مقالات

انتفاضة الاحواز ومضة أمل

صلاح المختار

نشهد الان انتفاضة احوازية اخرى جعلها النظام دموية الطابع، وتتسم بالعمق التاريخي والتعبير عن اصالة عرب الاحواز وتحديهم لمخططات التفريس التي مضى عليها قرن تقريبا ولكنها فشلت فشلا ذريعا بدليل ان ملايين العرب ينتفضون ويهتفون باللغة العربية ضد النظام حتى في طهران.ومعها تتململ الشعوب الواقعة تحت ظلم الاستعمار الفارسي بعد ان تفننت بلاد فارس في ابادة الالاف من الشعوب والقوميات غير الفارسية ومنها القومية العربية في الاحواز،التي واجهت بصمود باسل كل اساليب التهجير المنظم للعرب من بقعتهم الجغرافية واحلال فرس محلهم وتجويعهم وممارسة اشد انواع العنصرية تجاههم. والان جاءد دور التعطيش وسيلة لتغيير الطابع السكاني للاحواز فحولت انهار الاحواز الى مناطق اخرى غير عربية واقامت السدود لتحقيق ذلك، فجفت المياه في الاحواز وهي التي تزود كل بلاد فارس بأكثر من 80% من مصادر مياهها ومصادر ثرواتها كالنفظ والغاز ، وعندما يعطش الناس ولا يجدون ماء فان الموت ينتظرهم خلال ايام وعندها يتساوى الموت بالرصاص مع الموت بالتعطيش المبرمج ولهذا نرى انتفاضة ساخنة لم يسبق لها مثيل .

والانتفاضة الحالية لم تقتصر على العرب في الاحواز المحتلة بل امتدت لتشمل لورستان واصفهان ومناطق الاكراد ووصلت الى طهران هذه المرة، من هنا فان الوضع الايراني يبدو في اشد حالاته هشاشة وقابلية للانهيار الشامل،خصوصا وان التركيبة السكانية بالاصل مختلة جدا ولم تستقر مؤقتا الا بفضل الدعم البريطاني ثم الامريكي، ومن المهم ان نتذكر ان نسبة الفرس في التكوين السكاني لاسرائيل الشرقية اقل من ٣٠ % ،ونسبة الشعوب غير الفارسيه تبلغ اكثر من ٧٠ % ، واذا نهضت وتواصلت معارضة فارسية واخرى بلوشية واذرية وغيرها فان اهتزاز الكيان الايراني المصطنع بالكامل سوف يزداد ويقترب من السقوط ولا يحتاج الا الى تواصل الانتفاضة ودمج التظاهر السلمي بالدفاع عن النفس بالسلاح وعندها سوف نشهد انهيارا شاملا للنظام وبطريقة غير مسبوقة من حيث سرعته.

التفكك في الكيان الايراني الحالي وصل مرحلة تنذر بالخطر حيث تتوفر الان امكانية تقسيم هذا الكيان المسخ والمصطنع فقد انتعشت المشاعر المعادية للغزو الفارسي مجددا وحان وقت استثمارها، ولنتذكر الدلالات العميقة لما يقوله الفرس عن القوميات الاخرى وكيف ترد تلك القوميات على الفرس، فحين ينتهي الفارسي من طعامه يقول “خدا رو شُكر. كه نه شدم ترك ”  يعني ( لله الشكر أني لست من الترك ) ! أما التركي في ايران  فعندما ينتهي من طعامه ويشبع يقول ” خدار رو با سباس كه نه شدم بارس ” يعني ( لله الحمد أني لست من الفرس ).وهذا الواقع يعيد التأكيد على ان اللحمة الايرانية مصطنعة وهشة وقابلة للتمزيق وربما حانت لحظة تمزيقها بوصول الكراهية المتبادلة بين الفرس وغيرهم مرحلة التفجر .

ويظهر الاختلال في تركيبة اسرائيل الشرقية بصورة اوضح عند الازمات الساخنة فتبدو كل العيوب وتغري بالتقرب منها وجعلها وسيلة لتهديم الكيان المصطنع المسمى ايران والذي لم تجلب اي جهة لا عالمية ولا اقليمية في الماضي والحاضر شرورا للمنطقة كلها مثلما فعل هذا الكيان الجرثومي عبر التاريخ والحاضر لانه يموت اذا لم يمتص دماء محيطه غير الفارسي. ويكفي ان ننظر الان للكوارث غير المسبوقة التي تغرق فيها الاقطار العربية خصوصا العراق وسوريا واليمن ولبنان كي نفهم حقيقة ان سرطان المنطقة الاشد خطورة هو بلاد فارس، ومن هذه الحقيقة نرى السبب الذي يجعل امريكا وبريطانيا ترفضان اي مس بوحدة اسرائيل الشرقية او اي دمار يلحق بها مرفوض تماما لانها اهم ذخيرة ستراتيجية لهما. وهذه الحقيقة التاريخية نذكّر بها كي لا نقع في وهم ان امريكا او بريطانيا سوف تعملان على تقسيمها او اضعافها من خلال دعم الانتفاضات الشعبية الايرانية المتتالية والتي كانت كل واحدة منها كافية لاسقاط النظام الايراني، لو ان امريكا فعلت مع نظام الملالي ما فعلته مع نظام الشاه عندما تفجرت الانتفاضة الشعبية فتدخلت مباشرة وارسلت الجنرال روبرت هويزر قائد القوات الامريكية في اوربا وقتها الى طهران لمنع قادة الجيش من تنفيذ اوامر الشاه بسحق الانتفاضة بلا رحمة وهو ما فعله ومنع قادة الجيش من تنفيذ اوامر الشاه، وورد ذلك في مذكراته ومذكرات الشاه ايضا التي ضمنها كتابه (رد للتاريخ)،فاصبح الطريق سالكا لسقوط الشاه وتولي خميني الحكم المطلق، فهل توجد الان امكانية امريكية لارسال هويزر اخر لمنع الحرس الثوري من سحق الانتفاضة بالقوة ؟ الجواب كلا لاتوجد اي مؤشرات مهما كانت ضعيفة تشير الى وجود قرار امريكي بأسقاط النظام وما يؤكد ذلك هو ان الانتفاضات السابقة كانت كلها مرشحة لاسقاطه ولكن رفض امريكا اتخاذ قرار بأسقاطه ابقى النظام وافشل الانتفاضات. ومن يقول ان امريكا لاتملك القدرة على اسقاطه لايعرف ما يجري في اسرائيل الشرقية والمدى الذي وصلته من التفكك والضعف فهي الان اشد ضعفا من عهد الشاه بكثير ولكن ما يبقيها متماسكة هو القرار الامريكي والاوربي بمنع تقسيم الكيان الايراني.

اذا: ماذا تريد امريكا من مناوراتها المتكررة طوال اربعة عقود مع النظام الايراني ؟

انها ببساطة تستخدم كافة وسائل الضغط لاجبار النظام الايراني على العودة لما بين السكتين الامريكيتين بعد ان شجعت امريكا بذاتها النظام كي يخرج منهما كي ينفذ خطة مشتركة امريكية وصهيونية وفارسية وهي التدمير الشامل للاقطار العربية وتقسيمها وتغيير البنية السكانية لكافة الاقطار العربية بفرض هويات فرعية ميتة او ضعيفة لتحل محل الهوية القومية العربية كالهويات الاثنية والطائفية والجهوية وغيرها، فهل ستذهب امريكا ابعد من اعادة النظام الى ما بين السكتين والانتفاضة تنتشر من الاحواز العربية المحتلة الى اصفهان مركز الفرس وبلوشستان ولورستان وطهران؟

الجواب وفي ضوء المخطط الامريكي هو كلا امريكا ستخذل المنتفضين ولن تفعل اكثر مما فعلت في الانتفاضات السابقة وهو دعم الانتفاضة لحين ظهور بوادر رضوخ النظام الايراني للشروط الامريكية ولذلك نلاحظ انه كلما تعنت النظام في مفاوضات النووي والصواريخ والتدخل في شؤون الغير زادت امريكا ضغطها عليه بدعم انتفاضات الداخل. ولهذا فان الحل الوحيد لمخاطر اسرائيل الشرقية هو تقديم كافة انواع الدعم للانتفاضة الحالية من قبل العرب وجيران اسرائيل الشرقية المتضررين من تخريبها من جهة، والاعتماد التام على الذات في اسقاط النظام من خلال وحدة الموقف الاحوازي واقامة علاقات تحالف مع الحركات القومية غير الفارسية التي تناضل من اجل التحرر من الاستعمار الفارسي من جهة ثانية، والمناورة مع الحركات القومية الفارسية الرافضة للنظام باقامة اي نوع ممكن من التنسيق معها لاسقاط النظام لان اسقاطه سيكون المفتاح المناسب لبقية الخطوات التحررية من جهة ثالثة .

نعم الانتفاضة يمكن ان تنجح عندما تعتمد على نفسها اولا، والحماس الحالي في الاحواز هو العنصر الاهم في تقرير النصر من عدمه وهو يفوق المطلوب لحسم الصراع ،واذا اتاها الدعم من الخارج فمرحبا به اما اذا اعتمدت على الخارج في النجاح فمصيرها هو نفس مصير الانتفاضات السابقة لها .امريكا وبريطانيا تحديدا لم تفرطا ولن تفرطا بأهم ذخيرة ستراتيجية لهما في المنطقة وهي اسرائيل الشرقية والتي تجاوزت قيمتها الستراتيجية بمراحل اهمية اسرائيل الغربية في خدمة المخططات الغربية بل ان الاخيرة تكاد تفقد دورها الاقليمي الفعال .

انها لحظة الطرق على الحديد وهو ساخن ولكن ومثلما حصل في الانتفاضات السابقة فان التكتيك الامريكي والبريطاني هو ترك الحديد يبرد دون طرق شديد والاكتفاء بطرق خفيف هدفه تعديل شكل النظام وليس اسقاطه وتلك هي اهم الملاحظات التي لايمكن اهمالها اذا كان المطلوب هو تحرر الاحواز وانهاء الفايروس الفارسي القاتل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى