الغالب لا تملك أحداً يسد الفراغ، فراغ العمالة والخيانة والخسة والقذارة. السقوط تم منذ زمن يا عزيزي، وما تسمعه الآن هو دوي السقوط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى