منوعات

سفر الحوالي.. سلطان العلماء

عبد الرحمن قارف

كاتب جزائري
عرض مقالات الكاتب



الحمد لله رب العالمين.. و بعد:
إنَّ الذي يُطالع مختلف حِقَب التاريخ الإسلامي سيخرج من مطالعته تلك بطائفة عظيمة من أسماء العلماء المسلمين الذي سطَّروا أسماءهم في سجل التاريخ بحروف من نور، و لكنَّ شعورا سينتابه بأن أولئك العلماء هم علماءٌ فوق العادة و لن يخلق الله أمثالهم إلى يوم القيامة، و أنَّهم قد حازوا علوم الأولين و الآخرين مما قد يصعب جدا على مَن يجيء بعدهم أن يحوزه.. و ذلك الشعور قد انتباني أنا الآخر، على أنني سرعان ما علمتُ أنه شعورٌ خاطئٌ بعد اطلاعي على أسماء بعض العلماء المعاصرين ممن لا يُقارنون إلا بعلماء الإسلام الكِبار في التاريخ.
نعم يا إخوة كما أقول لكم، و لستُ أبالغُ في مقالي.. إنَّ في هذا العصر الذي نشهده علماءً عظماءً لا يُستهان بهم إذا ما وُضعت أسماؤهم بجانب أسماء العلماء المشهورين في الماضي على غرار ابن القيم و ابن كثير و السُّبكي و السخاوي و السيوطي و غيرهم.
و من أكبر أولئك العلماء المعاصرين رجلٌ عُرِف بمواقفه الصلبة تجاه كثير من قضايا الأمة السياسية الكبرى في العقود الأخيرة، و اشتهرَ بشجاعته في قول الحق و الصدع به و لو كلَّفه ذلك السجن و التعذيب و التشويه الإعلامي، و ألَّف كُتُبا كثيرةً انتشر بعضُها بين الناس انتشار النار في الهشيم… هو رجلٌ لم يقبل بأن يُحصَر في زاوية الفتاوى الفقهية المتعلقة بالعبادات، أو مسائل العقيدة المرتبطة بعبادة القبور و الأضرحة، فهو أبى إلا أن يُبيِّن للناس الحقَّ كاملا دون أدنى تجزيء له و تبعيض، فلا فرق عنده بين الفتوى في الشؤون السياسة و الاجتماعية و الاقتصادية و الفتوى في العبادات و الفقهيات المشهورة، أو بين الفتوى في توحيد الربوبية و الألوهية و الأسماء و الصفات و الفتوى في توحيد الحاكمية و مركزية التشريع… هو رجلٌ قال عن نفسه بأنه “ليس عدوا إلا للباطل أينما كان، و صديقا للحق أينما كان” ثم أثبتت مواقفه و أفعالُه صدق قوله لذلك.
ذاك هو العلامة الحجازي الكبير سفر بن عبد الرحمان الحوالي الملقَّب بـ “سلطان العلماء”.. و أعظِم به من لقبٍ لا يستحقِّه سوى أمثاله.. نعم لقد بلغ هذا العالم النحرير منزلةً عظيمة من العلم و الصلاح، و لكنه لم يستحق ذلك اللقب إلا لأنه سار عكس اتجاه علماء السلطان، فكان للحكام المعاصرين ناصحا أمينا، و واجه بعضَهم بأخطائهم دونما خوفٍ و لا وجل، بل و تعدى ذلك إلى بعض حكام الدول الأوروبية و أمريكا حيث دوَّن إليهم رسائل نصحٍ و دعوة إلى دين الله تعالى، و لذلك فهو لم يجعل علمه محصورا في نفع العوام و البسطاء من الشعب.. و نحن هاهنا بصدد ذِكر أهم النقاط -بإيجاز- حول حياة و مسيرة العلامة سفر الذي بلغ إلى حين كتابة هذه السطور 66 سنةً من عُمُره:
1- أول ما نذكره عن الشيخ سفر الحوالي هو بلوغه مرتبةً عالية من التحصيل العلمي سواء داخل الإطار الأكاديمي الرسمي أو خارجه، فهو قد حصل أولا على شهادة الماجيستر عن رسالته الموسومة بـ(العلمانية نشأتها وتطورها وأثرها)، و حصل ثانيا على الدكتوراه عن رسالته (ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي)، و في المقابل فهو قد طلب مختلف العلوم الشرعية على يد العشرات من العلماء و المشايخ الكِبار في بلاد الحرمين و خارجها، على غِرار ابن باز و ابن عثيمين.
2- للشيخ سفر مؤلفات يزيد عددها عن العشرة، و لكن ثلاثةً من تلك المؤلفات نالت النصيب الأكبر من الشهرة و الانتشار؛ و هي كتابه (القدس بين الوعد الحق و الوعد المفترى) الذي تعرض فيه بشكل أساسي للقضية الأولى على مستوى الأمة و نسف الكثير من الشبهات و الأباطيل حولها، و كتاب (الانتفاضة والتتار الجدد) الذي بسط فيه الحديث عن الانتفاضة الفلسطينية المباركة و الدور المحوري الذي يلعبه الأمريكان المقصودين بوصف التتار الجدد عن الشيخ سفر، أما الكتاب الثالث فهو (المسلمون و الحضارة الغربية) الذي تم حظره من النشر في بلاد الحرمين بعد قليل مِن صدوره، و لكن قد تم نشره الكترونيا و وقع في أيادي عشرات الآلاف من المسلمين، و هو كتاب يزيد عن 3000 صفحة هي -حسب رأيي- عُصارة قراءات العلامة سفر الحوالي و مطالعاته و زُبدة معارفه عن الواقع المعاصر و حقيقة الحضارة الغربية و موقف المسلمين منها، و قد ألَّفه على امتداد سنوات طويلة حتى انتهى منه عام 2018.
3- ارتبط اسم الشيخ سفر بشيء اسمه (تيار الصحوة)، وهو التيار الذي قاده هو وطائفةٌ من العلماء و الدعاة المؤثِّرين كسلمان العودة و عوض القرني خلال سنوات التسعينات، و قد ضاقت أمريكا بهذا التيار ضرعا و كذلك حكام السعودية يومئذ، فسُجِن رموز الصحوة و ووجِهوا بالانتقاد، و لكن رغم أنَّ الشيخ سفر و من معه من قادة التيار الصحوي خفَّفوا من نبرتهم الخطابية تجاه العائلة المالكة السعودية إلا أنهم لم يُخففوها تجاه أمريكا و الحضارة الغربية ككل بما تحمله من تيارات فكرية و مذاهب سياسية لا تتفق مع الإسلام في شيء.
4- المستوى العلمي الذي بلغه الشيخ أهَّله لكي يكتشف كثيرا من الأخطاء التي وقعها فيها أئمة كِبار في مقدمتهم العلامة الحدث الألباني، و قد ساق جملةً مِنها في كتابه (المسلمون و الحضارة الغربية)، كما أنه فاق العالِمين الكبيرَيِن ابن باز و ابن عثيمين في إدراك خطورة الأمريكان و الهدف البعيد و الخفي وراء وجودهم في الشرق الأوسط، و أدرك بدقة ما يترتب عن استجلاب العائلة المالكة في بلاد الحرمين للقوات الأمريكية و أنَّ ذلك سيعقبه شرٌّ للمنطقة، و هذا ما نُشاهده اليوم واقعا حقيقيا.
و بعد… فهذه نقاطٌ أربعةٌ ذكرتها على عُجالة و بإيجاز عسى أن تتضح صورة سلطان العلماء سفر الحوالي لدى القارئ الكريم، فهو رجلٌ من أعظم علماء الإسلام في العصر الحديث حفظه الله و رعاه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى