مقالات

مصر الحزينة

محمد شريف كامل

مدون وكاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

منذ 3 يوليو 2013 وطوال ثماني سنوات نتصور كل يوم أن الحكم في مصر قد بلغ قمة الفاشية وأننا قد وصلنا إلى قاع التهاون والإهمال والخيانة، ثم يأتي يوم أخر يضيف ملحمة جديدة من ملاحم السقوط والتردي.

منذ هزيمة 1967 خيم الحزن على مصر، ولم تسترد عافيتها بعد ولم يُسمح لها أن تفعل، وكلما سعت لفض الغبار لُطمت وصُدمت بأسوأ مما كانت عليه، ولم نمر طوال تلك السنوات إلا بمحاولتين شبه ناجحتين وقد تم أفشالهما، فكانت المحاولة الأولى هي حرب 1973 والتي انتصرت فيها إرادة الإنسان المصري تم ارتد السادات على ذلك الانتصار باستسلام كامب دافيد الذي فاق هزيمة 1967، ثم كانت المحاولة الثانية هي الثورة في 25 يناير 2011 والتي خزلها كل من شارك فيها فأنقض عليها العدو وسيطر على كل ما بقي من الأمل.

لقد استرجعت ذلك الماضي القريب والحزن يحيط بنا من كل جانب ونحن ننعى نهر النيل في أيامه الأخيرة، وبدلا من أن نوحد جهودنا لاسترجاع حق أضاعه عملاء الاستعمار المتجدد ومعاونيهم من المغيبين والمنتفعين بتوقيع اتفاقية المبادئ في 2015 والتي يتم توثيقها الأن بمهزلة التقدم لمجلس الأمن بلا استعداد، بل وبإسقاط كل الأوراق فنذهب لمجلس الأمن باتفاقية 2105 بدلا من أن نذهب لهناك باتفاقيات الحقوق المثبتة، ونهدد أوروبا بالهجرة غير الشرعية، وما كل ذلك إلا لإضعاف مصر لإسقاط كل الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق دول المصب وتحديدا مصر.

وبدلا من أن يقوم النظام الحاكم في مصر بتوحيد الجهود لاسترداد الحقوق، يستمر ذلك النظام في القيام بدوره لتدمير العلاقة الوطيدة التي شملت الشعب المصري والعربي يوما ما، وبدلا من لم الشمل يزداد الشقاق، ونتلقى نبأ تأكيد أحكام الإعدامات فيما عرف باسم قضية “فض رابعة” وجميعنا يعلم أن من وقف في قفص الاتهامات هو المجني علية ووقف الجاني يحاكمه للمرة الثانية، فبعد أن أصدر النظام الفاشي الحكم عليه ونفذه بلا محاكمة في 14 أغسطس 2013، عاد ليصدر عليه ذات الحكم بعد محاكمة صورية قيمتها لا تتعدى قيمة الأوراق المكتوبة عليها.

ومن منا لا يعرف ما حدث في مذبحة رابعة، التي ارتكبتها حكومة الانقلاب ووثقتها هيومن رايتس ووتش في تقرير وثق الواقعة “حسب الخطة، والذي وصف المذبحة بأنها جريمة مكتملة مع سبق الإصرار والترصد، لا تختلف عن كل جرائم النظام التي نراها في مصر اليوم حيث التصفية الجسدية هي شعار النظام وطريقة لإسكات كل أشكال المعارضة وتكامل معها حكم الإعدام الذي يستغل فيه القضاء المسيس، فمنذ عام 2013 تم إصدار أكثر من 1500 قرار إعدام لأسباب سياسية، فهي قرارات وليست أحكام، تم تأكيد أكثر من 160 حكم من بينها، ومنها تم تنفيذ 98 اعدام حتى يومنا هذا، والأصح أن يقال عليه هو الأخر قتل مع سبق الإصرار والترصد.

أعلم أنه وللأسف هناك من يقبل أن يلقى كل من عارض في السجن دون سبب، ولا يقدر معنى الاختلاف في الرأي وحق المعارضة وحرية التعبير ولا يدرك معنى الديمقراطية، لكن لا يمكن أن نختلف على أن استخدام عقوبة الإعدام لإسكات المعارضة هو جريمة قتل، ولو لم نرى ذلك فبلا شك هناك خطأ في تركيبتنا أو عقلنا، بل هي خطيئة كبرى أن نعيش حياتنا ونستمتع بها وأيدينا وطعامنا ومتعة أطفالنا ملطخة بدماء ضحايا ذلك النظام الذي منا من أعانه على ظلمه.

إن مصر اليوم حزينة فقد فقدت المياه والغاز والأرض يوم صمت العديد أمام إعدام أبنائها في رابعة، وأعادت محاكمتهم وقررت اعدامهم، فكانت رسالة واضحة للعالم كله أن النظام في مصر لا يحترم أي شيء؛ فوضاعته تجاوزت كل الحدود، وهذا حاله وهذا هو الواقع المؤلم الذي نستيقظ علية كل يوم، ولكن السؤال إلى متى سيظل المؤيدون لذلك النظام يسبحون في بركة الدماء ويهدرون ثروات مصر البائسة؟ وهم ولا شك يدركون أنهم يدمرون مستقبل أبنائهم وذلك من باب العند فقط، وإلى متى سيظل الصامتون يقبلون أن يتناولون طعام مخضب بدماء الأبرياء؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى